على تلك الأودية، فسالت وحقق ما كان فيها من الأمل، واستفز باسم الله فيها من سبق له الشقاء في الأزل، وقالوا ليس بين الدينين تضاد، والمسيء من نصادفه وهو عن القبول صاد.
فصالحوا الروم على أداء ما كان يلزمهم، وأمضوا من هذا الرأي ما اتفق عليه أعجزهم وأحزمهم، وفتنوهم بما أظهروا لهم من كرامة يستحل قبولها الضعاف، ويستحلى طعمها وهو السم الزعاف، وهذا أعظم بلاء رمي به الناس، وحق به البأس. فإن هؤلاء أعانوا النصارى بالأقوات والعلف، ورفعوا عنهم ما كان أزعجهم وأعجزهم من الكلف، واتخذوا منهم رجالا أنسوا منهم الإقبال، فناطوا بهم الآمال، وجلبوا لهم ألطافا، وهزوا منهم أعطافا، فاطمأنت بهم الدار، وتمكن لهم الحصار. ولو لا أنهم هادوهم وهادنوهم، وسكنوا إليهم وساكنوهم، وأمروهم فأطاعوا، وماروهم بما استطاعوا، لانفضوا بسبب الإنفاض من الميرة (1)، وكان إعسارهم بالنفقة موجبا مفارقة الجزيرة (2).
Page 115