خروج أبي حفص بن شيري من البلد وتمام الأخبار عن مفارقة روح الإيمان لذلك الجسد
ولما رأى ابن شيري أن العدو قد استشرى، وطمس على/ 43/ المسلمين طريق البشرى، ولم يشك أن حامل الداهية تطلق (1)، وأن المدينة بأكبر الرزايا تصبح أو تطرق، خرج إلى البادية بنجدة يعدها، ونصرة يستجدها، وليسعى في إفساد ما كان بين أهلها وبين النصارى من وصلة قاطعة، وهدنة خارقة غير رافعة، عائدة بكل قارعة. فجمعهم ووعظهم، ومن سنة تلك الجهالة أيقظهم، وتولى أمرهم على ألا يتولى أحد منهم كافرا، وأن يكون له بقلبه ووجهه منافيا منافرا.
فأجابوه لما شرط، وقبضوا من الروم ما كان انبسط، وأجمعوا على الانقطاع من معسكرهم، وقتلوا من كان منهم بين أظهرهم. فأوجس الروم منهم خيفة (2)، ورأوا الشدائد بهم مطيفة، وقالوا إن احتبست المدينة، وانقطعت عنا الميرة المعينة، والبرد قد خشن جانبه، والبحر قد خشي راكبه، وهدنة الرعية قد انتقضت، وأيام إرفادها وإرفاقها قد انقضت، فنحن في قبضة الهلك، وطريق النجاة عويصة السلوك على الخيل والفلك.
ولم يبق إلا أن نقاتل البلد (3) بجملتنا، ونصدمه بسيل حملتنا،
Page 129