Tarikh Mabadi Iqtisadiyya
محاضرات في تاريخ المبادئ الاقتصادية والنظامات الأوروبية
Genres
فخلاصة فكر آدم سميث في هذا الباب هي وجود نظامات اقتصادية بطبيعتها، وأن هذه النظامات محفوظة بمصالح الأفراد وشهواتهم ورغباتهم المختلفة.
فالفرق الأساسي بين آدم سميث وبين الفيزوقراطيين هو واضح جلي، فإن الفيزوقراطيين يقولون بنظام طبيعي ينبغي اكتشافه وتطبيقه بواسطة ملك مستبد عال. أما آدم سميث فيقول بأن هناك نظاما طبيعيا موجودا لا نحتاج للبحث عنه لأنه أمامنا ونشعر به في كل لحظة، وهو المصلحة الذاتية، وأن أمام هذا القانون عقبات كثيرة، ولكنه يفوز على كل عقبة.
2
وبقي علينا الفكرة الأساسية الثانية التي تظهر في مبادئ آدم سميث، وهي قوله بأن سائر النظامات الاقتصادية التي صدرت عن الطبيعة عفوا ليس لها وجهة إلا الخير المحض، فهو يجمع في جملة واحدة رأيين مختلفين: الأول صدور النظامات الاقتصادية عن الطبيعة، والثاني اتجاه تلك النظامات نحو سعادة الإنسان.
فإن النفع الذاتي لكل شخص يكون الحالة الاقتصادية ويحتفظ بها، ثم إنه يضمن مسير الأمة نحو التقدم والثروة، وبعبارة أخرى يريد سميث أن يقول إن النظامات الاقتصادية الطبيعية صادرة عن العناية الإلهية؛ لأن خيرها كما رأيتم لا يحد.
قال آدم سميث في نبذة تكلم فيها عن استعمال رءوس الأموال: إن الإنسان وهو يتبع نفعه الذاتي ترشده يد خفية إلى الوصول إلى نتيجة لم تكن في الحسبان. وهذا ما يطرأ له في شئون كثيرة. (ثروة الأمم الجزء الأول ص421 الكتاب الرابع الفصل الأول).
ومما ينبغي لنا ملاحظته أن الأمثلة التي أعطاها آدم سميث كلها تتعلق بنظامات اقتصادية، يظهر فيها الخير المحض حقيقة، ولا ريب في أنه اختار أمثالا من المسائل الاقتصادية التي يتوفر فيها الشرطان اللذان فرضهما، وهما صدور الشيء عن الطبيعة واتجاهه نحو الخير المحض، وغاية سميث من هذا واضحة؛ لأنه يريد أن يتأثر من يطالع كتابه برأيه، فذكر تقسيم الأعمال اختراع النقود تكون رءوس الأموال وما يشبه ذلك، وفي كلامه عن رءوس الأموال نراه يقول إن المال إذا تكون يبحث بذاته عن المصارف التي تكون ذات النفع الأعم للهيئة الإنسانية. وقد بلغ هنا المنتهى من الرغبة في الإدلال على رأيه؛ لأنه متى ذكرنا واعتقدنا صحة رأيه - أي إن المال إذا تكون يبحث بذاته عن المصارف التي تكون ذات النفع الأعم للهيئة - فهذا كذلك يدل على أن التحصيل كله (أي إخراج سائر الصناعات والزراعات والأعمال) مرتب ومنظم على أحسن نظام كافل لإسعاد البشر وإنجاحهم.
وقد ميز سميث أربعة مصارف للأموال: الأول الزراعة، والثاني الصناعة، الثالث التجارة بالجملة، الرابع التجارة بالقطاعي، وفي التجارة بالجملة يميز ثلاثة أنواع: التجارة الداخلية والتجارة الخارجية وتجارة النقل، وقد فضل سميث الزراعة على سائرها، ثم تلتها الصناعة ثم التجارة الداخلية وهكذا.
فإذا أرادت أمة أن تنتفع أعظم انتفاع بثروتها، فعليها أن تصرف أموالها في تلك المصارف حسب الترتيب الذي ارتآه سميث، فينبغي عليها أولا الاشتغال بالزراعة، ثم لا تضع أموالها في المصارف الأخرى إلا إذا احتاجت لذلك.
وقد ظهر لسميث أن هذا هو ما يفعله أصحاب الأموال بطبيعتهم؛ أي إنهم لا يخاطرون بأموالهم إلا في الزراعة أولا، ثم تتلوها سائر المصارف على التدريج، وبعبارة أخرى يظهر لنا أن رغبة أصحاب الأموال المزدوجة في حفظ الأموال أولا على مقربة منهم، وفي الانتفاع بأكثر ما يمكن الانتفاع به ثانيا هي التي تسيرهم في الطريق التي اختطها آدم سميث.
Unknown page