Tarikh Masrah
تاريخ المسرح في العالم العربي: القرن التاسع عشر
Genres
والأمر الآخر يتمثل في أن افتتاح الأوبرا كان محددا بقصيدة غنائية من قبل المنشدين والمنشدات وهم واقفون حول صورة للخديو إسماعيل. ولم يكن الاحتفال كما هو معروف بأية أوبرا تمثيلية. أي إن الأوبرا افتتحت بقطعة غنائية لا بأوبرا عايدة ولا بأوبرا ريجوليتو كما هو مدون في جميع المراجع الحديثة.
وإذا كنا قد أثبتنا أن افتتاح الأوبرا كان في 1 / 11 / 1869 بقطعة غنائية، إلا أن أوبرا ريجوليتو تم عرضها في اليوم التالي، أي يوم 2 / 11 / 1869. ومن الطريف أن هذه الأوبرا لم يكتمل عرضها؛ إذ حدث حريق أثناء العرض أدى إلى فرار الممثلين. وهذه الحقائق تنقلها لنا المجلة في عددها التالي في 12 / 11 / 1869 قائلة: «إن من الأخبار التي يقول المصغي لها إذا سمعها الحمد لله الذي قدر ولطف، أنه بينما كان الجناب الخديوي المعظم قد شرف مكان تياترو الأوبيره «ملعب التخليعات التصويرية الممزوجة بالألحان الموسيقية»، الكائن بالمحلة الإسماعيلية بالأزبكية. وكان كل من اللاعبين واللاعبات يبدي ما عنده من المهارة ويظهر برهان ما لديه من البراعة والشطارة في اللعبة المشهورة عندهم باسم «لاريجواليته» في ليلة الثلاثاء الماضي «28 رجب» [الموافق 2 / 11 / 1869]، وإذا بثورة من الغاز الموقد في مكان التياترو المذكور، قد قامت وكأن القيامة قد قامت. حيث فزع سائر الحضور وانقطع سلسال الحظ والسرور. وكان أول من أبق من خوف النار وقال إن الغنيمة في الفرار، أبناء الفن؛ إذ لم يسعهم غير الخروج من ذلك الكن. وترتب على ذلك حصول اختلاط واختباط والوقوع من الهباط واللياط في مثل ما ذكره الأديب الحريري لمناسبة وقوع المجاعة في دمياط. وانقطع اللعب وأعقب ذلك الطرب نوع آخر من الطرب مع ما كان يحصل من طرف بعض المتثبتين منهم من الصياح بالتطمين. وما حصل على الخصوص من لدن الجناب الخديوي العالي من التصري بالتأمين حيث خرج من حجرة الخديوية المعدة لإقامته العلية. إذا كان قد شرف مكان تياترو الأوبيره المصرية وجعل بنفسه يطمن الناس ويصيح بأعلى صوته على الثبات والسكون بأنه لا بأس.»
45
وهذا الخبر يؤكد أن أوبرا ريجوليتو لم يتم عرضها على الوجه الأكمل، بسبب الحريق الذي اندلع وقت تمثيلها، كما يؤكد أيضا أن الخديو حضر بمفرده هذا العرض ولم يحضر معه أية شخصية أجنبية من ملوك وأمراء أوروبا، وإلا كانت المجلة ذكرت اسمه، ووجدت في ذلك الأمر مادة صحفية طريفة تستحق النشر.
وتتوقف الحركة التمثيلية في الأوبرا الخديوية بسبب احتفالات افتتاح قناة السويس، ثم تعود في 19 / 2 / 1870، بعرض أوبرا سميراميس، وقد خصص إيرادها للعاملين بالأوبرا، وتوضح مجلة وادي النيل هذا الأمر قائلة: «... وإن شاء الله تعالى فيما بعد نذكر للراغبين زيادة تفصيل، كما هي عادة كتبة الغازيتات [أي الدوريات من مجلات وصحف] فيما يتعلق بزبدة [خلاصة] لعبتها. ولربما أدرجناها على سبيل الأنموذج لهذه التأليفات الأدبية في صحيفة وادي النيل بكليتها إذا وفق الله سبحانه وتعالى فيما بعد لترجمتها ... ولأجل شدة تشويق المتفرجين ... زيد على لعبة سميراميس هذه فرجة جديدة تسمى بحاوية الثعبان. وهي عبارة عن جماعة من رقاصين التياترو يرقصون رقص السودان والبنات المغنيات من قبيل ما يعرف باسم العوالم المصريات، يجتمعون في ميدان التياترو ويعملون صورة فرح للملكة سميراميس المذكورة. وتأتي معهم الحاوية فتحصل حركات متنوعة وملاعيب مبتدعة. ثم تعذب الحاوية ثعبانها فيعضها فترقص كالمصاب بالجنون حتى تقع على الأرض.»
46
وهذا الخبر على وجه الخصوص يحمل لنا عدة معلومات مهمة وجديدة في نفس الوقت. ومن هذه الأمور، أن أوبرا «سميراميس» هي أول أوبرا تعرض بصورة كاملة منذ افتتاح دار الأوبرا، إذا وضعنا في الاعتبار أن الافتتاح كان بقطعة غنائية موسيقية، وأن أول عرض لأوبرا ريجوليتو لم يتم بصورة كاملة. والأمر الثاني، عدم معرفتنا من قبل أن أوبرا سميراميس عرضت في هذا التاريخ؛ لأن المعروف أنها مثلت بتياترو حديقة الأزبكية في 7 / 4 / 1905.
47
والأمر الثالث يتعلق بالأمل في نشر ترجمة المسرحية، وهذا الأمر يعكس لنا مدى اهتمام الصحافة الأدبية بهذا الفن الجديد الوافد إلينا من الغرب. وبكل الأسف لم تتم الترجمة، وبالتالي لم يتم النشر، ولو كان حدث هذا لكنا حصلنا على أول نص مسرحي منشور في مصر. والأمر الأخير يتمثل في إدخال الاستعراض في عروض الأوبرا، وهذا وإن دل، فإنما يدل على أن المسرح الاستعراضي واكب النشاط المسرحي في مصر منذ ظهوره.
وفي 28 / 2 / 1870 وفت المجلة بوعدها، فأثبتت ملخصا - في عدة صفحات - لأوبرا سميراميس كتبه محمد أنسي، ومن أقواله فيه: «... وهي بدعة حسنة وطريقة للتربية العمومية مستحسنة، من حيث ما يترتب عليها من تفتيق الأذهان وتصوير أحوال الإنسان للعيان، حتى تكتسب فضائلها، وتجتنب رذائلها إلى غير ذلك من الفوائد الجميلة والعوائد الجليلة. ويا ليته يحصل التوفيق لتعريب مثل هذه التأليفات الأدبية وابتداع اللعب بها في التياترات المصرية باللغة العربية، حتى ينتشر ذوقها في الطوائف الأهلية ... إن أصل مبنى هذه اللعبة على حادثة تاريخية وقصة واقعية في بلاد آسية ... قبل ظهور عيسى عليه السلام بنحو ألفي عام بمدينة بابل التي هي كرسي مملكة العراق المسماة ببلاد الأسيرية. وحاصل هذه القصة، أن الملكة سميراميس كما هو في كتب التواريخ القديمة منصوص، كانت قد سمت زوجها الملك نينوس ملك بلاد الأسيرية باتحادها مع رجل من أهل بيت الملك يقال له الأمير أسوريوس؛ طمعا في الاستبداد بالملك وطاعة لشهواتها، ولقصد أن يتزوج بها الأمير المذكور ويشاركها في سرير الملك. وكان للملك نينوس المغدور ولد منها يسمى نيناس، فلما دنا أجله وتحقق أن الذي قتله هو زوجته بتواطئها مع ذلك الأمير، أخفى ولده هذا وأشاع أنه انفقد من بعد أن أوصى إليه أن يأخذ بثاره ... [إلخ الملخص] وتخلل ذلك من الأقوال على لسان كل أحد بلسان من صوره من اللاعبين واللاعبات، ما يظهر للعيان صور الشهوات كأنها مشاهدات. ومعنى ذلك كله تقبيح القبائح وتنقيح النصائح من أن الغدر مآله ذميم والانقياد للهوى مرتعه وخيم، وأن القاتل لا بد وأن يقتل، والظالم وإن أمهل لا يهمل، فتأمل!
Unknown page