Tarikh Khalij Iskandariyya
تاريخ خليج الإسكندرية القديم وترعة المحمودية
Genres
لقد علم من شهادة إسترابون أنه لدى خروج الإنسان من الإسكندرية من باب كانوب يجد على يمينه الترعة المسماة بهذا الاسم تسير بموازاة شاطئ البحر على مسافة يسيرة منه، وهذه الترعة التي كان لها مخرج في بحيرة مريوط ليس لها بلا شك مخرج من ناحية كانوب الواقعة على شاطئ البحر، ولكن المياه تصل إليها من النيل بواسطة ترعة مصدرها الفرع الكانوبي قرب مدينة شديا الواقعة على مسافة قليلة من فوهة النهر.
فما هي الأسباب التي حدت بالمهندس المعماري دينوقراط
Dinocrate
أن يحفر ترعة امتدادها ثمانية عشر فرسخا (72000 متر) في حين أنه كان في استطاعته أن يجر المياه من جوار كانوب بواسطة ترعة امتدادها ستة أو ثمانية فراسخ فقط (24000 أو 32000 متر).
لقد كانت ترعة كانوب على وجه التحقيق هي الترعة الوحيدة التي توصل المياه المخصصة للشرب إلى الإسكندرية، إذ لو فرض أنه حينما أضحت هذه المدينة أكثر مدن مصر سكانا لدعت الحالة إلى فتح ترع ابتداء من رأس الدلتا؛ لتزداد كمية المياه الصالحة للشرب في الإسكندرية، وهذا يقتضي أيضا التسليم بأن هذه المياه ما كانت تستطيع أن تصل إلى الإسكندرية إلا بعد أن تجتمع بمياه ترعتي شديا وكانوب. وبغير ذلك كان من المحتم أن تخترق بحيرة مريوط فيتطرق إليها الفساد بحكم الطبيعة.
وقد يجوز أن يكون جزء الترعة الحالي المحصور بين قرية الكريون والبطاح الملحة التي سبق الكلام عنها بقية إحدى هذه الترع القديمة التي كانت قد أعدت لتنمية كمية المياه في ترعة كانوب، وهذا الجزء يدور حول موضع بحيرة مريوط القديمة؛ لأن قاعه مرتفع كثيرا عن منسوب السهل. وهكذا يكون على ما يلوح لنا قد عملت ترعة بجوار الماء الملح أعدت لتوصيل المياه اللازمة لحاجات المعيشة.
وكان - على ما ذكره إسترابون - يصب عدد كبير من الترع متفرع من أجزاء النهر العليا، وكانت إحدى هذه الترع تمر بهيرموبوليس بارفا، ولقد بينا فيما سلف أن هذه الترعة كان بها طابع القدم، وذلك بجوار هذه المدينة المسماة الآن دمنهور، وعلى هذا نحن لا نرتاب في انضمام عدة ترع لبعضها ليتكون من مجموعها الترع الموجودة في الوقت الحاضر.
وهذا أمر يمكن الاستعانة به؛ لتعليل كثرة التعاريج الغريبة التي بهذه الترعة وتعدد ارتفاع قاعها في مواضع وانخفاضه في أخرى وذلك في أرض يستطاع فيها جعل امتدادها مستقيما جدا وقاعها في غاية الاعتدال.
ويحدونا تاريخ ترعة الإسكندرية إلى بحث مسألة أخرى لا تخرج عن الموضوع الذي نعالجة الآن:
يؤخذ من قصة حرب يوليوس قيصر بالإسكندرية أن قسما من هذه المدينة كانت تخترقه ترعة، وكان ماء هذه الترعة يستعمل لقضاء حاجة قسم كبير من الشعب؛ لأن ماء الصهاريج كان لا يمكن أن يفي إلا بحاجة فريق الأغنياء وتابعيهم، وكان يظن بعض الناقدين أن هذه الترعة هي نفس الترعة التي تتقابل مع بحيرة مريوط في ميناء كيبوتوس (الغربية) (Kibotos) ، وذلك بدون التفات إلى أنه حتى لو فرض أن مياه هذه الترعة أمست صالحة للشرب؛ لوفرة عدد ترع النيل التي تصب فيها لصارت بحكم الضرورة ملحة في الترعة التي توصلها إلى البحر، وما دامت هذه الترعة صالحة للملاحة فلا بد أنها كانت واسعة.
Unknown page