174

Tārīkh al-Islām wa-wafayāt al-mashāhīr waʾl-aʿlām

تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

Publisher

المكتبة التوفيقية

دَاعِي النَّصَارَى، لَوْ أَجَبْتَهُ لَتَنَصَّرَتْ أُمَّتُكَ، وَتِلْكَ الْمَرْأَةُ الدُّنْيَا، لَوْ أَجَبْتَهَا لَاخْتَارَتْ أُمَّتُكَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، ثُمَّ دَخَلْتُ أَنَا وَجِبْرِيلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أُتِيتُ بِالْمِعْرَاجِ الَّذِي تَعْرُجُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ، فَلَمْ تَرَ الْخَلَائِقُ أَحْسَنَ مِنَ الْمِعْرَاجِ، أَمَا رَأَيْتُمُ الْمَيِّتَ حِينَ يُشَقُّ بَصَرُهُ طَامِحًا إِلَى السَّمَاءِ، فَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ عَجَبُهُ بِهِ، فَصَعِدْتُ أَنَا وَجِبْرِيلُ، فَإِذَا أَنَا بِمَلَكٍ يُقَالُ لَهُ إِسْمَاعِيلُ، وَهُوَ صَاحِبُ سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَبَيْنَ يَدَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ ١. فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَى صُورَتِهِ، تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ فَيَقُولُ: رَوْحٌ طَيِّبَةٌ وَنَفْسٌ طَيِّبَةٌ اجْعَلُوهَا فِي عِلِّيِّينَ، ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ الْفُجَّارِ، فَيَقُولُ: رُوحٌ خَبِيثَةٌ وَنَفْسٌ خَبِيثَةٌ، اجْعَلُوهَا فِي سِجِّينَ. ثُمَّ مَضَتْ هُنَيَّةٌ، فَإِذَا أَنَا بِأَخْوِنَةٍ -يَعْنِي بِالْخُوَانِ الْمَائِدَةَ- عَلَيْهَا لَحْمٌ مُشَرَّحٌ، لَيْسَ بِقُرْبِهَا أَحَدٌ، وَإِذَا أَنَا بِأَخْوِنَةٍ أُخْرَى، عَلَيْهَا لَحْمٌ قَدْ أَرْوَحَ وَنَتِنَ، وَعِنْدَهَا أُنَاسٌ يَأْكُلُونَ مِنْهَا. قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ مِنْ أُمَّتِكَ يَتْرُكُونَ الْحَلَالَ وَيَأْتُونَ الْحَرَامَ، قَالَ: ثُمَّ مَضَتْ هُنَيَّةٌ، فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ بُطُونُهُمْ أَمْثَالُ الْبُيُوتِ، كُلَّمَا نَهَضَ أَحَدُهُمْ خَرَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ، وَهُمْ عَلَى سَابِلَةِ٢ آلِ فِرْعَوْنَ، فَتَجِيءُ السَّابِلَةُ فَتُطَارِدُهُمْ، فَسَمِعْتُهُمْ يَضِجُّونَ إِلَى اللَّهِ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا، ثُمَّ مَضَتْ هُنَيَّةٌ، فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ مَشَافِرُهُمْ كَمَشَافِرِ٣ الْإِبِلِ، فَتُفْتَحُ أَفْوَاهُهُمْ وَيُلْقَمُونَ الْجَمْرَ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ أَسَافِلِهِمْ فَيَضِجُّونَ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا، ثُمَّ مَضَتْ هُنَيَّةٌ، فَإِذَا أَنَا بنساء يعلّقن بثديهنّ، فسمعتهنّ يضجن إِلَى اللَّهِ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: الزُّنَاةُ مِنْ أُمَّتِكَ، ثُمَّ مَضَتْ هُنَيَّةٌ، فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ يُقَطَّعُ مِنْ جُنُوبِهِمُ اللَّحْمُ، فَيُلَقَّمُونَ، فَيُقَالُ لَهُ: كُلُّ مَا كُنْتَ تَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ أَخِيكَ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْهَمَّازُونَ مِنْ أُمَّتِكَ اللَّمَّازُونَ. ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ، قَدْ فَضُلَ عَلَى النَّاسِ بِالْحُسْنِ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، قلت:

١ سورة المدثر: ٣١.
٢ سابلة: طريقة.
٣ المشافر: جمع مشفر، وهو شفة البعير الغليظة.

1 / 177