251

Tarikh Junun

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

Genres

تغير مشهد الأمراض العقلية بالكامل، ولم يعد هناك حديث عن الطب النفسي، بل الصحة العقلية. وانتقلنا من المرض العقلي إلى الاضطرابات العقلية، ومنها إلى «المعاناة النفسية» وإلى سوء الحال، وأصبح هناك «ثقافة فعلية للألم الداخلي »

57

الذي تأصل اليوم في مجتمعاتنا. ويقول عالم النفس الأمريكي ألبرت إيليس - أحد رواد العلاجات المعرفية السلوكية - إن النوبات الاكتئابية تأتي من الرؤية العظيمة التي لدينا عن أنفسنا، وهي رؤية يهدمها الواقع بالطبع.

في فرنسا عام 1994، كان هناك أربعة عشر مليون وصفة طبية بمضادات الاكتئاب (دون باقي الأدوية النفسية). عام 2007، تم بيع أكثر من مائة وتسعة ملايين علبة دواء نفسي - أي أكثر من المضادات الحيوية - وتولى الضمان الاجتماعي تسديد نفقاتها. وتأتي فرنسا في المرتبة الثالثة عالميا في استهلاك الأدوية، والأولى في أوروبا في استهلاك الأدوية النفسية. وتعد كل هذه الأدوية من الجيل الجديد أكثر تكيفا وقبولا من سابقتها، ولم تستطع الاتهامات الحديثة بأنها أدوية وهمية دون عناصر فعالة أن تقلل من ظاهرة استهلاكها. وكما تشهد الكثير من المطبوعات،

58

فإن تعديل أكواييه لم يكن الوحيد الذي تأثر لهذا الرقم الذي لا نحسد عليه. ولقد نشرت مجلة «علوم نفسية» (يباع منها 285000 نسخة) في أغسطس 2008 نداء من خمسة عشر طبيبا ينددون فيه بمخاطر «المبالغة في علاج حالات عدم الارتياح»، ويذكرون «بوجود بدائل أخرى غير دوائية.» ولقد تفاقمت المشكلة بسبب أن من يصفون الأدوية هم في الأساس ممارسون عموميون (من 60 إلى 70٪، بل 75٪ وفقا للتحقيقات)، الذين لم يتلقوا أي تأهيل مبدئي في الطب النفسي الذي هو تخصص منفصل. أليس من المفارقة أن يكون على غير الأطباء النفسيين أن يجيبوا عادة على هذا السؤال: ما هو حد استخدام الأدوية النفسية بين العلاج والراحة، ولكن راحة من؟ ولقد أجرت صحفية بمجلة «علوم نفسية» تحقيقا بين ثمانية ممارسين عموميين

59 (أربعة رجال وأربع سيدات تم اختيارهم بالمصادفة من الدليل)، وفي كل مرة قامت بوصف وجود أعراض الضغط والقلق وصعوبة النوم والاستيقاظ، ولكن دون الإشارة إلى أي عرض محدد للاكتئاب. ومنذ الزيارة الأولى، وصف لها سبعة من أصل ثمانية أدوية مضادة للاكتئاب أو مضادة للقلق، وأحيانا النوعان معا. ولقد بدأ ممارس عام منهم - الذي لم يتجاوز متوسط مدة جلسته سبع دقائق - العلاج بوصف مضاد للقلق، ثم أضاف إليه دواء آخر. وعندما سألته المريضة المزيفة عن ماهية هذا الدواء، كانت الإجابة: «إنه لرفع حالتك المعنوية.» كان الدواء هو «ستابلون»، وهو من مضادات الاكتئاب. ولم ترفض إلا طبيبة واحدة إعطاء مضادات الاكتئاب: «إذا كنت تريدين دواء مضادا للاكتئاب فلن تنالي منه هنا!» ولكن لم تطلب الصحفية في أي لحظة علاجا معينا، بل اكتفت بسرد أعراضها المحفوظة. ولكننا نخطئ إذا اعتقدنا أن جميع المرضى أبرياء. ويكفي للتأكد الاطلاع على منتديات الأدوية على شبكة الإنترنت. في معظم الأحيان تكون الرسائل مفجعة، فقد نرى لدى بعض المصابين بالهذيان: «صباح الخير، أنا أتعاطى الحشيش وبدأت أتناول دواء ستابلون؛ لأني أعاني من حالة اكتئاب وفقدان للرغبة الجنسية تصاحبها مشاكل في الانتصاب [...] والأمر على ما يرام، وأعتقد أنني سأتمكن سريعا من التوقف عن تناول ليفيترا (دواء لعلاج مشاكل الانتصاب). أرغب في معرفة رأيكم الطبي حول الخلط بين دواء ستابلون مع الحشيش؛ لأنه يتسبب لي في حالات سيئة وتسمم؛ نظرا لحالة الاكتئاب لدي. ولكن، أأستطيع الآن الاستفادة من المخدرات التي تسعدني دون المخاطرة بإفساد العلاج؟ شكرا.»

إنه طلب فردي، بل وأيضا طلب مجتمعي ... ويتطور القطاع (70000 مواطن في مجال الطب النفسي) من هيكل منطو (الطب النفسي الإجباري) إلى هيكل منفتح، يتعاون مع باقي الأجهزة الصحية والطبية الاجتماعية. يجري الحديث الآن عن «التداخل بين القطاعات» («مخزن للوسائل والإمكانيات» فيما يتعلق بإدمان الخمور مثلا أو الإدمان) أو أيضا عن العمل في شبكات. فأصبح للطبيب النفسي الآن دور في مجال أمراض الشيخوخة وعلاج السرطان، بل وأيضا في حالات الطوارئ، وأيضا مع المعاقين بالتحديد. في فرنسا، يوجد في المستشفيات العامة ما يقرب من ثلث القطاعات النفسية.

إلا أن المصحة النفسية المغلقة لم تختف على الرغم من كل هذا، بل إن عدد حالات «دخول المصحة دون موافقة المريض» (الاحتجاز الإجباري سابقا) لا يتوقف عن الازدياد: بلغ 86٪ بين أعوام 1992 و2001، عقب إصدار قانون السابع والعشرين من يونيو 1990 الذي كان من المفترض أن يحل محل قانون 1838، بينما كانت الزيادة قبلا بين أعوام 1980 و1988 لم تكن «سوى» 34٪.

60

Unknown page