Tarikh Khalij Iskandariyya
تاريخ خليج الإسكندرية القديم وترعة المحمودية
Genres
أ.ه.
ويلوح من أول وهلة أن عبارتي أبي الفداء السالفتين متعارضتان ولفهمهما يلزم ملاحظة أن أولاهما خاصة بجزء السهل الواقع على يسار الترعة، فهذا الجزء نظرا لانغماره بمياه بحيرة مريوط كانت أرضه حقيقة مشوبة بملح البحر، أما العبارة الثانية فينطبق نصها على جميع الفضاء المحصور بين ضفة الترعة اليمنى والبحر. فهذه الأرض لم تكن جميعها تقريبا مغمورة بالمياه في ذلك الوقت، كما هي الآن إذ إن بحيرة أبي قير التي لا ينبغي خلطها مع بحيرة إدكو (بحيرة المعدية القديمة) لم تكن ظهرت في عالم الوجود حتى ذلك الحين.
ومما لا ريب فيه أن ضفاف ترعة الإسكندرية كانت مزدهرة زاهية حتى بعد أن أضحى العرب أصحاب السلطة والسيطرة على المدينة، ومما يبرهن على أن الحاجة كانت ماسة جدا لاتصال إحدى الضفتين بالأخرى، الكباري الأربعة التي مدوها بطول امتداد الفرسخ (4000 متر) الواقع قبل الإسكندرية، وأحد هذه الكباري وهو الأكثر مجاورة لسور العرب قد تهدم، وأما الثلاثة الأخر فكانت مشيدة على غرار واحد، وكل واحد منها مكون من قنطرة واحدة مرتفعة ارتفاعا كبيرا؛ لتيسير الملاحة.
وقبل أن نتكلم على الأعمال التي يلزم عملها لترعة الإسكندرية حتى تقوم بالغاية التي حفرت من أجلها على أتم وجه وأفضله نوضح الأسباب المهمة التي تحتم على الحكومة إنجاز هذه الأعمال.
إن ترعة الإسكندرية - بعد ترعة السويس - هي أهم الترع التي ينبغي على ولاة الأمور في مصر أن يعنوا بها كل العناية، ويوجهوا أفكارهم لمباشرة إصلاحها؛ لتصير صلة لا بد منها، ولا غنى عنها للترعة التي تربط النيل بالبحر الأحمر؛ لأن النقطة التي تنتهي إليها هذه الترعة في أي موضع كان من النهر لا بد للمراكب التي تمخر فيها أن تصل إلى الإسكندرية، ومن سداد الرأي أن يكون ذلك بواسطة الترع التي تسير في داخلية البلد عوضا عن تعريضها لبحر عجاج كثير الرياح والأمواج، أو تعريضها في أوقات الحروب لغارات الأعداء، ولقد أدرك الإغريق هذه الأشياء تمام الإدراك؛ ولذا كانت جميع التجارة في عهدهم تجري بواسطة بحيرة مريوط التي كانوا يؤثرون موانيها على مواني البحر الأبيض المتوسط، ولكن فيما خلا ترعة السويس كانت ترعة الإسكندرية لم يزل لها قسط وافر من الأهمية جدير بأن يستوقف الأنظار.
ومهما يكن من أمر الطريقة التي بها تستورد تجارة الهند أو البحر الأحمر إلى مصر من السويس أو القصير، ففي الواقع يدرك بالبداهة أنها كانت ولا بد من أن توجه إلى الإسكندرية لتشحن منها على السفن، وهذه توزعها على كافة البلاد الأوربية، وعلى ذلك تتطلب الأسباب التي أوردناها توا بشأن الاحتياج إلى النقل في داخلية البلاد أن تعود ترعة الإسكندرية صالحة للفلاحة طول السنة، وهذه العملية تكون من ناحية أخرى مصدر سعادة وفلاح لمصر وتهيئ للحرث والزرع جانبا لا يستهان به من أرضها ضيعته يد إهمال ذوي الحل والعقد الإجرامي فتظهر مرة أخرى ضفافها الجافة المهجورة في الوقت الحاضر وقد أعيد لها خصبها القديم، وهذه الحالة تنطبق انبطاقا تاما عجيبا على حاجات الإسكندرية الحديثة التي هي الآن مع ازدياد عدد سكانها وازدياد نشاطها لا تستهلك جزءا كبيرا من حاصلات مصر الحالية.
وكيفما قلبنا الطرف وأجلنا الفكر فيما عساه أن تصلح له الترعة التي نتحدث عنها نرى أنه لا غنى لمصر عن الإسكندرية فلا يجوز أن تترك عرضة لأن يضيع كل اتصال بينهما وبين النيل في طرفة عين.
لقد قلنا فيما سلف: إنه يوجد في اتجاه نهاية بحيرة أبي قير جسر مبني بالأحجار عرضه من 6 إلى 7 أقدام يفصلها عن الترعة، ومع أن هذا الجسر قد أقيم حديثا وفي بنيانه من المتانة حد الكفاية غير أنه نظرا لإهماله وعدم إجراء أي شيء في سبيل صيانته تطرق إليه الفساد والدمار، وقد تحدث العوارض الشديدة انهياره، وبما أن مياه البحيرة أشد انحطاطا من مياه الترعة فينجم من ذلك أن تنسكب جميع هذه المياه في البحر، والأنكى من ذلك أنه إذا كان القطع ينشأ على أثر عاصفة شديدة يحدث عنها أيضا انقلاب جسر الترعة الثاني فعندئذ تنحدر مياه بحيرة أبي قير في كل عرض السهل الذي كانت تشغله في العصور الخالية بحيرة مريوط، وهذا السهل لا يزال مستواه إلى الآن أحط من مستوى البحر، وعند ذلك تكون مدينة الإسكندرية مرة أخرى قائمة على برزخ ضيق جدا كما كانت في زمن وجود هذه البحيرة، ولكن مع هذا الفرق وهو أنه لن يعود بعد في حكم الاستطاعة توصيل مياه النيل إليها.
ولهذا يجب إعادة بناء الجسور التي تفصل البحيرة عن الترعة لتصير بالحالة التي كانت عليها قبلا وبناء جسور أخرى في كافة المواضع التي تخترقها بل ربما قد يكون من سداد الرأي ومن الأسهل كثيرا إبعاد الترعة عن البحيرة.
وهذا الأمر لا يحدث زيادة في النفقة؛ لأن السهل الذي تمر منه الترعة نظرا لشدة انخفاضه كما ذكرنا سلفا يدعو إلى الاكتفاء بإقامة جسور فقط؛ لحفظ الترعة، والحاصل أنه إذا أعيد بناء الجسر الذي يفصل البحيرة عن البحر أو على الأقل إذا اعتنى بملاحظته لكي لا يزداد سوءا على سوء، فلا يكون هنالك خوف مطلقا من العوارض التي قد تحدثها اضطرابات مياه البحيرة الشديدة.
Unknown page