- الباب آلرابع - في ذكر عفوه وصفحه
كان - تغمده الله برحمته - قد اتخذ عفوه عن المسيء إلى عفو الله سلما ، وجعله ذخيرة عنده ليوم يقدم فيه مستسلما ، وزاده فيه رغبة قول من كشف الله به عن أمته الياس من رحمته والباس ، ينادي يوم القيامة مناد : " ألا ليقم من له على الله حق !" فيقوم العافون عن الناس حتى أربى فيه على المأمون مع قوله : "حبب إلي العفو حتى خفت ألي لا أؤجر عليه ، ولا ينسب إلي شيء منه ولا أنسب إليه" .
ملك يرى العدل دينا بعد قدرته
لكن إذا لم يكن للشر منهاجا
ان الفساد إذ آلم يمس راكبه
صريع ما قد جنى من فتنة هاجا
ومن فعلات السلطان الملك الظاهر التي ازدانت بها فعلات العافين ، وكتبت في صحايف الذين أصبحوا ا عن الفجر صادين ، وبالعهود وافين ، أنه لما قتل الملكالمعظم توران شاه بن الملك الصالح نجم الدين آيوب أجمع جماعة من خشداشيته االبحرية على قصده وقتله ، فحماه الله منهم بعد ان جرحه بعضهم ، فلما ملك - تغمده الله برحمته - لم يواخذهم بل أفاض ملابس عفوه عليهم ، وأحسن بما أقطعه من الإقطاعات إليهم ، ودام لهم على البر والصلة ، ونظم شتات أمورهم وكانوا يظنون انها تكون منفصلة .
ومنها أن الأمير علاء الدين أيدغدي الركني كان قد جرى بينه وبين السلطان الملك الظاهر في أمر مملوك منازعات في آيام الملك الناصر ، قد حكيناها ، فلما ملك - تغمده اله برحمته - استدعاه إليه بعد آيام ، فما شك أنه مقتولة ، فلما دخل عليه قام إليه واعتنقه وأراه أنه قد أزال عنه حنقه ، وأقر بالعفو عنه عينه ، وعرفه كم بينه في التقاضي وبينه، وقال له : " قد رسمنا لك بثلاثين ألف درهم تمن الغلام ، فعاقدنا عليه" فعاقده وكتب عهدته ، وأشهد عليه فيها ، ثم أمر له بمتاع وإقطاع. ، ولم يزل في خدمته الى أن كف بصره وعجز عن الخدمة فاستعفى ، ونزل عن الإقطاع ولزم بيته ، فأجرىعليه قريتين من بلاد الساحل لكلفه ونفقته ، ولم يزالا بيده إلى أن توفي السلطان الملكالظاهر - رحمه الله - فأقرهما عليه ولده السلطان الملك السعيد .
Page 283