Tarikh Junun
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Genres
على غرار دار بون سوفور، بدأت بعض الجماعات الدينية تدريجيا، ولا سيما جمعيات الرجال بالنسبة إلى الأغلبية العظمى، تتخصص في استقبال المختلين عقليا (ولكن، نشدد على أن استقبال النزلاء لم يكن قط قاصرا على المختلين عقليا وحدهم) كما هي حال جماعة «إخوان الرحمة» التي أسسها القديس يوحنا الإلهي (سان جون دي ديو) وتعددت منشآتها في أوروبا. في فرنسا، في نهاية القرن الثامن عشر، كانت جماعة «إخوان الرحمة» تمتلك وتدير، إضافة إلى ما يقرب من ثلاثين مشفى، عشر دور مخصصة لاحتجاز «النزلاء المصابين باختلال عقلي أو الجانحين الخاضعين للإصلاح». وكانت هذه الدور تحتجز وحدها ما يقرب من 40٪ من مجمل المختلين عقليا بالمملكة، سواء بأوامر ملكية أو أحكام قضائية. وكانت أبرز هذه الدور الجمعيات الخيرية بكاديلاك، وبونتورسون، وشاتو تييري، وسينليس، وبالأخص شارنتون. من جهة أخرى، نجد أن العدد المطلق للمختلين عقليا ليس كبيرا (بل إنه يعد ضئيلا بالنظر إلى ما ستصبح عليه المصحات في القرن التاسع عشر). في دار شاتو تييري، التي أصبحت دارا للاحتجاز منذ عام 1670، بلغ عدد المحتجزين بناء على أمر ملكي، في عام 1778، 29 شخصا فقط، من بينهم 21 أحمق. في سينليس، التي زاد عدد «النزلاء» بها من أربعة في عام 1675 ليصبح 80 في نهاية القرن الثامن عشر، ولم تتجاوز نسبة المختلين عقليا الثلث. أما شارنتون، قبل أن يصبح اسمها مرادفا لمشفى المجانين، فتعد دارا باريسية كبيرة للاحتجاز الجبري يعود تأسيسها إلى عام 1641، بينما لم تكن في الأصل إلا مشفى يحوي سبعة أسرة. في القرن الثامن عشر، كان تعداد نزلاء دور الحجز يتراوح في المتوسط ما بين 120 و130 نزيلا، من ضمنهم ما بين 80 و85 أحمق.
وقد استقبلت أيضا أديرة الرهبان الفرنسيسكان المنتشرة في المملكة، والتي بلغ تعدادها نحو 40 ديرا، نسبة كبيرة من المختلين عقليا (25٪ تقريبا). في دير نوتردام دو لا جارد، الكائن في بلدية نوفيل أون آيز [في مقاطعة إلواز]، كان يوجد في المتوسط حوالي ثلاثين شخصا محتجزين بالقوة يشغلون المؤسسة، نصفهم من المختلين عقليا المعزولين بشكل صارم في غرف فردية. وفي بعض الأديرة الفرنسيسكانية الأخرى، كان عدد المختلين عقليا أقل بكثير، خاصة فيما يتعلق بحالات الاحتجاز الرسمية. فعلى سبيل المثال، في عام 1746، لم يكن يوجد في دير فيك لو كونت (منطقة ليموج الإدارية) إلا مختل واحد محتجز بناء على أمر ملكي. ولكن الوكيل الموفد الذي زار المؤسسة في عام 1735 كتب تقريرا قال فيه: «يوجد في هذا الدير حجيرات محكمة الغلق مصممة خصيصى للمصابين بالهياج. كما نجد بالدير أيضا غرفا لا بأس بها صالحة للسكنى مجهزة لذوي السلوك الهادئ الذين لا تستدعي حالتهم المستقرة مراقبتهم عن كثب.»
7
هناك إذن آخرون؟ تلك هي المسألة التي ستشغل بال الإدارة الملكية في أواخر القرن الثامن عشر، والمتعلقة بحالات الإيداع المباشر من قبل العائلات.
نذكر في هذا الصدد أيضا، بالنسبة إلى الرجال كذلك، دار بون فيس (الأبناء الصالحون)، التي كانت تضم سبع دور للاحتجاز منذ القرن السابع عشر، بالإضافة إلى رهبانية إخوة المدارس المسيحية. أما عن دور الاحتجاز الخاصة بالنساء، فلقد كانت أقل عددا وفي الوقت عينه أكثر تحفظا، بل وأشد معارضة حيال استقبال المختلات عقليا، فيما عدا بيوت روفوج (المأوى)، وبعض المنازل التابعة لرهبانية الأخوات أورسولين أو دار بون سوفور في كاين التي كانت تشكل استثناء.
بيد أن دور الاحتجاز التي كانت تديرها الجماعات الدينية لم تكن هي الأماكن الوحيدة التي تستقبل المختلين عقليا. ولكي نفهم بشكل أفضل تنوع المؤسسات، ينبغي أن ندرس توزيعها الإقليمي. ولن نتناول بالطبع إلا بعض الأمثلة. في منطقة روان الإدارية، تعد دار رهبانية إخوة المدارس المسيحية بسان يون بمنزلة دار المختلين عقليا «الكبرى». ففي عام 1776، كانت تضم 30 مختلا، جرى احتجازهم جميعا بموجب أمر ملكي (من بين إجمالي المحتجزين الذين بلغ عددهم 77). نجد أيضا بعض المختلين عقليا، ولكن بأعداد قليلة للغاية، في العديد من دور الاحتجاز الأخرى مثل: أخوية القديسة بربارة في قرية كرواسيه، ورهبانية الثالوثيين، ودير نوتردام دو روفوج في روان الخاص بالنساء. كتبت رئيسة هذا الدير في عام 1777 إلى الحاكم قائلة: «إن ديرنا ليس سجنا، ولم ينشأ ليحتجز أحد داخله.» وعلى الرغم من ذلك، كان هناك نزيلة محتجزة داخله بموجب أمر ملكي، منذ عام 1769؛ «نظرا لأن عقلها ما زال مختلا وهي في حالة لا تسمح لها فعليا بإدارة ممتلكاتها» (كانت هذه النزيلة موضوعة تحت القوامة). كما تم إيداع بعض المختلين عقليا، منذ أواخر القرن السادس عشر، في المزرعة التابعة لأبرشية سانت أوبن لا كومباني، بالقرب من روان. وقد كانت بمنزلة سجن زراعي. كان المختلون عقليا المحتجزون بهذه الدار، والذين بلغ عددهم حوالى خمسة عشر شخصا، ينعمون بحريتهم إلى حد ما، ولم يكن هذا الوضع مقبولا لدى الجميع، كما يشهد على ذلك الاحتجاج الذي تقدم به السيد الإقطاعي في عام 1785 على النحو التالي: «من الضروري احتجاز المجانين بطريقة أخرى غير تلك التي يجري بها احتجازهم؛ إذ إن الحرية التي يتمتعون بها ليست في محلها. ولا يمكن أن تكون نية الحاكم تهديد السلامة العامة، كما أن أبرشيتي يجب ألا تتعرض أبدا لأي من الحوادث المؤسفة التي قد تنشأ عن لقاء غير متوقع مع هؤلاء الناس.»
8
وهذا ليس كل شيء؛ منذ نهاية القرون الوسطى، تمت مواصلة احتجاز المختلين عقليا المعوزين في أحد الأبراج المشيدة فوق السور المحيط بمدينة روان. وشهد القرن الثامن عشر حدثا جديدا تمثل في احتجاز بعض المختلين عقليا في مشفى روان العام بموجب أمر ملكي؛ مما يعني في الوقت نفسه إضفاء طابع السجن، ولكن بصورة هامشية، على هذا النوع من المؤسسات، وهو أمر لم يكن ذا تأثير يذكر في مدينة روان والمدن الأخرى بالمملكة، بينما كان له عظيم الأثر - كما سوف نرى - على مؤسستي بيستر وسالبيتريير.
نجد هذا التنوع وذلك التعقيد في جميع أرجاء المملكة. منطقة كاين الإدارية وحدها كان بها حوالي ثلاثين دار احتجاز، من بينها ستة منازل كانت تقبل استضافة المختلين عقليا. وكان هؤلاء يشكلون 18٪ من إجمالي عدد النزلاء المحتجزين بالنسبة إلى النساء، و25٪ بالنسبة إلى الرجال. كما كان من المتوقع إيجاد المختلين عقليا في الجمعيات الخيرية، ولا سيما في جمعية بونتورسون (في عام 1774، كان هناك 16 مختلا عقليا من بين إجمالي النزلاء البالغ عددهم 47) أو في جمعيات الرهبان الفرنسيسكان في بايو. بيد أن دير الدومينيكان ببلدية مينيل جارنييه، في جنوب كوتانس، بالإضافة إلى سجن الدولة الموجود بجبل القديس ميشيل والمعروف باسم باستيل البحار، كانا يستقبلان كلاهما أيضا بعض المجانين. وبتحليل المائة والثلاثة والخمسين أمرا ملكيا التي جرى تسليمها في الفترة ما بين 1666 و1789، نلاحظ أن
9
Unknown page