Tarikh Junun
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Genres
وكان يسمح بخروج المرضى فور «تحسن حالتهم العقلية». كانت الآنسة دو لافريير - 24 عاما - محتجزة لإصابتها بضعف ذهني، ولكن «هل عقلها ضعيف لدرجة تمنعها من إدراك وضعها البائس؟» أما عن طلبات الاعتقال الجديدة، فقد بدأ يتم التصريح بها مع توخي مزيد من الحذر عن ذي قبل (حتى ولو بدا أن الحكم بالحجر كان يظل غالبا حبرا على ورق). في بعض الأحيان - وهذا أمر مستحدث كليا - كان يمنح الخطاب المختوم الذي يحمل أمرا ملكيا لمدة عام واحد فقط، وهو الوقت الكافي للتأكد من استمرارية الجنون. وفي كل مكان، أصبح لزاما توفير «إمكانية التتبع». فأصبح توثيق حالة المريض، في السجلات والكشوف السنوية المطبوعة التي تحدد بدقة تاريخ صدور الأوامر الملكية وأسماء الوزراء الذين وقعوا الأوامر المذكورة، أمرا إلزاميا أكثر من أي وقت مضى. وأصبح يتعين، من الآن فصاعدا، تحديد الدافع وراء صدور الأمر الملكي. في نهاية عهد النظام القديم (ولكن أحدا لم يكن يعلم أنها النهاية)، صار الأمر الملكي، بعكس الأسطورة السوداء التي ارتبطت به، أكثر من أي وقت مضى هو أفضل ضمانة للحماية من الاعتقالات التعسفية. «مشاف تقوم بذاتها بوظيفة العلاج»
في أواخر عهد النظام القديم في فرنسا، كان المختلون عقليا محتجزين تقريبا في كل مكان، في انتظار تقنين وضعهم وتحديد مكان احتجاز خاص بهم (وفقا لما ورد في منشور «التعليمات» الصادر في عام 1785). بدأت مظاهر الإصلاح تلوح في الأفق وكان شبح الإفلاس الذي يهدد المملكة هو الذي يحول دون تفعيلها.
برزت على الساحة بعض دور الاحتجاز الجبري «المتخصصة» بالفعل كمنازل مرشحة للتحول إلى «دار للمجانين». كما هي حال بلدية سان ميان، التي أعدت في عام 1786 «مشروعا لإنشاء دار للمجانين في مقاطعة بريتاني»؛ بحيث تكون هذه الدار بمنزلة مأوى علماني مخصص لاحتجاز المختلين عقليا، سواء الفقراء أو أبناء العائلات القادرة على دفع نفقة إقامة، والتي كانت تدفع بالفعل تكاليف إقامة ذويها في الدور الخاصة الكائنة خارج المقاطعة؛ «حيث كان هؤلاء يعانون غالبا؛ لأنه لم يكن يتم قبولهم في تلك الدور الخاصة إلا بإغراء دفع النفقة المرتفعة». نشير في هذا الصدد أيضا إلى مستودع التسول الكائن في ليون، والذي كان يطلق عليه اسم معبر؛ وهو «لاكارنتين» (الحجر الصحي)، أو اسم تقليدي بالأكثر؛ وهو «بيستر». في اللائحة التأسيسية لعام 1783، كرست المنشأة فصلا كاملا للعاجزين والمختلين عقليا. وجرى التأكيد على الاتجاه العلاجي للمؤسسة (إذا كان المرض في مراحله الأولى)، وهو ما انتقده المشفى الرئيس بالمدينة الذي أراد أن يجعل من هذه المؤسسة مجرد ملجأ للمرضى الميئوس من شفائهم بالإضافة إلى دار احتجاز جبري للهائجين في الوقت نفسه. بعيدا عن هذه الصراعات الإدارية، فإن مشروع إنشاء ملجأ مخصص حصريا للمختلين عقليا رأى النور في عام 1787.
8
في عام 1785، طلب الملك إلى أكاديمية العلوم إبداء رأيها فيما يتعلق بإصلاح المشافي. وكان جاك رينيه تونون (1724-1816) أحد أعضاء اللجنة. كلف تونون - الجراح الأول في سالبيتريير، وعضو بأكاديمية الطب ثم بأكاديمية العلوم، الذي كان يناضل من أجل التلقيح ضد الجدري - من قبل الملك بالذهاب لزيارة مشافي إنجلترا التي كان ينظر إليها في جميع أرجاء أوروبا على أنها نموذج يحتذى به. في عام 1788، تمت طباعة «خمسة أبحاث حول مشافي باريس» تحوي الملاحظات التي سجلها تونون، بأمر من الملك. أحصى تونون، استنادا إلى المعلومات المحددة التي نقلها إليه القائد العام للشرطة، وجود 1331 مختلا عقليا محتجزا في باريس (من بين إجمالي نزلاء المشافي البالغ عددهم 28799 شخصا) في نهاية شهر يناير 1787. بيد أن تونون لم يقم للأسف بحساب إجمالي العدد في المملكة بأكملها؛ مما شكل بالتأكيد تحديا بالنسبة إلينا، ولكننا نقبل بخوضه، مع توخي الحذر والحيطة إلى أقصى درجة. ربما كان عدد المختلين عقليا يبلغ 1500 شخص في مستودعات التسول، وربما 2500 في دور الاحتجاز الجبري في الأقاليم، وفقا لتقدير أكثر عشوائية إذا ما نظرنا إلى المختلين عقليا - وهم في نهاية المطاف كثر - الذين اكتشفت الإدارة الملكية مؤخرا عدم وجود محل ثابت مخصص لهم. بل لعله من الأصعب أيضا إحصاؤهم في المشافي العامة ، باستثناء بيستر وسالبيتريير. وبالطبع، كان عدد المختلين عقليا داخل هاتين المؤسستين قليلا، على الأرجح أقل من 500 شخص؛ نظرا لأن المختلين المعوزين التحقوا بمستودعات التسول الكائنة في الأقاليم التابعين لها. تشير هذه الإحصاءات، إضافة إلى التعداد الذي قام به تونون بالنسبة إلى باريس، إلى ترجيح فرضية تقول بأن: العدد الإجمالي للمختلين عقليا المحتجزين في فرنسا في عام 1789 كان يبلغ 5800 شخص (أو 5000 شخص على أقل تقدير). وهذا هو ما أدى إلى «الاحتجاز الكبير» للمختلين عقليا من وسط إجمالي 26 مليون فرنسي في ذلك الوقت؛ أي إن نسبة المختلين عقليا كانت تبلغ 1 إلى 4500، بل 4700، وكان ذلك في أواخر القرن الثامن عشر. في أواخر القرن السابع عشر، بلغ إجمالي عدد السكان 20 مليون فرنسي، ولم تكن نسبة المختلين عقليا تتجاوز بالطبع 1 إلى 25000. ينبغي أن نذكر مباشرة، على سبيل المقارنة، أن هذه النسبة، التي يجري حسابها دائما بالقياس إلى عدد السكان، سوف تبلغ 1 إلى 1000 في نهاية الإمبراطورية الفرنسية الثانية و1 إلى 500 في نهاية الجمهورية الثالثة.
يستأنف تونون، في سياق «تعليمات» 1785، خطابه الإنساني حول الجنون: «إن الوضع المحزن للمجانين المصابين بالهياج وجه أنظار الحكومة إلى حالتهم التي يرثى لها وجعلها تنظر إليهم بعين الرعاية. فقد كانت هناك مخاوف من أن يسيء هؤلاء المجانين، في ظل حرمانهم من عقلهم وتمتعهم في بعض الأوقات بقوة خارقة، استغلال قدرتهم وقوتهم؛ ولذا كان ينبغي الحرص على ألا يؤذوا أنفسهم بأي شكل من الأشكال، ومن ثم لم يكن هناك مفر من احتجازهم، ولقد أخذنا على عاتقنا أداء هذا الواجب الاجتماعي. ولكن قبل أن نقتطع المجانين من المجتمع، كان لزاما على هذا الأخير التأكد مما إذا كان مرضهم قابلا للشفاء أم لا. وبعد أن استنفدنا كل الوسائل الممكنة، اضطررنا إلى السماح بالموافقة على الحل المؤسف الذي يقتضي حرمان أحد المواطنين من حريته.» هذا الخطاب الذي تلا صدور «تعليمات حول الطريقة التي يجب اتباعها من أجل التحكم في المجانين والعمل على شفائهم في المصحات المخصصة لهم»، لا يمكن اعتباره جديدا إذا لم يكن تونون قد أضاف إليه رؤية جوهرية وعميقة للمستقبل القريب. كتب قائلا: خلافا لمباني المشافي التي لا تمثل بالنسبة إلى المرضى الآخرين إلا «وسائل مساعدة»، فإن المشافي بالنسبة إلى المجانين «تمثل هي نفسها وسيلة للعلاج [...] إذ يجب ألا تتم مضايقة المجنون خلال فترة العلاج، وينبغي أن يكون بإمكانه، في الأوقات التي يكون فيها خاضعا للمراقبة والإشراف، الخروج من حجرته والتجول في الرواق، والذهاب إلى المتنزه، والتريض وممارسة التمارين التي تسري عنه والمناسبة له تبعا لحالته.»
مشاف تقوم بذاتها بوظيفة العلاج ... سنرى كيف سينقل إسكيرول كل كلمة من هذا الاقتراح وينسبها إلى نفسه، ولكن دون إشارة إلى أي مرجع سابق. خلال السنوات الأخيرة من عهد النظام القديم، كان الطب النفسي المؤسسي بالفعل في طور النشأة.
الجزء الرابع
اختراع الطب النفسي
الفصل الأول
Unknown page