Tarikh Junun
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Genres
كما أن الفاعلين في المجال هم الذين خلقوا من مناهضة الطب النفسي تيارات جديدة طبية وتحليلية نفسية. ولقد تمرد العديد من الآباء الذين كونوا جمعيات ضد المبالغة في تطبيق النظريات النفسية الوراثية التي «تتهمهم» بكونهم السبب وراء الاضطرابات النفسية التي أصابت أبناءهم. ألم يكن هناك حديث وقتها عن «الأم المسببة للفصام»؟ ولقد أدى رد الفعل المتصاعد هذا ضد «لوبي الأطباء النفسيين» إلى طمس حقيقي للتقدم الذي أحرز في هذا المجال، ولا سيما طب نفس الأطفال. وندد المستخدمون المباشرون - أي المرضى - الذين يعرفون أكثر ب «السترة الكيميائية»؛ أي الأدوية، وبالاعتداءات على حريتهم. في هولندا، نجد أنهم - بالتعاون مع الحركة الطلابية - تمكنوا من تكوين تجمعات من المرضى (روتردام، أوترخت). عام 1971، اجتمعوا في «فيدرالية العملاء» التي لا تهدف فقط إلى تحسين الرعاية وإنما إلى تغيير المجتمع.
64
وتأسست جريدة للمجنون، وظلت تظهر حتى عام 1978، حينما أعلن أنه ليس من الممكن بلوغ الهدف الأصلي: السماح للمجنون أن يحقق ثقافته المضادة الخاصة.
أما عن حركة مناهضة الطب النفسي العنيفة التي شنتها كنيسة الساينتولوجي التي تأسست عام 1954، فأين يجب تصنيفها؟ فعقيدة الساينتولوجي ترفض قطعيا الطب النفسي وتصفه بأنه «صناعة قاتلة». عام 1969، تأسست جمعية تحمل اسما مطمئنا ولكن باعثا على الحيرة في الوقت ذاته بدعم من توماس ساس: «لجنة المواطنين لحقوق الإنسان» التي هي النظير الفرنسي للجنة نفسها في الولايات المتحدة. كان يوجد في فرنسا أيضا «جمعية للأطباء والمواطنين ضد العلاجات المهينة التي يستخدمها الطب النفسي.» كانت الحكومة تفرض «فائدة للتأخير» على تطبيق العلاج النفسي، بالإضافة إلى وجود لجنة متعددة المجالات تهدف إلى «الترويج لرؤية جديدة للإنسان والصحة تختلف عن تلك التي تدعو لها باستمرار مؤسسة الطب النفسي.» ويهدف كل هذا في الواقع إلى اقتراح «تكنولوجيا» منافسة - «الصحوة الروحية» - والتي تعرف بأنها أثر الروح على الجسد؛ أي قوة الفكر على البدن. «تتيح الصحوة الروحية الكشف عن مصدر الأحاسيس والانفعالات غير المرغوب فيها، وأيضا عن الحوادث والجروح التي تسبب الأمراض النفس-جسمية. وتسمح أيضا بعلاج أسبابها بقضائها على «التفاعل العقلي»، الذي هو سبب الضغط والقلق وقلة الثقة بالنفس وباقي الأمراض النفس-جسمية.»
65
في الرأي العام للعالم الغربي، تلقى الطب النفسي الرسمي التابع للدولة الضربة القاضية بعد الكشف عن استخدامه على يد اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية في ذلك الوقت. وهو الأمر المعروف جدا اليوم، وشهد ضجة إعلامية ضخمة في إطار الدعاية الإعلامية خلال الحرب الباردة، وكان بمنزلة الصاعقة في ذلك الوقت، ليس فقط في أوساط المناضلين الشيوعيين. ويجب أيضا القول إنه في عالم الطب الغربي للخمسينيات كان الطب النفسي السوفييتي مثلا يحتذى، حتى في الولايات المتحدة الأمريكية. ولم يتردد جوزيف ورتيس (1906-2008) - الطبيب والمحلل النفسي الذي حلله فرويد شخصيا - والذي يعد أحد رموز الطب النفسي الرسمي بالولايات المتحدة حيث أدخل إليه علاج ساكيل؛ أن يكتب عام 1953: «يسير الطب النفسي السوفييتي على نمط بافلوف؛ فهو فسيولوجي وطبي وتجريبي، ويعتبر في الوقت ذاته اجتماعيا. ويتميز عن علم النفس السوفييتي بكونه تعليميا وعمليا وموجها لإنتاج نشاط صحي وخصب بين المواطنين السوفييتيين في المجتمع الاشتراكي. ولقد ساهم كل من الطب النفسي وعلم النفس السوفييتي في دعم الانهيار العميق للطب النفسي الغربي، خلف الملامح الاستنباطية والصوفية التي تدعو إلى إعادة التذكير بآراء فرويد ونقصه الأساسي في التجربة المادية وابتعاده عن الممارسة الحية.»
66
وفي ذروة المكارثية، كانت هذه الآراء كفيلة بتحويل قائلها إلى التحقيق على يد لجنة داخل مجلس الشيوخ مكلفة بمراقبة أي محاولات للتسلل الشيوعي في التعليم. ودافع ورتيس عن نفسه بطريقة غامضة: «علمتني والدتي دائما أنه من غير اللائق أن أسأل أحدا عن آرائه السياسية.»
67
وفي غمرة الحماس، برر ورتيس طريقة الاحتجاز في الاتحاد السوفييتي، الذي تتولي مسئوليته لجنة متخصصة تضم بالطبع طبيبين، منهم طبيب نفسي، ولكن يرأسها «مدير الهيئة الصحية بالمنطقة». وكان «لمحاكم الشعب، وهي بنية قانونية وقضائية في الاتحاد السوفييتي» «حرية تصرف واسعة لتأويل هذه المبادئ في الاتجاه الذي يناسب الظروف دون أي اعتبار لهدف القانون والمصلحة العامة أو الرسميات البسيطة للدليل.»
Unknown page