ومنها أن الأمير شمس الدين سنقر الأقرع ، مملوك الملك المظفر شهاب الدين غازي بن الملك العادل ، كان قد توجه إلى بغداد رسولا من جهة الملك المعز ، فلما قفقل ودخل دمشق اتصل به أن الملك المعز قتل ، فاجتمع بالملك الناصر وأشار عليه بالقبض على السلطان الملك الظاهر ، وانه متى فعل ضمن له صلاح من في الديار المصرية ، من الأمراء الصالحية والمعزية ، فلم يجبه إلى ما أشار به عليه ، واتصل بالسلطان الملك الظاهر هنه المؤامرات فلما ملك لم يؤاخذه بما بدا منه من الإساءة قبضه ، ولا ضيق عليه ما اتسع من سماء أمله فيه وأرضه ، بل أغضى عنه ولم يؤاخذه بهناته ، ولا عاتبه بتصريح ولا تعريض على ما فرط من سيئاته ، ولم يزل حظيأ عنده ، منجحا مرامه وقصده ، حتى أفرط في الدالة ، فقبض عليه سياسة أوجبها الملك وحبسه .
ومنها أنه لما قتل الملك المظفر على القصير ، تقدم إليه الأمير عز الدين أيبك أخوالأمير جمال الدين آقوش المحمدي ، وأفحش له في القول ، وتعدى طوره بما أظهر من القوة والحول ، وجرد سيفه يريد قتله ويروم ختله ، فلما ملك لم يكترث بما أقدمه عليه الحنق ، ولو شاء سمل في الانتصار أو شنق ، بل زاد في إقطاعه ، ولم يقطع ذر اصطناعه ، واستمر في خدمته إلى أن قتل في بلاد الروم في آخر دولة السلطان الملك الظاهر - رحمهما الله - وعفا عنهما.
ومنها أن الأمير ناصر الدين الحسين بن شمس الدين عزيز القيمري وغيره من الأمراء القيمرية كانوا يحرضون الملك الناصر في القبض على السلطان الملك الظاهر واستئصال شأفة من كان معه من الأمراء البحرية في كل وقتم ، وهو مطلع على ما يدور بينهم وبين الملك الناصر في ذلك ، فلما عاد الملك الناصر بعد استيلاء التتر على االبلاد قاصدا للتتر ، كان معه الأمير ناصر الدين وجماعة من الأمراء القيمرية فقبض ازين الحافظي على الأمير ناصر الدين وعلى من [ كان معه] ، فلما ملك الملك االمظفر دمشق بعنهم إلى القاهرة فحبسهم في قلعتها ، فلما ملك السلطان الملك الظاهر أطلق الأمير ناصر الدين وأمره وأقطعه إقطاعا بالشام ، وركزه في بلاد الساحل .
Page 284