Tarikh Junun
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Genres
لم يعد ينقص إلا طرق تنظيم الحالة المزاجية لكي تصبح كبرى التقسيمات للأمراض العقلية مستوفاة عمليا. تم هذا في وقت متأخر بعض الشيء مع ظهور الليثيوم. كان لهذا المعدن الرخو - المكتشف منذ عام 1817 والذي جرى فصله عام 1855 - استخدام في علاج النقرس ثم الصرع (دون إغفال استخدامه المعاصر كقطب صاعد للبطارية) في صورة أملاح الليثيوم. في عام 1949، قدم الطبيب النفسي الأسترالي جون كاد هذه الأملاح كعلاج لحالات الهياج الهوسي. إلا أن بعض حوادث التسمم، بالإضافة إلى وصول المتقبضات العصبية قد أدت إلى التخلي عن استخدامها. ولكن ابتداء من عام 1954، أعاد طبيبان نفسيان دراسة أملاح الليثيوم، وأوضحا عام 1967 الدور الوقائي لليثيوم في حالات الذهان الهوسي الاكتئابي. وبعد إعادته وتحويله مرة أخرى، أصبح الليثيوم الممثل الأول للفئة الجديدة من الأدوية النفسية وأدوية علاج الاضطراب ثنائي القطبية وأدوية ضبط المزاج.
أتاح ظهور مضادات الاكتئاب وأدوية ضبط المزاج في السوق تلبية الطلب المتنامي على الاهتمام بعلاج الاكتئاب. ويتحدث بيير بيشو عن «الدخول في عصر الاكتئاب»، اعتبارا من ستينيات القرن العشرين. في عام 1976 - ولأول مرة في فرنسا - تراجعت نسبة الاحتجاز بسبب الإصابة بالفصام، التي بلغت 31348 حالة (وأصبحت معاييره تميل أكثر فأكثر إلى الاتساع)، في مقابل 32712 حالة مصابة باضطرابات ذهانية دورية هوسية اكتئابية - التي سميت لاحقا ب «ثنائية القطبية» - و«اضطرابات أخرى للغدد الصعترية» (ولا سيما «أحادية القطب»: الاكتئاب الدوري دون مرحلة «الهوس»).
لقد كان ظهور علم الأدوية النفسية خلال بضعة أعوام من شأنه إحداث تغيير جذري في علاج الأمراض العقلية؛ حيث أتاح وجود علاجات في العيادات الخارجية (دون الحاجة إلى إقامة طويلة في المصحة) قادرة على كبح التزايد في حالات الاحتجاز التي استمرت بعد الحرب. في الولايات المتحدة الأمريكية، يمكننا حتى أن نتحدث عن الحركة في الاتجاه العكسي. كان الاستخدام المكثف للكلوربرومازين (وباقي علاجات الذهان التي ستضاف إليه) ابتداء من عام 1955 قد تسبب في تقليل نسبة الاحتجاز في المصحات التي كانت قد بلغت ذروتها بحوالي 550 ألف فرد (أي أعلى من عام 1945 بحوالي 90 ألف مريض). في عام 1960، انخفض العدد إلى 500 ألف فرد تقريبا، ثم إلى 400 ألف عام 1970. في عام 1975، أصبح العدد 200 ألف
2 ... في فرنسا، عام 1957، جاء في التقرير السنوي بمصحة بون سوفور بكاين: «على المستوى العلاجي، تؤدي العلاجات الممتدة بالكلوربرومازين إلى نتائج مدهشة. ونال الكثير من المرضى، الذين كانوا في عداد المرضى المزمنين، الشفاء واستعادوا نشاطهم الاجتماعي والمهني الطبيعي.» «اختفت المظاهر الصاخبة للجنون، أو جرت السيطرة عليها سريعا» (جاك هوشمان). ففي عام 1985، كتب جان كريستوف روفين - مختص الطب النفسي العصبي بمصحة سانت أنطوان بباريس في ذلك الوقت: «إن الاختفاء التقريبي لأكبر صور الجنون في التاريخ قد فتح الطريق لطب إكلينيكي يختص بأوجه الجنون الأخف والمختفية والمبتدئة أو المتبقية.»
3
ومنذ ذلك الحين، بدأ الحديث عن «التمويه النفسي». «في النهاية، أوجد هذا التبسيط للمرض العقلي في صوره الأعتى الماضية الظروف المناسبة لظهور حركة فكرية تسمى «المضادة للطب النفسي».»
4
وكان من نتائج تلك الثورة العلاجية، إعادة تقييم مهنة الطبيب النفسي. فبعد أن كان ينظر إليه بوصفه الأب المسكين للطب، أصبح الطبيب النفسي يصف علاجات وتحسده معامل الأدوية. ولقد ظهر تحسن وضعه، بالتالي تحسن الأجر الذي يتقاضاه.
على غرار المصحات الأخرى، سرعان ما استحوذت مصحة بون سوفور بكاين على هذه العلاجات الثورية (مظهرة المزيد من التفاعل أكثر من مثيله لدى الاستماع للنظريات «الباريسية»). منذ عام 1954، يقول كبير الأطباء في قسم الرجال: «في مجال العلاج، نحصل دائما على نتائج ممتازة عن طريق الاستخدام الموسع للعلاجات البيولوجية التي أصبحت اليوم تقليدية.» لم يظهر التقرير الصيدلي إلا عام 1960، ليحظى من وقتها بمكانة متنامية بين التقارير السنوية المقدمة للمحافظ؛ ذلك لأن استهلاك الأدوية النفسية لم يتوقف عن الازدياد، وبطريقة سريعة للغاية: مثبطات عصبية ومهدئات وبربيتورات ومخدرات ومضادات للاكتئاب ومنشطات نفسية ... بلغ الاستهلاك ألف لتر (بالنقطة!) وأكثر من أربعمائة ألف حبة دواء في عام 1962، وألفا وخمسمائة لتر وما يقرب من مليون حبة عام 1970 - كل هذه الأرقام تغطي عدد المرضى في المصحة العقلية (حوالي ألف ومائة). لقد كانت المنتجات الجديدة تلغي دائما بقوة ما سبقها، وإن لم تختف تماما، ففي عام 1959، نقرأ: «إن العلاجات الحالية للحالات الذهانية ازدادت ثراء هذا العام بإضافة الكثير من المهدئات (المثبطات) العصبية والمهدئات و«مضادات الذهان»، التي تحدث تحسنا ملموسا في التنبؤ بالأمراض العقلية.» أما عن عام 1960، فعلى الرغم من شكوى الطبيب «من وجود بعض الحالات التي يعجز فيها العلاج (الخبل والخرف)، أو لا يمكنه فعل الكثير حيالها (التأخر العقلي)، أو يكون العلاج غير مضبوط (العصاب)»؛ فإنه يوجد خبر طيب: «يسعدنا أن نشكر مخترعي هذا الدواء الجديد: هالوبيريدول الذي يصنع عجائب في حالات الهوس والهلاوس.»
في عام 1970، بمصحة بون سوفور، كانت الأدوية التي تعالج الجهاز العصبي (جاء في حصر لإحدى اتفاقيات الأمم المتحدة أن عددها مائة وأحد عشر في ذلك الوقت) تحتل المركز الأول في نفقات الأدوية: 45٪ متقدمة بكثير عن المضادات الحيوية (9٪). كانت المثبطات العصبية وحدها تشكل ثلاثة أرباع هذه الأدوية، متضمنة ثلاثة وثلاثين دواء مختلفا، متقدمة أيضا على المهدئات والمنومات (تقلل اليقظة) ومضادات الاكتئاب والمنشطات (تزيد من يقظة المخ). وفجأة، ارتفعت الميزانيات. في مصحة بون سوفور - مقارنة بعام 1960 - زادت نسبة النفقات الدوائية بنسبة 119٪ عام 1967، ولم يكن هذا إلا البداية: 241٪ عام 1969 و321٪ عام 1971 ...
Unknown page