- الباب الخامس- قي فكر وفائه ومكافأته على الحسنى بأضعافها
والوفاء حلة يتزين الكرماء بحلتها ، وتتشرف خلايقهم بالتبوء في حلتها ، وهي العصمة التي يلجأ إليها طريد العسرة ، ويلوذ بها من يروم من إخوانه النصرة ، وقل ما يكون إلا فيمن كرم نجاره ، وأمن في حماه من طوارق الحدثان جاره ، لا جرم أنه فاز منه بالمثل الأعلى ، وغدا والصغير من وفائه يباع في سوق المكارم بالثمن الأغلى .
الف الوفاء فلا يميل لغيره
وأخو الجلالة للوفاء ألوف
فلذا جزاؤك عنده عن فعلة
ترضي الكرام من الفعال ألوف
فمن وفائه الذي عجزت الألسن عن شكره ، وتنافست فيه النفوس باستقرارها في وكره ، ما صنعه مع البيت الأيوبي ؛ وهم أولاد الملك العادل وأولاد الملك الناصر ، فإنهم كانوا في كفالة الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن الملك العزيز محمد بن المك الظاهر غازي بن يوسف بن ايوب صاحب الشام ، فلما انتقل الملك عنه إلى الملك االظفر ، ثم إلى السلطان الملك الظاهر - تغمله الله برحمته - أوى كبيرهم ورحمصغيرهم ، وصان بالبشر من خلفوه أحرارا وأمراء، واشتمل عليهم بأنواع المبار احتفالا واحتفاء، وأجرى عليهم الرواتب والوظايف ، وشملهم بظل إحسانه الوارف، وبوأهم رياض بره المريعة ، وجعل ذلك وسيلة له عند الله وذريعة ، اقتداء برسول الله -صلىاله عليه وسلم - لما روته عائشة - رضي الله عنها - وهو أنها قالت : " كان رسول لله صلى الله عليه وسلم يذبح الشاة فيعضيها أعضاء ، ويقسمها في أصداق خديجة ، وكانت تأتيه عجوز فيكرمها ، ويبسط لها رداءه ، فسالته عن ذلك فقال : "هذه كانت تأتينا على زمن خديجة ، وحسن العهد من الإيمان" .
Page 289