مقدمة
1 - مناجاة الناظم لنفسه
2 - رد نفسه عليه
3 - وصف الحرب
4 - بداءة شبوبها
5 - إعلان ألمانيا الحرب على روسيا وفرنسا وشهر بريطانيا العظمى الحرب على ألمانيا
6 - غزوة الألمان للبلجيك
7 - شهر الجبل الأسود الحرب على النمسا، واليابان على ألمانيا
8 - وصف معركة المارن الأولى
9 - دخول تركيا في الحرب
10 - هجوم الأتراك على قناة السويس
11 - اقتحام الدردنيل
12 - وصف غزوة غليبولي
13 - وصف معارك روسيا
14 - دخول إيطاليا في الحرب
15 - غزوة بلغاريا والنمسا لسربيا والجبل الأسود
16 - وصف معارك العراق
17 - غزوة روسيا لإرمينية
18 - وصف معركة فردون
19 - معارك سيناء
20 - وصف الهجوم الروسي الثاني على النمسا
21 - وصف دخول رومانيا في الحرب وانخذالها
22 - ثورة الحجاز
23 - تدويخ العراق وفتح بغداد
24 - دخول ولايات أميركا المتحدة في الحرب
25 - الثورة الروسية
26 - تحية لبنان
27 - مناجاة لبنان
28 - زحف الجيش البريطاني من جنوب غزة إلى شمال القدس
29 - التحنان إلى لبنان
30 - هجوم ألمانيا والنمسا على إيطاليا
31 - مصر والمصريون
32 - الهجوم الألماني الأخير في فرنسا
33 - فتح سورية
34 - هجوم الحلفاء الأخير في البلقان
35 - هجوم الحلفاء الأخير في فرنسا ونهاية الحرب
36 - الخاتمة في نهاية الحرب
مقدمة
1 - مناجاة الناظم لنفسه
2 - رد نفسه عليه
3 - وصف الحرب
4 - بداءة شبوبها
5 - إعلان ألمانيا الحرب على روسيا وفرنسا وشهر بريطانيا العظمى الحرب على ألمانيا
6 - غزوة الألمان للبلجيك
7 - شهر الجبل الأسود الحرب على النمسا، واليابان على ألمانيا
8 - وصف معركة المارن الأولى
9 - دخول تركيا في الحرب
10 - هجوم الأتراك على قناة السويس
11 - اقتحام الدردنيل
12 - وصف غزوة غليبولي
13 - وصف معارك روسيا
14 - دخول إيطاليا في الحرب
15 - غزوة بلغاريا والنمسا لسربيا والجبل الأسود
16 - وصف معارك العراق
17 - غزوة روسيا لإرمينية
18 - وصف معركة فردون
19 - معارك سيناء
20 - وصف الهجوم الروسي الثاني على النمسا
21 - وصف دخول رومانيا في الحرب وانخذالها
22 - ثورة الحجاز
23 - تدويخ العراق وفتح بغداد
24 - دخول ولايات أميركا المتحدة في الحرب
25 - الثورة الروسية
26 - تحية لبنان
27 - مناجاة لبنان
28 - زحف الجيش البريطاني من جنوب غزة إلى شمال القدس
29 - التحنان إلى لبنان
30 - هجوم ألمانيا والنمسا على إيطاليا
31 - مصر والمصريون
32 - الهجوم الألماني الأخير في فرنسا
33 - فتح سورية
34 - هجوم الحلفاء الأخير في البلقان
35 - هجوم الحلفاء الأخير في فرنسا ونهاية الحرب
36 - الخاتمة في نهاية الحرب
تاريخ الحرب الكبرى شعرا
تاريخ الحرب الكبرى شعرا
تأليف
أسعد خليل داغر
وهو قصائد تتضمن أشهر المعارك التي نشبت في هذه الحرب، مع مقدمة في رزاياها وفظائعها ونتائجها.
مقدمة
في 28 يونيو سنة 1914 أطلق تلميذ سربي اسمه «برنسيب» الرصاص في سراجيفو من ولاية البوسنة على الأرشيدوق فرنز فردينند ولي عهد النمسا وزوجته فقتلهما، وكانت هذه الجناية الفظيعة أشبه شيء بجذوة نار كبيرة ألقيت في مخزن بارود العالم فانفجر، وشبت هذه الحرب الكبرى، وطما سيلها الجارف فطم على ألمانيا والنمسا من جانب وروسيا وبريطانيا العظمى وفرنسا والبلجيك والسرب والجبل الأسود من جانب آخر. ثم تناول الدول الأخرى فانضمت اليابان وإيطاليا والبرتغال ورومانيا والولايات المتحدة الأميركية والصين والبرازيل والحجاز واليونان وغيرها
1
إلى الحلفاء، وانحازت تركيا وبلغاريا إلى ألمانيا والنمسا، وأصبح معظم أوروبا وجانب كبير من آسيا وأفريقيا وجزائر البحار في مارج من نار تلتهم الملايين من الرجال، وعشرات ألوف الملايين من المال، وتمد على البلدان مطمار الخراب والدمار، وتورد السكان موارد الهلاك والبوار. وتجرع الأحياء غصص الثكل والترمل واليتم، وتذيقهم أمر كئوس البؤس والشقاء، وتكتنف العالم كله بشدائد تشيب الوليد، وتذيب الحديد، وترتعد من شدة هولها الأرض والسماء.
وكنت منذ يوم شبوبها قد وجهت إليها ما استطعته من العناية والاهتمام، فواظبت على مطالعة أنبائها البرقية، وتصفح أخبارها في أكثر الجرائد العربية وبعض الصحف الإنكليزية، وراجعت كل ما جاء عنها في المفاوضات الرسمية التي سبقت نشوبها، واستقريت جميع الأسباب التي أفضت إلى وقوعها، وتحريت البحث المدقق عن اليد التي أدارت رحاها، وأحضأت لظاها، وأغرقت الدنيا بطوفان رزاياها.
وفي أثناء مطالعتي لأنبائها، ووقوفي على تفاصيل معاركها، لم أفتر عن التأمل في اتساع ساحاتها وميادينها، وتنوع عددها وأسلحتها، وتقلب أطوارها، وتغير أشكالها، والتفكير فيما اقتضته كل يوم من النفقات الكبيرة والضحايا الكثيرة، وتصور ما ستجلبه على العالم من الويلات والمحن.
ولم يزل ذلك دأبي منذ وقود نارها إلى يوم خمود أوارها، وكان أهم ما رسخ منها في ذهني وأثر في نفسي ثلاثة أمور:
الأمر الأول:
امتيازها عما سبقها من الحروب بأشياء كثيرة، أهمها كثرة المتحاربين واتساع الميادين، وتنوع المعارك والأسلحة؛ فإن الجيوش التي خاضت غمارها لم يقل عددها عن خمسين مليونا،
2
إن لم يزد، وقد تعددت ساحاتها في جهات مختلفة من أوروبا وآسيا وأفريقيا، ولم تنحصر معاركها فيما نشب منها في البر، بل تعدته إلى مواقع الأساطيل الكبرى في عرض البحار، ومكافحات أسراب الطيارات في أعالي الجو، وغارات الغواصات في أعماق اللجج؛ أي إنها ثارت في الأرض والهواء وعلى الماء وتحت الماء، واستخدم فيها من العدد والأسلحة كل ما استنبطه العلم واخترعه العقل البشري للتعجيل في الفتك والإزهاق وتعميم التدمير والتخريب، كالمدافع السريعة الرشاشة التي كانت تحصد صفوف الجحافل حصد المناجل للسنابل، والمدافع الضخمة التي كثيرا ما كانت مقذوفاتها تدك الجبال وتقوض أمنع الحصون وأمتن المعاقل، أضف إليها السوائل المحرقة، والغازات الخانقة، والأرواح السامة، والألغام على اختلاف أنواعها، والدبابات (التانكس) وغيرها من عدد قتل النفوس وآلات اجتياح الأرواح. ولا تنس الخنادق التي احتفرت وأنشئت في أكثر الميادين وأودعت أقوى ما استطاع العقل اختراعه من ذرائع الدفاع ووسائط التحصين؛ ولذلك سميت حرب الخنادق.
ومما امتازت به العناية الفائقة التي بذلها الأطباء والجراحيون، وأعضاء جمعيات الصليب الأحمر، للمحافظة على صحة الجيوش ومعالجة مرضاهم وجرحاهم، ووقايتهم من الأوبئة التي كانت تنتشر في الحروب الماضية بين المتحاربين، وتفتك بهم أشد من فتك السيوف والبندقيات والمدافع، وشدة إتقان وسائل المنابأة والاستشراف، والإسراع في التعبئة والنقل والتسليح والتموين، وقطع الأشجار، وتمهيد الأرض، وإنشاء الجسور، ومد سكك الحديد، وخطوط التلغراف والتلفون، ونصب الأسلاك الشائكة، وغير ذلك من الأعمال الشاقة التي قامت بها فرق العمال في جميع الميادين وراء خطوط النار. وكان لفرق العمال المصريين أكبر نصيب منها في معارك سيناء وفلسطين وسورية والبلقان وفرنسا وغيرها من الميادين.
والأمر الثاني:
تلك المعاير الفظيعة والمعايب الشنيعة، التي شاع - لسوء الحظ - ارتكابها في هذه الحرب، كإرسال الطيارات لتشن الغارات على المدن غير الحصينة، وتلقي قنابلها على النساء والشيوخ والأولاد، وتودي بحياة كثيرين منهم بلا إثم ولا حرج.
3
وإطلاق الغواصات لنسف سفن الاستشفاء الحاملة المرضى والجرحى، وإغراق البواخر التجارية الغاصة بالركاب والمسافرين من غير المحاربين، ومعاملة الأسرى
4
بما لا مزيد عليه من العنف والقساوة، وتكليفهم القيام بأشق الأعمال، والإسراف في إهانتهم وتعذيبهم وتعريضهم للجوع والعري والبرد، وغير ذلك؛ مما أعان على تفشي الأمراض الوبيلة بينهم وكثرة الوفيات منهم.
فإن هذه المعرات وأشباهها أضيفت إلى ما نتج عن الحرب نفسها من الضحايا بين المتحاربين، وما تركته في الأرض من آثار الخراب والدمار، فأوجبت شدة استفظاع الناس لها، وشغلتهم عن الإعجاب بما أتاه أبطالها من آيات البأس والبسالة والتفاني في حب الأوطان والذود عن ذمارها، وكادت تنسيهم ذكر الذين اشتهروا فيها بالمروءة والعطف والحنان والرفق بالإنسان أيا كان، وتأمين غير المحاربين، ومداواة مرضى الأسرى وجرحاهم، والعناية بأصحائهم، وعمل كل ما تتمجد به الإنسانية حتى في الحرب التي ليست من الإنسانية في شيء.
والأمر الثالث:
أن هذه الحرب مع كل ما جنته من المصائب التي يصعب وصف مقدارها، بل قد يتعذر تصور هولها؛ لم تخل من ظواهر تؤذن منذ الآن بتوقع أفضل النتائج وأكبر المنافع لجميع الشعوب والأمم، وتبشر بنشر خير النعم من طي شر النقم.
فقد رأيناها انجلت عن ثل عروش الاستبداد وخلع أنيار الاستعباد عن رقاب العباد، وهدم صروح الاستئثار بالسلطة الفردية، وتوسيع نطاق الحكومات النيابية، وأسفرت عن مشروع جمعية الأمم لواضع أساسه ورافع نبراسه الدكتور ولسن رئيس جمهورية الولايات المتحدة الأميركية.
فهو بإجماع الناس كافة أعظم مشروع وضع لخير الإنسان وصلاح العمران، وقطع دابر الشر والعدوان. وإذا قدر له ما يستحقه من النجاح، وعم الجري على قواعده، والعمل بموجب مبادئه؛ قضى على سياسة الفتح والتدويخ، وأخمد أنفاس الروح العسكرية من الأرض، واستأصل شأفة الطموح إلى الغزوات وشن الغارات، ووقى العالم شرور الحروب، وأفاد في تحسين أحوال العمال بزيادة أجورهم وتقليل ساعات عملهم، وأنال الشعوب الصغيرة حقوقها المهضومة، بحيث يستقل القادر منها بإدارة شئونه، ويعطى القاصر حق اختيار الدولة التي يريدها لتعنى به وتشرف عليه حتى يبلغ أشده ويصير قادرا على تولي أمره بنفسه.
ومن نتائجها التي لا يصح السكوت عنها أن فن الطيران بلغ فيها من التقدم والارتقاء مبلغا أدهش العالم، فقد كان قبل نشوبها ضعيف النشأة، صغير الشأن، قليل الشيوع، ضيق المجال، ولكنه ما لبث أن أخذ يكبر فيها، وينمو ويقوى ويشتد ويتسع ويمتد، حتى صار له أكبر شأن في المنابأة والاستطلاع، والمهاجمة والمطاردة، وكان من أمضى الأسلحة التي استظهر بها الحلفاء على الألمان، واضطروهم إلى الإذعان والتسليم، ثم انصرف رجاله إلى إعداد المركبات الهوائية الكبيرة لحمل البريد ونقل الركاب، وقطع آلاف الأميال في بضعة أيام، والأمل أنه عما قليل يعين على تقصير المسافات المترامية، وتذليل المسالك المتعادية، فيسهل وصل الشرق بالغرب والشمال بالجنوب، ولا يبقى من هذا القبيل حاجة في نفس يعقوب.
5
فإذا صحت هذه الأحلام - والأمل كل الأمل أنها تصح وتصدق - كانت أكبر عوض عن خسارة لا تعوض، وجاز القول إن الحرب كفرت عن بعض ما جنت، وإن الدماء الغزيرة التي أهرقت، والأموال الكثيرة التي أنفقت، والخراب الذي عم، والشقاء الذي طما سيله وطم؛ إن هذه كلها بذلت فدى، ولم تذهب سدى.
هذه الأمور على الخصوص هاجت بي الشعر، فنظمت القصائد الآتية في نشوب الحرب ووصف أشهر معاركها، وصدرت وصف كل معركة منها بذكر تاريخ حدوثها وخلاصة ما يهم القارئ أن يعرفه عنها. وفي أول الأمر جريت في حلبة النظم شوطا بعيدا في قصيدة على بحر واحد، بلغت أبياتها 221، أتيت فيها على وصف بضع عشرة معركة، ثم عدلت عن هذا الالتزام، وتنقلت في النظم من قصيدة إلى تخميس إلى موشح على أبحر مختلفة، وقواف متنوعة؛ توسعة لي في النظم، ووقاية للقارئ من ملل مطالعة شعر طويل على وتيرة واحدة.
وقد نظمت في سلك هذه القصائد موشحين وقصيدة في مناجاة لبنان وتحيته والحنين إليه، ووصفت فيها ما عاناه أهله من المصائب التي صبها الأتراك على سورية عموما ولبنان خصوصا.
وأدمجت فيها قصيدة «مصر والمصريون»؛ لأن مصر العزيزة اشتركت في هذه الحرب اشتراكا فعليا بمالها ورجالها، وكانت منذ نشوبها إلى الآن - كما كانت لمن أمها من الضيفان في سالف الأزمان - ملجأ أمينا لمنكوبي الحرب عموما والسوريين منهم خصوصا، فإليها رحلوا من كل صوب وحدب، وعند حكومتها السلطانية وأهلها الأجواد نزلوا على السعة والرحب؛ ولذلك وجب أن يقترن ذكر هذه الحرب بذكرهم. ويختم الخلاص منها بعد حمد الله بشكرهم، وعرفان الجميل أجمل عرفان، وذكر اليد فرض على لسان كل إنسان.
ولا أكتم القارئ أني كنت منذ نشوب الحرب واثقا كل الثقة بفوز الحلفاء، على رغم ظواهر تقدم الألمان واحتمال انتصارهم، حتى إني في هجومهم الأخير وعبورهم لنهر المارن صرحت بثقتي هذه في قصيدة نظمتها في 13 يوليو سنة 1918 لتدرج في مجلة المرآة المصورة في اليوم التالي؛ أي يوم عيد الجمهورية الفرنسوية، فقلت مخاطبا الحلفاء:
ما دامت الحرية الغرض الذي
ترمون وهي المطلب المنشود
فالله ناصركم على أعدائكم
ومزيل دولة ظلمهم ومبيد
عما قليل تضربون صفوفهم
ضربا لشدته الجبال تميد
فيشمرون ذيولهم وعيونهم
بيض تناوحها وجوه سود
ويرون أن الكيد في نحر الألى
كادوا وإن طال المدى مردود
وفي 18 منه؛ أي بعد أربعة أيام من تاريخ نشرها، شرع الحلفاء يضربون تلك الضربة القاضية، وما لبث أن صار فوزهم عاما شاملا، وبات هلال انتصارهم بدرا كاملا.
أسعد خليل داغر
القاهرة، في 14 يناير سنة 1919
الفصل الأول
مناجاة الناظم لنفسه
أعرني منك يا هاروت
1
سحرا
فإن به يراعي اليوم أحرى
أفضه علي إلهاما يداوي
جمود قريحتي فتسيل بحرا
وأوح به إلي ودعه يجري
على قلمي ويقطر منه قطرا
أتى حين علي صمت فيه
وذدت عن الكلام النفس قسرا
وقلت لها القريض تنكبيه
وعنه أجملي يا نفس صبرا
وحبل الشعر غلك فاقطعيه
بتاتا وابدلي بالوصل هجرا
ألست ترين ربع القول أقوى
وأصبح نزله المعمور قفرا
وبات بيانه عيا وأمست
فصاحته كما تدرين حصرا
2
وقد أغمضت عين الحصر عمدا
ولست بسائل لي عنه عذرا
لأن الحصر بالتسكين أوفى
من التحريك بالمعنى وأجرى
مضى زمن التنافس بالقوافي
وحلو الشعر بالأفواه مرا
إذن فاسليه تاركة هواه
لمفتون على غي أصرا
الفصل الثاني
رد نفسه عليه
فقالت لي رويدك لا تسمني
تحمل ما يكون علي وقرا
1
أفي وقت كهذا تقتضيني الس
كوت ولو سكت لمت قهرا
تحرضني عليه وأنت مني
لأعلم باستحالته وأدرى
ولو مثلي افتكرت به قليلا
لما صوبت فيه قط فكرا
ومن يك يستطيع اليوم قولا
ويسكت يستخف به ويزرى
أأسكت والجماد يئز حولي
ويهدر طالبا للنطق مجرى
وأنت؟ وأنت من لحم ودم
2
تظل على سكوتك مستمرا
أتسكتني وفي الدنيا اضطراب
شديد قلقل الأرضين طرا؟!
ألم تر هول هذي الحرب غشى
محياها فأدجن واكفهرا؟!
وناب جمادها فعراه ذعر
فجلجل من جراه واقشعرا
ألم تسمع حديث الناس عنه
يكرر مرة ويعاد أخرى
صداه مردد في كل ناد
وكل فم به كلف ومغرى
فإن تعرض فليس سواه يشرى
وإن تكتب فليس سواه يقرا
وسلك البرق لا يهتز إلا
به فيذره في الأرض ذرا
وإن يك كل هذا غير كاف
لرفع القيد عنك فلست حرا
وإلا فاجل ذهنك يصف واشحذ
يراعك يمض منصلتا مكرا
وخط به على القرطاس شعرا
يزف إلى نهى القراء سحرا
الفصل الثالث
وصف الحرب
سمعت مقال نفسي فاعتراني
ذهول حرت فيه وضقت صدرا
وبعد تأملي فيما ارتأته
شهدت لها بصحته مقرا
وأيقظت القريحة من كراها
فلبتني ولي لم تعص أمرا
وسالت واليراع يمد منها
ويرقم وحيها سطرا فسطرا
عن الحرب التي دارت رحاها
فصار لها سواد الناس برا
تدفق سيلها فطما عليهم
وأصبح غامرا للأرض غمرا
وشب ضرامها فشوى البرايا
كما تشوي الأتاتين الأجرا
ألمت بالوليد فشاب هولا
ولامست الحديد فذاب صهرا
ولست أرى لها وصفا سوى ما
زهير
1
قاله وكفاه فخرا
كأن الغيب صورها لديه
فأحكم وصفها فرواه شعرا
ولو كبرى حروب الأرض عدت
لما حسبت لديها غير صغرى
الفصل الرابع
بداءة شبوبها
في 23 يوليو سنة 1914 أرسلت حكومة النمسا بلاغا إلى الحكومة السربية تطلب فيها أن تترضاها عن مقتل ولي عهدها، وتشترط لذلك عشرة شروط بسطتها في البلاغ، وأمهلتها 48 ساعة. وعلى رغم توسط روسيا وبريطانيا العظمى وفرنسا وإيطاليا، وسعيهن في حمل النمسا على حذف الشرط المتعلق بتعرضها لشئون السرب الداخلية؛ ظلت بإيعاز ألمانيا مصرة على كل ما طلبته، وإذ لم تجبها السرب إليه شهرت عليها الحرب في 28 يوليو، وأخذت تطلق مدافعها على بلغراد من عبر الدانوب.
أثار غبارها غليوم عمدا
وأسعر نارها ختلا وغدرا
تأهب في الخفاء فكان يرخي
على استعداده للحرب سترا
ويبدي حبه للسلم جهرا
ويحضأ مارج الهيجاء سرا
وزين خوضها لمحالفيه
وأغراهم بها خبثا ومكرا
وأغواهم كما إبليس قدما
بصورة حية حواء غرا
وصير مقتل ابن حليفه في
سراجيفو لها سببا وعذرا
وقال لدولة النمسا أغيري
على السرب التي وترتك
1
وترا
فلبته وهبت من فينا
تذيق بني بلغراد الأمرا
وهذا كان مبتدأ الرزايا
ومنه شرها استشرى
2
وأكرى
الفصل الخامس
إعلان ألمانيا الحرب على روسيا وفرنسا وشهر بريطانيا العظمى الحرب على ألمانيا
لما أبلغ سفير روسيا في فينا حكومته أن النمسا رفضت توسط الدول العظمى، وسيرت جيوشها على حدود روسيا وسربيا، وأن ألمانيا تجد في الاستعداد الحربي؛ أصدرت روسيا أمرها بالتعبئة، فأرسلت إليها ألمانيا في 31 يوليو بلاغا تطلب فيه إبلاغها في 12 ساعة أنها (أي روسيا) تكف عن التعبئة، وفي أول أغسطس شهرت الحرب عليها، وفي 3 منه شهرتها على فرنسا، واخترقت حياد البلجيك، وعد وزيرها بتمن هفلج معاهدة الاحتفاظ بحياد البلجيك «قصاصة ورق»، واضطر بريطانيا أن تشهر الحرب على ألمانيا.
أواخر شهر تموز أرتنا
بداءة أزمة ستدوم دهرا
ففيها جحفل النمسا تعدى
حدود السرب مهتاجا مضرى
وأصلى روسيا غليوم نار ال
وغى ليشد من جوزيف أزرا
وكر بجيشه يغزو فرنسا
من البلجيك مخترقا ممرا
تعمد أن يفاجئها بضرب
ينال به على الحلفاء نصرا
فأصلته فرنس لظى دفاع
رآه من لظى سقر أحرا
وحينئذ به زعقت بريطا
نيا العظمى وقد وسعته زجرا
ورابع ليلة من شهر آب
عليه أزمعت للحرب شهرا
وعبأت الأساطيل اللواتي
بسطن على محيا البحر برا
شققن عبابه عرضا وطولا
بواخر ماخرات فيه مخرا
رواس كالجبال وهن إذ ما
يسرن فمن وميض البرق أجرى
دردنطاتهن زأرن حتى
أشبن مفارق الألمان ذعرا
فلولاهن لم نر ما رأينا
وعد الحق أهل البطل صفرا
فهن هدمن ما الألمان شادوا
وهن لنصرهم حولن كسرا
الفصل السادس
غزوة الألمان للبلجيك
في 3 أغسطس سنة 1914 اجتاز الألمان حدود البلجيك، وهاجموا حصون لياج، وفي السادس منه دمروا ثلاثة منها، وفي اليوم التالي دخلوها، وفي 15 منه أسقطوا بقية حصونها، وفي 17 منه انتقلت حكومة البلجيك من بروكسل إلى إنفرس، وفي 20 منه دخل الألمان بروكسل، ثم دوخوا نامور، واكتسحوا معظم بلاد البلجيك، وغادروها هي وأهلها في شر حال.
على البلجيك ما ذكرت سلام
يفوح فيملأ الأفواه عطرا
يشنف إذن سامعه صداه
ويشرح منه إذ يتلوه صدرا
سلام لا أرى في الأرض طرا
بنفحته من البلجيك أحرى
ومن أولى به منها وفيها ال
فخار أقام والشرف استقرا
أتت في حفظها لهما فعالا
تنال بذكرها مدحا وشكرا
فعالا في سجل الدهر أضحت
تدون كلها سطرا فسطرا
وفيها ذكر أهل الأرض هذي ال
بلاد يظل حيا مستمرا •••
بلاد في سبيل المجد ضحت
بأغلى ما به الأمجاد تشرى
بأرواح وإن كرمت وعزت
رأتها دون ما صانته قدرا
أراد الخائن الغدار منها الد
خول إلى فرنسا كي يكرا
ورام بها المرور فأنذرته
بأن يرتد عنها لا يمرا
ولما أن رأته غير صاغ
لها وعلى المرور بها مصرا
تصدت غير خائفة لصد ال
مغير تذيقه منها الأمرا
وذي نامور شاهدة لها بال
جهاد وقد تكون لياج أدرى •••
بلاد كالجنان غدت مثار ال
وغى ولبؤسها صارت مقرا
وباتت كلها قفرا يبابا
1
وكانت في ربى العمران زهرا
وإقليم كغار الليث أضحت
دماء بنيه فيه تراق هدرا
تحمل من يد الألمان ما لو
عرا صخرا لكان أذاب صخرا
ومطمار
2
الفناء امتد فيه
وغادره من الفتيان صفرا
وأوسع أهله الباقين ضيقا
وتنكيلا وإرهاقا وقهرا
وجر وراءه ثكلا ويتما
وترميلا لهم وهلم جرا
فهذا نادب لأب وعم
وذي زوجا وتلك ابنا وصهرا
ويا ويل الظلوم فسوف يلقى
عقابا عبرة يبقى وذكرى!
الفصل السابع
شهر الجبل الأسود الحرب على النمسا، واليابان على ألمانيا
في 7 أغسطس شهرت حكومة الجبل الأسود الحرب على النمسا، وانضمت إلى السرب، فصال هذان الجيشان الصغيران على النمسويين صولة الأسود، وأذاقا جيوشهم غير مرة مرارة الانكسار، وفي 23 منه شهرت اليابان الحرب على ألمانيا، وهاجمت مستعمرتها كياوشو في الصين، وفي 13 سبتمبر احتل اليابانيون محطتها، وفي 23 منه جاءتهم نجدة من البريطانيين، وفي 31 أكتوبر شددوا إطلاق المدافع على تسنغ تاو، فأسكتوا قلاعها واستولوا عليها وعلى كياوشو.
وحين رأى كماة ستين أن ال
عدو على بلاد السرب كرا
أجابوا قبل أن يدعوا وهبوا
وفاء بالعهود لها وبرا
وصاحوا: يا لثأر السرب! أكبر
به ممن عليه جار ثأرا!
وكروا مع حليفتهم أسودا
ترج الأرض زمجرة وزأرا
وبنت الشمس
1
قامت تقتفي في
أقاصي الشرق للحلفاء إثرا
وللألمان جاحت من كيوشو
وعقد وجودهم نثرته نثرا
كذا حمي الوطيس وعم ضنك ال
كريهة واستحال اليسر عسرا
وغول الحرب أودى
2
بالملايي
ن من قتلى ومن جرحى وأسرى
الفصل الثامن
وصف معركة المارن الأولى
ظل الجيشان الفرنسوي والبريطاني يتقهقران أمام الجيوش الألمانية في فرنسا، حتى بلغا نهر المارن في 5 سبتمبر، وكانت الحكومة الفرنسوية قد انتقلت في 3 منه من باريس إلى بوردو، وفي اليوم السادس منه رأى المارشال جوفر أنه قد حان وقت الهجوم الذي أراده، فأمر جيوشه بالانطباق على الألمان الذين أسرف قائدهم الجنرال فون كلوك في التغرير بهم، غير حاسب حسابا للجيش الفرنسوي الجديد الذي أعده الجنرال جاليني
1
قرب باريس، واستهان بالضربة التي كالها الجنرال فوش لقلب الجيش الألماني في لافير شامبنواز؛ ولذلك لم يسع الألمانيين الثبات على هذا الهجوم العظيم، فتقهقروا إلى الأين حيث شرعوا في حرب الخنادق.
وكان مجموع الجيوش الألمانية في هذه المعركة 1450000، وقوادهم فون كلوك، وفون بيلوف، وفون هوزن، ودوق ورتمبرج، وولي عهد ألمانيا، وجيوش فرنسا نحو 700000، وقوادها فوش، وكاستلتو، وسرايل، ومانوري، ودسبيري، ولانجله، وقائدهم العام المرشال جوفر، والجيوش البريطانية مائة ألف وقوادهم هايج، وسمث دوريان، وأللنبي، وقائدهم العام المرشال فرنش.
ألا ثكلتك أمك شهر آب
ولو نقصت شهور العام شهرا
على الحلفاء يا ذا الشؤم بين الش
هور جميعها كنت الأشرا
ففيك اجتيحت البلجيك غولا
وديس حيادها رغما وقسرا
وعد وزير غليوم العهود ال
تي قطعت على القرطاس حبرا
وفيك على فرنسا انقض جيش ال
غزاة مدوخا وثبا وطفرا
فسام شمالها الشرقي خسفا
ودنس تربها المعدود تبرا
هناك ارتد جحفل جفر عنها
يذود مدافعا شبرا فشبرا
وجيش فرنش معه أدار نحو الن
جا ظهرا وولى الموت صدرا
قليلا كان في التعداد حتى
لقلته به غليوم أزرى
ولكن ذوده عن مونس يوما
أرى الدنيا قليل العد كثرا
أدارا في الدفاع عن الصياصي
2
معارك مسعرات النار تترى
وفي وجه المهاجم ثم سلا
مناصل ماضيات الحد بترا
ولولا ميزة استعداده من
سنين لأكرهاه أن يفرا
قضاها حاشدا من كل نوع
تمس إليه حاج الحرب وفرا
أراك بذاك الاستعداد فوزا
على الحلفا وأحرز منه نزرا
وهذا الفوز أطعمه بنصر
يمد به إلى باريس جسرا
فمد يديه والجيشان كرا
عليه كاسرين يديه كسرا
وعن باريس صداه بسد
من الفولاذ أصلب بل أقرا
بدرع نسجها من كل قرم
على حقويه إتب
3
العزم زرا
وشد عليه منطقة سداها
ولحمتها: اقتحم لا تخش أمرا
وصاب حمامه استحلى عزيزا
وحلو العيش بالذل استمرا
فكر وخلفه أسد هصور
تقدم سابقا أسدا هزبرا
وأقدم كالأتي وشق زحف ال
عدو وصال بطاشا زبرا
4
وأمطر ساقة الألمان رميا
سديدا مقصد الأهداف سعرا
وطعنا يخرق اللأمات نترا
وضربا يفلق الهامات هبرا
5 •••
أولئك هم حماتك يا عروس ال
بلاد ومطلع المجد الأغرا
سلمت بهم ومعك الحق نال ال
خلاص فكان ذلك خير بشرى
سلمت بهم أجل والنسر
6
هيضت
قوادمه وعرف الديك
7
طرا
سلمت وقد سررت وكل قلب
هوى الحرية استصباه سرا
إذن أخلق بنفسك أن تملى
بهم طيبا وعينك أن تقرا
وأن تحيي الذين فداك ماتوا
ولا تنسي لهم ما عشت ذكرا
فيوم «المرن» خلد ما أتاه
بنوك بفضل «جليني» و«جفرا»
وأبقاه لنا ولكل جيل
سيأتي بعدنا في الأرض ذخرا
الفصل التاسع
دخول تركيا في الحرب
قضى الاتحاديون القابضون على زمام السلطة الحقيقية في تركيا ثلاثة أشهر يتحفزون لجر دولتهم إلى الحرب تلبية لدعوة ألمانيا، وعلى رغم تكرار نصائح الحلفاء لهم بالتزام الحياد واجتناء منافعه المادية والأدبية، فعبئوا الجيوش، وأعدوا المعدات بحجة الاستعداد لدفع الطوارئ، وفي 29 أكتوبر غزت بوارجهم أوديسا وغيرها من ثغور روسيا على البحر الأسود، واضطروا روسيا أن تشهر الحرب عليهم في أول نوفمبر، وما لبث الباقون من الحلفاء أن حذوا حذوها، وأعلنوا الحرب على تركيا. وما أبطأ الجيش الروسي أن اجتاز التخوم التركية في إرمينية، واحتل بيازيد وكوبر كوي ودنا من أرضروم، ثم تراجع متقهقرا ودخل الجيش العثماني القوقاس، واحتل ساريكاميش وأولتي وباطوم والقارص وبلغ أردهان، ثم نكص مرتدا أمام الجيش الروسي، وقد خسر خسارة كبيرة من رجاله ومعداته.
ثلاثة أشهر مرت ونار ال
وغى مشبوبة برا وبحرا
وليل الحرب جن
1
وطال حتى
حسبنا الموت منه اجتث
2
فجرا
وأظهر الاتحاديون فيها
رواغا ساسة الحلفاء غرا
بهم مكروا وقالوا قد لزمنا
حيادا لا نرى منه مفرا
وإن ملنا فليس يكون إلا
إليكم ميلنا سرا وجهرا
كذا قالوا. وأنور كان سرا
إلى الألمان ضمهم أقرا
وفي استعداده للحرب معهم
قضى التسعين يوما مستمرا
وأقحم قومه فيها اعتباطا
3
وأوغرهم
4
على الحلفاء صدرا
وهاجوا الدب فانهمرت عليهم
فيالقه من القوقاس همرا
ودارت بينهم حرب عوان
تراوح سيرها مدا وجزرا
وبينا أنور يرجو انتصارا
إذا الأقدار قد رمقته شزرا
فحاق بجيشه الغازي انكسار
مريع بعده لم يلق جبرا
ودب إليه في القوقاس سوس ال
خطوب وعظمه أوهاه نخرا
فمن لم يقض في الهيجاء منهم
وسهم الروس أخطأ منه نحرا
فمن ظمأ ولغب أرهقاه
وجوع ما استطاع عليه صبرا
ومن لم ترده هذي البلايا
هراه الزمهرير فمات قرا
5
الفصل العاشر
هجوم الأتراك على قناة السويس
وكانت الحكومة العثمانية قد بعثت بجمال باشا وزير بحريتها إلى سورية، وولته قيادة جيوشها العامة، فأخذ يتأهب في بئر سبع للهجوم على مصر، وفي شهر يناير سنة 1915 سير جيشا مؤلفا من 25 ألف مقاتل بقيادة الجنرال فون كروس الألماني، فاجتاز حدود شبه جزيرة سيناء عن طريق نخل، واحتل قطية في 29 منه، واستأنف الزحف قاصدا قناة السويس، وفي 3 فبراير بلغت طلائع الجيش المهاجم شفة القناة الشرقية، ونشبت بينهم وبين حماتها معركة شديدة أسفرت عن انكسار المهاجمين ورجوعهم يتعثرون بأذيال الخيبة والفشل، وقد خسروا عددا كبيرا من القتلى والجرحى والأسرى.
ومما الاتحاديون كانوا
أطاعوا فيه للألمان أمرا
إغارتهم على مصر ففيها
يسام الإنكليز أذى وضرا
فتفلت مصر من يدهم ويمسي الط
ريق إلى بلاد الهند وعرا
كذا ظنوا، وكان الظن هذا
عليهم كله إثما ووزرا
وأنور في تعسفه تمادي
وظل على ضلالته مصرا
عليه الغي ران ومن فروق
1
أراه في الكرى أهرام مصرا
فرام حياز مصر وإن مصرا
لأمنع من جبين الليث قطرا
بظل حماتها الممدود عزت
على من رامها فانصاع قصرا
وعصبة أنور اشتريت بمال
عليها من سما الألمان درا
فباعتهم نفوسا أرهقوها
فكانت أرخص السلعات سعرا
وقد ولوا قيادتها جمالا
وقالوا اشطر بها سيناء شطرا
وجزها قاذفا بالجيش عبر ال
قناة ومصر خذها مستقرا
فلباهم جمال في غرور
وشمر للكريهة مزبئرا
2
وزج بجيشه في تيه سينا
يسام صدى وإعياء وحرا
وظل الجيش يطوي البيد حتى
له خط القناة بدا فكرا
وحاول أن يجاوزها ولكن
سيوف حماتها دحرته دحرا
وغشته القنابل من ثغور ال
مدافع فاتحات فيه ثغرا
فسلم بعضه فنجا وبعض
قتيلا أو جريحا ثم خرا
وباقيه أدار لمصر ظهرا
وشمر ذيله هربا وفرا
الفصل الحادي عشر
اقتحام الدردنيل
وكان الحلفاء قد أقروا على فتح الدردنيل والبسفور عنوة للاتصال بروسيا من الجنوب، وتسهيل إرسال العدد والأسلحة إليها، واستيراد الغلال منها، واتفقوا أن يهاجم قلاع الدردنيل أسطول بريطاني كبير، ومعه جانب من الأسطول الفرنسوي، وكان الشروع في ذلك يوم 19 فبراير سنة 1915، واستؤنف يوم 25 منه، وفي اليوم التالي التقطت السفن الألغام المبثوثة في مدخل المضيق، واجتازته بعض البوارج، وجددت إطلاق المدافع على حصونه، ثم كررت ذلك يوم 4 مارس، وشددت الضرب في 6 و7 منه، وظلت تتقدم فيه، وتدمر بمدافعها الضخمة البعيدة المرمى الحصون التي على جانبيه إلى يوم 17 منه، أصابت بعض الألغام العائمة مدرعتين إنكليزيتين ومدرعة فرنسوية فأغرقتها، وكان ذلك خاتمة الهجوم.
ويوم الدردنيل زقا
1
صداه
2
وصر
3
فأودع الآذان وقرا
4
ففيه بوارج الحلفاء قامت
تروم إلى فروق به ممرا
له اقتحمت رواسي شامخات
تناطح منه طودا مشمخرا
مجانقها رمته ولم يكن ما
رمته به حصى بل كان جمرا
قذائف لو أصبن صميم صخر
أصم أذبنه سحقا وصهرا
دككن حصونه الأولى فباتت
على عبريه للرائين أثرا
5
وأوغلت الدوارع فيه تمشي
إلى أبراجه الوسطى السبطرى
6
وأصلتها قنابل ماطرات
لها بالنار والفولاذ مطرا
فقاضتها وإذ كادت تذيق ال
أخيرة ضربها الأحمى الأحرا
أصابت بعضها متفجرات
من الألغام فيه بذرن بذرا
فكن ككهرباء يشع منها الض
ياء إذا لها لامست زرا
وذلك الانفجار حمى عبور ال
مضيق وعن فروق الخوف سرى
به نسفت ثلاث مدرعات
كمثل عصافة
7
بالريح تذرى
وكان الخطب للحلفا نذيرا
بأن وراءه شرا شمرا
8
وأعوزهم على العسر اصطبار
ولو صبروا قليلا صار يسرا
فظل الدردنيل كما نراه
طليقا من قيود الأسر حرا
الفصل الثاني عشر
وصف غزوة غليبولي
وبعد غزوة الدردنيل عزمت الحليفتان بريطانيا العظمى وفرنسا على إنزال جنودهما في شبه جزيرة غليبولي لتدويخها، والزحف منها برا على الآستانة.
وكان الجانب الأكبر من جيش هذه الغارة بريطانيين، معظمهم من الأستراليين والنيوزيلنديين الذين كانوا قبلا في مصر، وكان القائد العام الجنرال السير إيان هملتن.
ففي 25 أبريل سنة 1915 نزلوا في غليبولي بحماية الأسطول، وعلى رغم ما اعترض نزولهم من المصاعب الطبيعية ومقاومة الأتراك الشديدة، احتلوا عدة أميال من تلك الأماكن الوعرة الحصينة، ودارت بينهم وبين الأتراك ومن معهم من الألمان عدة معارك شديدة في كريتيا وساري باير وإتشي بابا وخليج سوفلا وغيرها. وقد بلغت خسارة تركيا فيها بأقل تقدير ثلاثة أضعاف خسارة الحلفاء،
1
وكانت أكبر ضربة أصابت جيشها في هذه الحرب.
وفي 8 ديسمبر سنة 1915 شرع الحلفاء في الجلاء عن غليبولي، فأتموه في 19 و20 منه؛ أي بعد ما أقاموا فيها نحو ثمانية أشهر.
إليك غلبلي من مصر تطوى
تحيتنا فتحكي المسك نشرا
وإن ضاعت
2
فلا عجب لأنا
ليومك حافظون أجل ذكرى
ففيه البأس خط على روابي
بطاحك بالدم المهراق سطرا
تلاه الخافقان وسوف تبقى
له الدنيا مدى الأيام تقرا
وأيا كان قارئه نراه
بترديد السلام عليك مغرى
يعظم من غزاة حماك شأنا
ويرفع من حماة حماك قدرا
وشتك يد الربيع فلحت روضا
وكان لروضك الجيشان زهرا
وكنت لجرأة الجيشين مجلى
وكنت لنخبة الجيشين قبرا
كلا الجيشين أظهر فيك بأسا
كساه وزاده شرفا وفخرا
فذاك مهاجما جلى اقتحاما
وفاق بسالة وامتاز كرا
أتى أبطال أنزك
3
ما أطم ال
ورى روعا وغشى الأرض بهرا
فحق نيوزلندا وأستراليا
بهم أن تشمخا عظما وكبرا
وهذا في الدفاع أرى ثباتا
أفاد الصخر كيف يكون صخرا
وعنك بطعنة نجلاء بكر
تلقى طعنة نجلاء بكرا
حماك كما أردت فعظميه
ووفي حقه مدحا وشكرا
الفصل الثالث عشر
وصف معارك روسيا
تقدمها وتأخرها
في أوائل شهر أغسطس سنة 1914 ولت روسيا الغرندوق نيقولا نيقولافتش قيادة جيشها العامة، وشرعت في هجومين أحدهما من الشمال، حيث عبر جيشها حدود بروسيا الشرقية وكسر الألمان في معركة جمبنين، وطوق مدينة كنجسبرج، ثم كر هندنبرج على الروس في معركة تننبرج، فحملهم خسارة فادحة وأكرههم على التقهقر إلى نهر نيامن، ثم انتصروا عليه في معركة أوغستوفو وأرجعوه إلى بروسيا الشرقية.
وهجم الروس من الجنوب على النمسويين، فافتتحوا لمبرج عنوة في 3 سبتمبر سنة 1914، وواصلوا زحفهم وعبروا مضايق الكربات، فاستولوا على تزرنوفتش وياروسلاف، وطوقوا برزميسل في 22سبتمبر، ثم عبروا نهر السان واجتاحوا غليسيا واحتلوا معظم بيكوفينا، وافتتحوا برزميسل في 22 مارس سنة 1915، وأسروا فيها 120 ألفا وغنموا نحو ألف مدفع، فاستنجدت النمسا ألمانيا، فأمدتها بجيش كبير بقيادة الجنرال مكنزن ومعه ألوف من المدافع الضخمة، وكان ذلك في 28 أبريل سنة 1915، فكر الجيشان على الروس الذين كانت ذخائرهم قد نفدت أو كادت، فاضطروا أن يتقهقروا ويخلوا جميع المدن التي افتتحوها، والجيشان يطاردانهم ويمعنان في الفتح والتدويخ حتى بلغا بنسك وفلنا في 19 سبتمبر 1915.
وجيش الروس كر على غلسيا
وأرهق مدنها فتحا وحصرا
طما كالسيل يجرف ما يراه
يعارضه ويوقف منه مجرى
وجاح سهولها وغزا رباها
وجاز مياهها نهرا فنهرا
ودك قلاعها واضطر من في
معاقلها إلى التسليم جبرا
وساق فيالق النمسا وفيهم
تحكم ممعنا قتلا وأسرا
وراض شوامخ الكربات حتى
أطاعت واستماحت منه عذرا
وأوغل في مضايقها ومنها
على هنغاريا أشفى
1
مطرا
2
وبينا النصر بين يدين يجري
مطيعا والمنى تفتر ثغرا
ومنه ساقة الأعداء تلقى
مضارب تبتر الأعناق بترا
إذا النمسا بألمانيا استغاثت
ونادتها الوحى رحماك نصرا
أمديني على عجل بسد
يصد السيل عن أرضي ويدرا
وإلا طمني غرقا وذيل الد
مار علي ثم عليك جرا
فلبتها حليفتها وأزجت
إليها جحفلا كالغمر مجرا
3
كفته حاجه من كل شيء
وزادت فوقها أشياء أخرى
به ألمانيا النمسا أغاثت
مولية مكنزن فيه أمرا
فخف إلى غلسيا حيث كانت
تقط مزابر
4
النمسا وتبرى
وداجي اليأس بات بها محيطا
وصار هلال نصر الروس بدرا
ففاجأ جيش إيفانوف يبغي
عن النمسا له ردعا وزجرا
ولم يبسق
5
عليه في ثبات
وإقدام ولم يك منه أجرا
6
ولكن كان أمنع منه درعا
وأوفر عدة وأشد ظهرا
فسار تقله قطر الحديد الض
خام وخلفه النجدات تترى
وتدعمه مدافع فائقات
مدافع خصمه مرمى وقطرا
وهذي كان إيفانوف يشكو
إلهيا كلها عوزا وفقرا
فأصبح كلما ناجى مكنزن
بقنبلة يرد عليه عشرا
لذاك اضطر أن يرتد شرقا
ويقفل باب فتح الغرب قسرا
وفي بولندا حاول حمل ضغط ال
عدو فما استطاع عليه صبرا
فأخلاها كما أخلى غلسيا
وعاد عليه ماضي الربح خسرا
الفصل الرابع عشر
دخول إيطاليا في الحرب
في أول مايو سنة 1915 أعلنت إيطاليا خروجها من المحالفة الثلاثية، وشهرت الحرب على النمسا، واجتاز جيشها التخوم النمسوية في 24 منه، وأخذ يتغلب على مصاعب يتعذر على القلم وصفها، وفي 7 يونيو زحفت جنودها نحو تريستا، فاستولت على منفلكوني في 9 منه، وعلى كستلنوفو في 28 منه، وهاجمت غوريتزا في 2 يوليو، وكان ذلك بداءة معارك الأيسنزو الشهيرة التي تكررت فيها هجمات الإيطاليين، فأبدوا من ضروب البسالة والكر والإقدام واقتحام الأخطار، والصبر على احتمال المشقات وتذليل أكبر الصعوبات؛ ما أدهش العالم قاطبة ونالوا على أعدائهم انتصارات باهرة.
بينا أبطال الروس عن ال
كربات تصد وترتد
ترتد مدافعة وعليها
الضغط يزيد ويشتد
يشتد وفي بولندا يد ال
ألمان تطول وتمتد
تمتد وفي التنكيل بها
ما أجدى السعي ولا الجهد
سل الإيطاليون لها
صمصاما أظمأه الغمد
قطعوا حبل الجرمان وفي
أن يتبعوا الحلفا جدوا
والحرب على النمسا شهروا
فذكت واشتد لها وقد
واجتازوا حد الإيسنزو
بعزائم ليس لها حد
بكتائب فوق بيارقها
كتبت «ألنصر أو اللحد»
كالسيل انصبت جارفة
وطمت لا يوقفها سد
وتنزت تبغي آطاما
1
يتهيب جانبها الأسد
وغدت تتوقل
2
في قنن
3
ما بعد تعاليها بعد
عنها ينصاع الفكر عيا
والطرف كليلا يرتد
لو حلق نسر يقصدها
لارتد وأعجزه القصد
فيها المتنصت يسمع حو
ل العرش ملائكه تشدو
والراصد للأفلاك بلا
منظار يمكنه الرصد
هذي لتسورها الإيطا
ليون عزائمهم شدوا
فرأوا قدام طلائعهم
عقبات أسهلها نجد
وجيوش النمسا زادتها
تحصينا ليس له ند
فيكون مهاجمها هدفا
لمخاطر أيسرها الصد
لمدافع تقذف من فمها
برقا يتخلله رعد
وسيول قنابل إن لطمت
طودا يندك وينقد
وركام الثلج تحيط بها
كالجيد يطوقه العقد
ورياح جليد حاصبة
4
بردا كرصاص يعتد
هذي إن ينج مهاجمها
من نار يهرأه البرد
أما الإيطاليون فما
رهبوا الأخطار ولا ارتدوا
وإذ اقتحمت أبطالهم ال
أطواد قواعدها هدوا
وعليها استولوا لم يدفع
عنها التحصين ولا الجند
ولسوف تظل بسالتهم
أثرا يحتاط به المجد
وبها يبقى ذكر الإيطا
ليين يفوح له ند
الفصل الخامس عشر
غزوة بلغاريا والنمسا لسربيا والجبل الأسود
في أول أكتوبر سنة 1915 أعلنت بلغاريا انضمامها إلى ألمانيا، وشهرت الحرب على سربيا والجبل الأسود، وفيما كان الجيش السربي منصرفا لصد غارة النمسويين والألمان من الشمال فاجأه الجيش البلغاري من ورائه من الشرق، وأعان ألمانيا والنمسا عليه، وفي 8 أكتوبر احتل النمسويون بلغراد، وفي 5 نوفمبر استولى البلغاريون على نيش، وفي 30 منه تم اكتساح سربيا كلها، وفي 14 يناير دخل النمسويون ستنجة عاصمة الجبل الأسود.
مضى السنة الأولى على الحرب والدما
تطل وحوت الحرب يشكو من الظما
وزادت سوافيها
1
هبوبا ونارها
شبوبا وغطى سيلها الأرض إذ طما
ولم تنحصر في البر والبحر بل إلى ال
هواء ترقى غولها فاغرا فما
وقد راع سباح الهوا بسوابح
تسلقن بين الأرض والجو سلما
وأوغل تحت الماء يبسط خوفه
على معشر الأسماك ظلا مخيما
ففي الجو طياراته تمطر الردى
على الناس مجتاحا لهم متخرما
وفي اليم غواصاته وهي تورد ال
بواخر والركاب حتفا محتما
وكان على النمسا إلى الآن لم يزل
يكر كمي السرب أصيد مقدما
ومعه الحليف الأسودي
2
الذي له
طراز وشاه البأس أبيض معلما
فصالا عليها مرة بعد مرة
يذيقانها من جفنة القهر علقما
وقد وقفت بلغاريا ثم موقفا
غريبا مشوبا بالغموض ومفعما
على الحلفاء الخلص اعتاص حل ما
تعقد من هذا القبيل وأبهما
بها وثقوا إذ أعلنتهم حيادها
وكلهم الإخلاص منها توهما
ولكن فردنند كان انضمامها
إلى جانب الجرمان أمضى وأبرما
قضى السنة الأولى يروغ فتارة
يري الحلفا لينا وطورا تبرما
وكان على الروس الذين دماءهم
أراقوا فدى البلغار يحرق
3
أرما
4
ولم يك من جرم لهم عنده سوى
تجنبهم إياه إذ كان مجرما
أبوا وهو الباغي على السرب نصره
ولم يستحلوا ما رأوه محرما
فزاد لهم بغضا ولا غرو فهو لم
يكن بسوى نقض المواثيق مغرما
فمن قبل خان السرب لم يرع عهده
لها وعليها الحرب شب وأضرما
ولم يجن منها غير غلب لأجله
دعا مستغيثا قيصر الروس مرغما
فصاح بجيش السرب قف فأطاعه
وعن صوفيا ارتد المغير وأحجما
ولم يكف فردنند هذا وظن ما
به الحلفا فاهوا حديثا مرجما
وفي صدره للسرب والروس ثائر الض
غائن لم ينفك كالنار مجحما
ورام شفاء الحقد بالغدر فانبرى
على غرة للسرب يطلب مغنما
تغفلها مستوفزا من ورائها
وذي عادة النذل الجبان إذا رمى
أعان عليها النمسويين واترا
ويطلب ثأرا ظالما متظلما
5
وفوقهما الألمان والترك أقبلوا
فكان من المجموع جيشا عرمرما
أحاطت بها هذي الجيوش جميعها
كأني بها الدملوج
6
يحتف معصما
وشدوا عليها وطأة الضغط فالتوى
مهندها في كفها متثلما
وخلد أهل الخافقين لقومها
وللجبليين اذكارا معظما
فما غادروا من أرضهم قيد
7
أصبع
لأعدائهم إلى ورووه بالدما
أجل، خسروا لكن شهرة بأسهم
تعوضهم ربحا أعز وأكرما
ستذكرهم بالشكر ألسنة الورى
وإن سكتت عنها الجماد تكلما
فمن عاش منهم كرموه ومن قضى
قضى خير مأسوف عليه مرحما
الفصل السادس عشر
وصف معارك العراق
إلى سقوط كوت الإمارة
في أوائل شهر أكتوبر سنة 1914 سار الجيش البريطاني من بمباي في الهند بقيادة السر أرثر بارت، وعدده نحو 15000 مقاتل، فبلغ العراق في 14 نوفمبر، واحتل البصرة في 22 منه، والقرنة في 9 ديسمبر، وفي شهر مارس سنة 1915 أنجد هذا الجيش بفرقة أخرى وجعل تحت قيادة السر جون نكسن.
وفي 3 يونيو سنة 1915 احتل جيش الجنرال تونزند الشهير العمارة على دجلة، وفي 25 يوليو احتل جيش الجنرال كورنج الناصرية على الفرات، وفي 25 سبتمبر كسر الجنرال تونزند العثمانيين في الثنيات، وفي 29 منه استولى على كوت الإمارة وأسر ألفين من الجيش العثماني، وفي 22 نوفمبر زحف على مدائن كسرى «كتيزيفون»، واخترق خط خنادقها الأول والثاني، وفتك بالفرقة العثمانية الخامسة والأربعين فتكا ذريعا، لكن القائد العثماني نور الدين تلقى نجدة كبيرة، وكر على تونزند فأكرهه على التقهقر في ليل 27-28 نوفمبر إلى كوت الإمارة، حيث حوصر من 7 ديسمبر سنة 1915 إلى 29 أبريل سنة 1916 حينما اضطر أن يسلم هو وجميع الباقين من جيشه.
1
دارت رحى الحرب في الدنيا على عجل
تجرع الناس صاب اليتم والثكل
لم يخل في الأرض منها موضع فبلي
بشرها الغرب حتى الشرق غير خلي
أضحى ومن هولها أهلوه في شغل
وفي العراق لظاها شب والتهبا
وسام من في العراق الويل والحربا
وكان أنور في إيقادها السببا
لأنه ضل عن نهج الهدى وأبى
إلا ركوب الهوى والغي والخطل
لم يجد نصح ولا وعد أفاد ولم
يخف وعيدا ولم يحفل برعي ذمم
والحرب في جانب الألمان كان عزم
فزج دولته في نارها وفصم
عرى مودتها مع أعظم الدول
على بريطانيا العظمى الكنود عدا
وفضلها وهو باد كالضحى
2
جحدا
وظل ينزغ
3
حتى أغضب الأسدا
هاج والجو من تزآره ارتعدا
ومادت الأرض وارتجت من الوجل
وجيش سلطانة البحر العراق نحا
والبصرة احتلها والقرنة افتتحا
وملتقى الرافدين
4
اجتاز مكتسحا
أمامه ساقة الأتراك فانفسحا
له التقدم فوق السهل والجبل
على الفرات توالى زحفه صعدا
والناصرية منها نال ما قصدا
وفوق دجلة للتدويخ مد يدا
وفي عمارة تنزند ابتدا فغدا
من ذلك الحين يكنى عنه بالبطل
عليه نكسن أملى كر مقتحما
وازحف شمالا وغامر واغز مغتنما
أجاب لا فلقد قالوا لنا قدما: «ليس المخاطر محمودا ولو سلما»
فهل أخالف هذا القول بالعمل؟!
فقال نكسن خالفه ودع حذرا
يثنيك إيجاسه عن نيلك الوطرا
واعمل بموجب قول صدقه ظهرا «لن يبلغ المجد من لم يركب الخطرا»
فاعزم وأقدم تفز واهجم وصل تنل
أطاع تنزند أمرا فاه قائده
به وأقدم تحدوه مقاصده
وراض دجلة حتى ذل مارده
واشتد في الفتح والتدويخ ساعده
وبات فيما أتاه مضرب المثل
بعد الثنيات لم تبطئ وقد وهنت
كوت الإمارة أن دانت له وعنت
كلتاهما أكسبته شهرة علنت
وأصبحت وبذكرى فتحه اقترنت
ملء المسامع والأفواه والمقل
وجيشه كان قد أكرى
5
ولم يزد
وسعيه في تلافي النقص لم يفد
رآه إذ ذاك محتاجا إلى المدد
وغير مستكمل ما شاء من عدد
وليس في وسعه إصلاح ذا الخلل
لكنه مع هذا كله نشطا
إلى مواصلة التدويخ ما قنطا
على مدائن كسرى كالقضا هبطا
واحتلها مالكا أرباضها وسطا
واستاق أجنادها كالأينق الذلل
وفي مدائن كسرى وهو قد عزما
على التقدم للزوراء
6
مقتحما
إذا على الفور نور الدين قد هجما
عليه فاضطر أن يرتد ملتزما
نهج الدفاع وأخذ الخصم بالحيل
لكن عسكر نور الدين ما رفقا
في زحفه بل جرى في سيره عنقا
وواصل الكر والإقدام واستبقا
إلى الهجوم على تنزند مندفقا
على جوانبه كالعارض الهطل
وكان تنزند يدري حال عسكره
وغير خاف عليه سر مخبره
فلم يجد ثم بدا من تقهقره
فارتد وهو يحامي عن مؤخره
مدافعا غير هياب ولا وكل
كوت الإمارة فيها اضطر أن يقفا
إذ خلفه كان نور الدين قد زحفا
من الجنوب عليه التف منعطفا
وكوت شد عليها الحصر مكتنفا
من كل ناحية بالبيض والأسل
وجيش تنزند فيها بات منعزلا
وشقه لنطاق الحصر ما سهلا
وكان منتظرا غوثا فما وصلا
وسعي أعوانه في نجده حصلا
لكنه خاب لم ينتج سوى الفشل
وإذ رأى السعي في إمداده ذهبا
سدى وأن معين الزاد قد نضبا
عنا وسلم مضطرا كما طلبا
خليل باشا وأخلى كوت وانقلبا
مع جيشه يحتويهم سور معتقل
الفصل السابع عشر
غزوة روسيا لإرمينية
في أوائل سنة 1916 استأنفت روسيا غاراتها على تركيا في إرمينية بقيادة الجنرال ينودتش، وأمعنت جيوشها في الفتح والتدويخ، والجيش العثماني يتقهقر أمامهم بنظام وبغير نظام، حتى استولوا عنوة على أرضروم في 15 فبراير، وافتتحوا طرابزون في 18 أبريل، وأرزنجان في 26 يوليو، واحتلوا وان وموش وبتليس وغيرها، وحملوا الجيش العثماني خسارة كبيرة من القتلى والأسرى والجرحى.
تبجح الاتحاديون وافتخروا
بأنهم غلبوا في كوت وانتصروا
بثوا البشائر ما بين العشائر وال
أنباء بالبرق في ألمانيا نشروا
قالوا لهم إنهم جاحوا
1
العدو وقد
نالوا به ظفرا ما بعده ظفر
وأنهم جندلوا عشرين ألف فتى
قتلى وعشرين ألفا غيرها أسروا
وأنهم قذفوا الباقين منه إلى
لج البحار ولم يبقوا ولم يذروا
وأنهم طهروا أرض العراق فما
باق لعين الألى عاثوا بها أثر
بمثل هذي الأكاذيب افتروا ولكم
من قبل حيك على منوالها خبر!
فأسر تنزند في كوت الإمارة لم
يكن ليجديهم نفعا لو افتكروا
نسوا به أو تناسوا ما أصابهم
من نحو تسعين يوما ليتهم ذكروا
والربح في كوت لن يلقوا به عوضا
لبعض ما في ربى إرمينيا خسروا
هناك كرت جيوش الروس توسعهم
ضربا تطاير منه فوقهم شرر
في معمعان الشتا في أول السنة ال
جديدة افتجئوا وانتابهم ذعر
كان الهجوم عليهم بالحقيقة من
أشد ما عرفوا من قبل واختبروا
إن الطبيعة كانت في مظاهرها
نصيرة الروس حتى أنهم ظهروا
تبعقت هي بالسيل الغزير وهم
تدفقوا بالكماة الصيد وانهمروا
وبرقها بهر الأبصار وامضه
والروس إذ ألهبوا بارودهم بهروا
ورعدها طبق الآفاق قاصفه
والروس كالأسد رجوا الأرض إذ زأروا
وقرها
2
هرأ الترك الألى سلموا
من قاذفات سعيرا بردها سقر
وانصب مع ثلجها لما همى برد
عليهم كرصاص الروس منحدر
كلاهما عارض طام فكان إذا
لم يردهم مطر أودى بهم مطر
لم يجد من شائك الأسلاك ما غرزوا
حول الحصون فلم يدفع به خطر
لأنها بركام الثلج قد غمرت
وشوكها بات لا يخشى له ضرر
والروس ساروا إلى تلك الحصون على
كسف
3
الثلوج وبالأسلاك ما شعروا
وكالبزاة تنزوا حولها وسعى
حماتها أن يصدهم فما قدروا
يا طالما حذروا هذا الهجوم وإذ
جرى على غرة لم ينفع الحذر
ضاعت أرضروم منهم وهي واسطة ال
عقد الذي الروس في إرمينيا نثروا
وعندما حفظها أعياهم اعتزموا
على الفرار بما كانوا بها ادخروا
ولم يكن ذاك في إمكانهم وعلى
إنقاذ أنفسهم إن أمكن اقتصروا
ففر من فر منهم والألى عجزوا
عنه ولم يصمهم سهم الردى أسروا
وربما استسهل الأتراك نكبتهم
لو كان في أرضروم الخطب ينحصر
لكنه قد تعدى أرضروم إلى
طرابزون التي عن صونها قصروا
وحاولوا حفظ بتليس ووان فما
فازوا وكروا بأرزنجان فانكسروا
لكنهم حسبوا استرداد كوت من ال
غزاة أعظم نصر ساقه القدر
ربح يسير حقير عظموه وما
من قبله خسروا في جنبه احتقروا
أنساهم فقدهم إرمينيا وبه
تبجح الاتحاديون وافتخروا
الفصل الثامن عشر
وصف معركة فردون
في 21 فبراير سنة 1916 هجم ولي عهد ألمانيا بجيش كبير على فردون من الشرق والشمال، قاصدا أن يخترق حصونها ويشق طريقا إلى باريس، ويمحو عار التقصير الذي لحق به في معركة المارن الأولى، فقذف برجاله على حصونها الأمامية غير مبال بالنار الآكلة التي كانت تتناول صفوفهم وتلتهم ألوفهم، وقد حاز بعض انتصارات أولية اشتراها بأغلى الأثمان، واحتل عدة قرى وحصون وخنادق وتلال في شرق فردون وشمالها، وحماتها البواسل ثابتون على نضاله لا يتخلون له عن شبر من الأرض إلا بدماء العشرات والمئات من رجاله، وظلت الحال على هذا المنوال إلى 24 أكتوبر حين انقلبوا من الدفاع إلى الهجوم، وأرغموا العدو المهاجم على إخلاء عدة قرى وحصون، وترك نحو 5 آلاف أسير، ثم جددوا الكر عليه في 15 ديسمبر، فاخترقوا خطوطه، واستولوا على كثير من الخنادق والقرى والحصون، وأسروا منه نحو 12 ألف، وغنموا نحو 120 مدفعا، وأرجعوا خطهم إلى حيث كان الخط الألماني يوم 28 فبراير، وتقدموا في بعض الأماكن نحو الخط الألماني الأول كما كان يوم 20 فبراير، وقد وضع خطة هذا الهجوم الجنرال نيفيل الذي تعين إذ ذاك قائدا عاما، وأدار حركته الجنرال بتاين وقاد الجنود فيه الجنرال تنجير.
وفي 20 أغسطس سنة 1917 هجم الجنرال جيوما
1
قائد الجيش الفرنسوي السادس على مواقع الألمان شمال فردون، فكسرهم شر كسرة، وانتزع منهم ما كان باقيا في أيديهم مع 7000 أسير، وأرجع الخط إلى ما كان عليه تقريبا في 20 فبراير سنة 1916، ولم يجن ولي العهد من هذا الهجوم سوى خسارة لا تقل عن نصف مليون من خيرة الجنود الألمانية.
إيه فردون إننا منصتونا
حدثينا عما جرى حدثينا
طبق الأرض ذكر مجدك حتى
رددته أملاك عليينا
2
ذكر مجد في الخافقين صداه
رن والدنيا تستعيد الرنينا
نشرته الصبا فأنشأ في النا
س ارتياحا وصبوة وحنينا
ذكر مجد من طيه يعيق النش
ر فيزري بالمسك من دارينا
ذكر مجد ما دار في الفم إلا
كبر السامعون والذاكرونا
كبروا كلهم جهارا وصاحوا
هكذا المجد ينبغي أن يكونا
فتش الباحثون في المجد تاريخ
المعالي يستنطقون القرونا
فرأوا فيه أن مجدك هذا
لم يدون له الرواة قرينا
وصفه يعجز البليغ ويلقي الر
وع في قلب أبرع الكاتبينا
نتملى جماله ما بقينا
وتذكرنا يومك الميمونا
ذلك اليوم سوف يحفظ عيدا
لخلاص الدنيا من الظالمينا
فيه أبطالك الحماة الصنادي
د انبروا للدفاع مستبسلينا
لم يخصوا دفاعهم بك بل هم
دافعوا عن حرية العالمينا
3
وقفوا للغزاة وقفة آسا
د أمام العرين تحمي العرينا •••
في وجوه الألمان من بدء هذي ال
حرب فردون قمت سدا متينا
بك شلت في وقعة المرن يسرا
هم فلم تقو أن تمد اليمينا
حلت دون امتدادها وعليها
رغت ضربا حتى قطعت الوتينا
4
وابن غليوم بالتحرك أغرا
ها ومنها لم يلق إلا سكونا
هكذا كان ذلك اليوم والأل
مان ولوا في المرن منهزمينا
كسروا كسرة تردى ولي ال
عهد فيها خزيا وعارا وهونا
كنت مدعاة ما تعناه يوم ال
مرن إذ هجت في حشاه الشجونا
وعليك استشاط والغل فيه
ظل من ذاك الحين يغلي دفينا
ولإدراك ثأره منك أنضى
عزمه حالفا عليه يمينا
ومضى في استعداده مستجيشا
من ألوف المجربين مئينا
وقضى فيه نحو عشرين شهرا
مستثيرا عليك حربا زبونا
لم يفرط فيما رآه كفيلا
أن يكون انتصاره مضمونا
وإذ استوفى ما أراد وألفى
كل شيء بأمره مرهونا
أصدر الأمر بالهجوم فرجت
حولك الأرض من خطى الهاجمينا
وعليك الجيوش كالسيل طموا
فيلقا تلو فيلق زاحفينا
ومن الشرق والشمال تصدوا
لك مستقتلين يقتحمونا
وتنزوا على قلاع ضواحيك
انقضاض القضاء ينقضونا
ما حمتك الحصون بل حاميات
ناضلت عنك وهي تحمي الحصونا
ما وقاك الحديد والصخر والبا
رود بل كان جندك الواقينا
هم تباروا في الذود عنك مشاة
يسبقون الركبان والطائرينا
وتجاروا إليه يستسهلون الص
عب فيه بل يزدرون المنونا
وتواصوا أن يثبتوا ويصدوا
عن صياصيك كرة الهاجمينا
وتفانوا فيه وهم غير موت
في سبيل الدفاع لا يبتغونا
باذلين الحياة طوعا لكي يب
قى حماك العزيز حرا مصونا
وتجافوا عن راحة ورفاه
بهما كانوا قبل مستمتعينا
وأعدوا عزما يفل شبا الغا
زين بل يفري أضلع الدارعينا
ولعينيك واصلوا السهد حتى
منعوا النوم أن يزور العيونا
ولعيني فردون سلوا سيوفا
ما أرادت غير الصدور جفونا
وتلقوا عنك الحديد بضرب
ساحق منه قلبه أو يلينا
لم يرعهم أن العداة عليهم
هجموا كالبناء مرصوصينا
مزقوا شملهم وعنك على الأع
قاب ردوا جموعهم ناكصينا
زعموا أن وصل فردون سهل
فرأوا دونه ربى وحزونا
ما استفادوا من بذلهم نصف مليو
ن ولو زادوا فوقهم مليونا
هم شبوا عليك نارا وإذ أن
قذت منها كانت لهم أتونا
وابتغوا نهلة انتصار فباءوا
يجرعون الزقوم والغسلينا
ورأوا أنهم بقايا فردريك
وحاموك رهط نابليونا
الفصل التاسع عشر
معارك سيناء
وصف انكسار الجيش العثماني وهزيمته من الرمانة إلى ما وراء رفح
في أول أغسطس سنة 1916 حاول الأتراك استئناف الهجوم على قناة السويس، ونشبت معركة الرمانة في 4 منه، وأسفرت عن انكسار الأتراك وفرارهم من قطية فبئر العبد إلى العريش، وخسارتهم 9 آلاف بين قتيل وأسير وجريح، وكان قائد الجيش البريطاني إذ ذاك الجنرال أرشيلد مري، وكان الفضل الأكبر في رد غارة العثمانيين، وتحميلهم هذه الخسارة الكبيرة لفرسان الأستراليين والنيوزيلنديين.
وفي 21 ديسمبر احتل الجيش البريطاني العريش، وفي 27 منه احتل مقضبة، وفي 9 يناير سنة 1917 احتل رفح، وتقهقر الجيش العثماني إلى خط خان يونس والشلال، ولم يبق له في شبه جزيرة سيناء من أثر.
ودخول الترك في الحرب صادر
عن غرور فيه أنور غائر
فهو في الدولة ناه وآمر
وبها خاطر غير محاذر
وتناسى القول «ليس المخاطر»
زجها في الحرب جورا وظلما
وعليها الشر جر فطما
وإلى الأهلين ثكلا ويتما
ساق والجيش أجاع وأظمى
وبه طوح تطويح جائر
وهو فيها مثل كل اتحادي
ناعم البال طروب الفؤاد
لا يبالون بما في البلاد
من دمار آخذ في ازدياد
وشقاء لفم الفتك فاغر
أقفروا من ساكنيها المرابع
ومنوهم بالرزايا الفواجع
غادروهم بين عار وجائع
وأخي داء عياء ونازع
ومسجى
1
لا يواريه قابر
وعليهم لقناة السويس
غزوهم عاد بشؤم طويس
2
من نجا منهم بهون قعيس
3
آب ملتفا فأطمار أيس
4
وقنوط للعزائم ناحر
مع هذا كله لم يحيدوا
عن ضلال ما عليه مزيد
بل على مصر ارتأوا أن يعيدوا
كرة أخرى عساها تفيد
ظفرا عنه تذاع البشائر
يوم رمانة كان خطيرا
مستطيرا شره قمطريرا
5
أصلي الأتراك فيه سعيرا
وسقوا مهلا حميما حرورا
6
ولقوا ضربا يشق المرائر
فيه يا مصر حماتك صدوا
هجمات الترك عنك وردوا
كيدهم في نحرهم واستردوا
لك سينا كلها واستعدوا
لتخطيها إلى ما يجاور
يوم رمانة غازوك خاروا
قوة فيه فزاغوا وحاروا
وبهم كاد يحيق البوار
ولهم لم يبق إلا الفرار
وبه لاذوا فجازوا المخاطر
بعدها قطية أخلوا وبئر ال
عبد جازوا والعريش تنقل
ظلهم من أرضها وتحمل
وإلى مقضبة السير حول
وبها حلوا حلول المسافر
لم يطل للترك فيها المقام
وعليهم ثم جد الزحام
فجأة ريعوا به والضرام
شب من حولهم والحمام
فوقهم أضحى يحوم كطائر
جاءهم جيش مري فابتلاهم
بهجوم هد ركن قواهم
حين ولوا مدبرين اقتفاهم
ودهاهم معملا في قفاهم
تحت داجي النقع
7
بيض البواتر
سامهم هونا وذلا وخسرا
وانكسارا منه ذاقوا الأمرا
غادروا قتلى وجرحى وأسرى
ضعف من نكص منهم وفرا
هكذا كان جزاء المقامر
بعدما عانوا صروف النكال
وغدت حالتهم شر حال
رفح اختاروا محط الرحال
وإليها عجلوا في ارتحال
يسبق الأول منهم آخر
ولهم في رفح الظافرونا
فاجئوا لا يرهبون المنونا
وعليهم هجموا صائلينا
صولة الأسد بهم فاتكينا
فتك باز بالطيور الأصاغر
هكذا كان مصير الذينا
حاولوا تدويخ مصر جنونا
وقضوا عامين في تيه سنيا
وبغوا ثم انجلوا مكرهينا «وعلى الباغي تدور الدوائر»
الفصل العشرون
وصف الهجوم الروسي الثاني على النمسا
في 14 مايو سنة 1916 هجم الجيش النمسوي هجوما عنيفا على الإيطاليين في ترنتينو، واضطروا الجيش المدافع أن يتقهقر أمامه جاليا عن عدة مدن وقرى وحصون، وكانت روسيا تتأهب لهجوم كبير على النمسا، وقد ضربت له موعدا في أول شهر يوليو، ولكنها عجلت فيه إغاثة لإيطاليا، وولت الجنرال برسيلوف قيادة جيشها العامة في الجنوب الشرقي، فهجم في 4 يونيو هجوما واسعا من مستنقعات بربيت إلى حدود رومانيا، فاجتاح بيكوفينا وجانبا كبيرا من غاليسيا، وأسر في ثلاثة أشهر نحو 400 ألف، وبهذه الوسيلة اشتد ساعد الإيطاليين، فكروا على النمسويين واستولوا على غورتيزا، وتقدموا في الكارسو.
رأت دولة النمسا التقادير سائرة
على مشتهاها وهي بالروس ظافرة
توهمت النصر الذي نيل أنه
على يدها مع أنها عنه قاصرة
وقد نسيت تعضيد ألمانيا التي
على روسيا كانت لها هي ناصرة
وظنت على إيطاليا الكر ممكنا
فكرت تمني النفس بالنصر باشرة
ولكن جيوش الروس كانت تأهبت
وصارت على استئنافها الحرب قادرة
فهبت لها من كل حدب وأزمعت
على البطش بالنمسا إليه مبادرة
وكان برسيلوف الشهير يقودها
فكرت سيوف العزم والفتك شاهرة
وشنت على الأعداء أصدق غارة
مضعضعة منها قواها وقاهرة
وكالت صفوف النمسويين ضربة
بها انقطعت أوصالها متناثرة
وردت على الأعقاب من أرض روسيا
طلائعها منكودة الجد عاثرة
تفر وبرسيلوف ينضي وراءها
ركائب جرد بالفوارس طائرة
يشد عليها بالطراد مغادرا
عزائمها من وطأة الضغط خائرة
تحاول بالفر النجاة من الردى
فلا تجد المنجى فترتد حائرة
ولما رأت أن النجاة تعذرت
وأن سراياها إلى الهلك صائرة
وأن إليها كيدها لمصوب
وإن عليها الدائرات لدائرة
وأن كماة الروس تغشى غليسيا
عليها لوا التدويخ والفتح ناشرة
وتحتل فيها أشهر المدن والقرى
لها فرق الغازين كالسيل غامرة
لأنهارها مجتازة وحصونها
مقوضة حتى المضايق عابرة
رأت عبر عينيها لما تم نشرها
له أذنيها
1
فانثنت عنه خاسرة
ولبت نداء الآمرين لها بأن
تدين بتسليم إلى الروس صاغرة
فسلم منها في ثلاثة أشهر
جماهير كانت بالحياة مقامرة
ومجموعها بالعد عشرون فرقة
لها روسيا في ساحة الحرب آسرة
وذلك نصر رن في الأرض ذكره
وسكان روسيا تهادوا بشائره
الفصل الحادي والعشرون
وصف دخول رومانيا في الحرب وانخذالها
في 27 أغسطس سنة 1917 شهرت رومانيا الحرب على النمسا، واجتازت جيوشها مضايق الكربات، وأوغلت في ترنسلفانيا إلى مدى 50 ميلا، وحينئذ استغاثت النمسا بألمانيا جريا على عادتها، فأمدتها بجيش كبير جعلته مع الجيش النمسوي المدافع تحت قيادة الجنرال فلكنهين، وولت الجنرال مكنزن قيادة جيش آخر كبير مؤلف من فرق بلغارية وعثمانية وألمانية، فأطبق الجيشان على رومانيا؛ الأول من الشمال والآخر من الجنوب. وكان الهجوم الروسي السابق ذكره قد توقف، فلم تظفر رومانيا بالمساعدة التي كانت تتوقعها من روسيا، فاضطرت جيوشها أن تتقهقر عن بلادها كلها تقريبا، ووقع جانب كبير من جنودها أسرى في أيدي الهاجمين.
سنتان طال مداهما والحرب ما
فتئت تزيد تسعرا وتضرما
ونطاقها يمتد في الدنيا على
سكانها بدجى الشقاء مخيما
ما انفك محضئها يخاف خمودها
فيزيد مارجها وقيدا كلما
أغرى بها الأتراك قبلا ثم من
سنة بها البلغار زج وأقحما
وعلى ارتكاب أشد ما يتصور ال
إنسان من شر الفظائع أقدما
للأمهات وللقرائن مثكلا
ومرملا وصغارهن ميتما
وأقل ما يجنيه قتل الأبريا
وأحل شيء عنده سفك الدما
كم داس عهدا واستهان كبيرة!
واجتاس قدسا واستباح محرما!
وأتى جرائم اجفلت من هولها الد
نيا وضجت من فظائعها السما
ونما إلى رومانيا من وصفها
ما هاج ساكن غيظها فتحدما
وتحققت أن السلام تعمد ال
جرمان نقض أساسه فتهدما
ورأت عليها فرض دفع بلائه
عنها كما عن غيرها متحتما
وألحظ أظفرها بأحسن فرصة
سنحت لها لتنال منها المغنما
وتضم تحت لوائها من شعبها
قوما يجرعهم عداها العلقما
وهجوم برسيلوف شدد عزمها
لتشق منطقة الحياد وتهجما
وإلى ترنسلفانيا طمحت بها ال
آمال والدهر العبوس تبسما
وبقرب إشراف عليها عللت
نفسا ولاسترجاعها فتحت فما
ووقوفها في جانب الحلفاء لم
تلبث أن اتخذته حكما مبرما
والحرب شبتها على النمسا ولل
غرض الذي قصدته راشت أسهما
وعلى ترنسلفانيا ما أبطأت
أن جردت للزحف جيشا خضرما
1
غشى مضايقها وجاز حزونها
متوغلا في فتحها متقدما
وأمامه الجيش المدافع لا يرى
غير الفرار إلى السلامة سلما
واسترسل الرومان في التدويخ والن
مسا تهيب بجيشها أن يحجما
وإلى مدى خمسين ميلا ما اكتفوا
بالزحف بل صاح الجميع: إلى الأما
2
وارتاعت النمسا ارتياعا إذ رأت
هول المصاب أمامها متجسما
فشكت إلى الألمان قائلة لهم:
هيوا انظروا جرحي وهاتوا المرهما
ولغوثها جمعوا الصفوف وعبئوا
جيشا لصد الهاجمين عرمرما
منها ومنهم ألفوه وجرد ال
أتراك والبلغار جيشا منهما
وهجوم برسيلوف أوقف رافعا
عن عاتق النمسا العناء الأعظما
فتمكنت من نقل معظم جيشها
درءا لعادية الهجوم على الحمى
وبه وبالمدد الذي نالته من
حلفائها حد الهجوم تثلما
واضطرت الرومان أن يخلوا لها
ما اعتم فيه نصرهم وتختما
فتراجعوا عنه وأكره جيشهم
بدل الهجوم على الدفاع وأرغما
ولهم من النمسا تصدى هاجما
جيش لفلكنهين قائده انتمى
ومن الجنوب أتى مكنزن قائدا
جيشا فأنجد في الهجوم وأتهما
وعليهم الجيشان حالا أطبقا
وخطى مكنزن في الهجوم ترسما
3
عبر المضايق ذاك منقضا وذا الد
انوب شق وجازه متقدما
سدا على الرومان باب الغوث من
حلفائهم في الغرب سدا محكما
لم يستطعه قط إلا روسيا
وهي التي وعدت به لكنما
ويقال لو كانت بما وعدت وفت
صدوا الهجوم ولم يصبهم منه ما
ويقال بل رومانيا أولى بأن
يقضى عليها بالملام ويحكما
أما أنا فأعده سرا ومن
لي أن يبوح به إلي فأعلما
الفصل الثاني والعشرون
ثورة الحجاز
مما يؤسف له كل الأسف أن أنور وطلعت وجمال وغيرهم من الاتحاديين القابضين على أزمة الأحكام في تركيا أقدموا في أثناء هذه الحرب على ارتكاب جرائم تقشعر لشدة فظاعتها الأبدان، واقترفوا مآثم لم تسمع بمثلها أذن، ولا رأته عين، ولا خطر على بال إنسان؛ فإنهم وهم مشتبكون في الخارج بحرب طاحنة عركتهم عرك الرحى بثفالها، أعانوا العدو عليهم بأن أطلقوا في الداخل أيدي التدمير والتخريب والإرهاق والتعذيب، وعمدوا إلى رعايا الدولة من الروم والأرمن
1
وأعملوا فيهم السيوف والرصاص والمشانق، واستباحوا أموالهم وأعراضهم، وسبوا نساءهم وأولادهم، وبلغوا في بهظ العرب والتنكيل بهم مبلغا ارتجت من هوله الأرض والسماء، وأغضب الشريف الهاشمي سليل سيد البطحاء، فخرج خروج الأسد من عرينه، واستل مرهف أبيه بيمينه، ونهض بأنجاله
2
نهضة الضرغام بأشباله، وأعلن قطع علاقاته بالحكومة التركية، وانضمامه إلى دول الحلفاء. وكان ذلك في أوائل شهر يونيو سنة 1916 (9 شعبان سنة 1334)، وما عتم أن استولى رجاله بقيادة أنجاله على مكة المكرمة وجدة والطائف وغيرها من الأقطار الحجازية، وحاصروا الحامية العثمانية في المدينة المنورة، ونودي بالشريف حسين بن علي ملكا على الحجاز، وأجمعت دول الحلفاء كلها على الاعتراف به.
ولم يف الاتحاديون إذ حكموا
بالوعد أن يعدلوا في الحكم بل ظلموا
وخالفوا خطة كانوا لها رسموا
وحولوا ما رعاياهم به نعموا
إلى شقاء بأن ينتابهم حتموا
وبعدما أعلنوا الدستور ما لبثوا
أن استبدوا وفي أيمانهم حنثوا
ولم يصونوا حقوق الشعب بل عبثوا
بها وعهد التساوي بيننا نكثوا
كأنه لم يكن عهد ولا ذمم
منوا علينا كثيرا أنهم خلعوا
عبد الحميد وعنا نيره نزعوا
حرية وإخاء بيننا وضعوا
وفي عطاء مساواة لنا شرعوا
حتى تظللنا الخيرات والنعم
بهم وثقنا وأخلصنا لهم وعلى
إنجاز ما وعدونا كلنا اتكلا
لكننا لم نجد فيما أتوا عملا
مؤيدا قولهم بل خيبوا الأملا
وما بنينا على دستورهم هدموا
بخلع عبد الحميد الحيف ما اقتلعوا
بل معه أضعافه في أرضنا زرعوا
تفننوا فيه ما شاءوا بل اخترعوا
له أساليب مكر كلها بدع
والله منهم عليها سوف ينتقم
وكان أفظع إثم بابه فتحوا
تلك الدماء التي سفحا لها سفحوا
أعني دما الأرمن القوم الألى ذبحوا
ذبح النعاج وما خانوا ولا اجترحوا
سوى براءتهم مما به اتهموا
بسفكها اتهموا عبد الحميد
3
ومن
معه فصدقهم من في نهاه وهن
والله يعلم والأملاك تشهد أن
عبد الحميد بعيد في الحقيقة عن
هذه الفعال وأن الفاعلين هم
وبالرزايا منوا كالأرمن العربا
وأرهقوهم فذاقوا الويل والحربا
والعرب أشرف أما منهم وأبا
في عهد دولتهم هذي غدوا ذنبا
لشر رأس تحاشت حمله البهم
بنعمة العرب الأتراك قد كفروا
وفضلهم غمطوا عمدا فما ذكروا
وفي بني جنسهم إحسانهم حصروا
وفي سواهم تمشى منهم الضرر
كما تمشى بجسم المدنف السقم
ومنذ ما الحرب مع ألمانيا دخلوا
وما لهم ناقة فيها ولا جمل
لباهم العرب والهيجاء تشتعل
لما دعوهم وبالأرواح ما بخلوا
ولجها معهم لما طما اقتحموا
لكنهم وسعير الحرب يلتهب
والعرب معهم إلى حوماتها وثبوا
لم يتقوا ربهم فيهم كما يجب
وقد نسوا أو تناسوا أنهم عرب
لا يصبرون على من حقهم هضموا
في السلم ما عدلوا فينا ولا رفقوا
وفي الوغى جندهم عن جندنا فرقوا
وألف عذر لهم في ضيمنا اختلقوا
وكم على يدهم منا نفوا فشقوا!
وكم وكم في غيابات السجون رموا!
وعم سورية الجور الذي ارتكبوا
فضجت القدس منه واشتكت حلب
وأرضها بدما أبنائها خضبوا
حتى المشانق في ساحاتها نصبوا
وكم شهيد عليها عنقه قصموا!
ذا بعض ما شره أهل الشآم عرا
به اجتزأت عن التطويل مختصرا
لكنه ذاع بين الناس منتشرا
حتى به سمعت أم القرى خبرا
فأكبرته وضج البيت والحرم
إذ ذاك هب الحسين الأشرف ابن علي
يذود عن قومه بالبيض والأسل
وصاح في تركيا يا ضيفن ارتحل
4
عنا ويا ظلها من أرضنا انتقل
واذهب إلى حيث ألقت شاعك
5
العدم
وكر أشباله معه وما زأروا
إلا إليهم حجازيوهم ابتدروا
والحرب شبوا على الأتراك فانتصروا
وطاردوهم حتى عقدهم نثروا
من أرضهم وعرى استئثارهم فصموا
وإن هذي لأسمى نهضة ثلجت
لها صدور بني قحطان وابتهجت
بها ألوف نفوس أنقذت ونجت
وألسن الخلق طرا بالثنا لهجت
على الألى الدين والدنيا بها خدموا
وقبلها أرجف الأتراك واختلقوا
ما أنشأ الخوف في الإسلام لو صدقوا
قالوا لنا الحلفا سرا قد اتفقوا
على مناهضة الإسلام بل طفقوا
يسعون فيما على إجرائه عزموا
وعندما ابن النبي انضم للحلفا
وانحاز كذب هذا الإفترا ونفى
ومسلمو الشرق كل منهم عرفا
هذا النفاق فما بالاه بل صدفا
عن الوشاة ولم يعبأ بما رجموا
ولم ير الاتحاديون ما نشدوا
بل شر ما زرعوه بيننا حصدوا
تفريقنا طلبوا لكنهم وجدوا
منا اتفاقا عليهم عكس ما قصدوا
وبئس منقلب القوم الألى ظلموا
الفصل الثالث والعشرون
تدويخ العراق وفتح بغداد
في 23 ديسمبر سنة 1916 شرعت الجنود البريطانية بقيادة الجنرال ستنلي مود
1
تستأنف الهجوم في العراق، فضربت مواقع العدو في الثنيات، وهاجمت ضواحي كوت الإمارة، واستولت على كوت في 24 فبراير سنة 1917، وحملت الجيش العثماني خسارة نهكت قواه وأضعفت عزائمه، فولى أمام مطارديه الأدبار، وأمعن في الفرار حتى كان في أول مارس قد اجتاز العزيزية، وبلغ عدد المأسورين منه 7 آلاف.
وفي 8 مارس اجتاز فرسان الجيش البريطاني مدائن كسرى (كتيزيفون)، وعبروا نهر دياله، وفي 10 منه بلغوا ضواحي بغداد، وفي 11 منه دخلوها، والمسافة بين كوت الإمارة وبغداد 110 أميال، قطعوها في أقل من أسبوعين وهم يطاردون الأتراك، وعبروا دجلة 3 مرات.
وفي العراق الترك ما كذبوا
أن استلذوا النصر واستعذبوا
وأوهموا أتباعهم أنه
نصر مبين باهر أشهب
وأن ضنكا شفهم زال والص
عاب هانت وانجلى الغيهب
وأن في استرجاع كوت لهم
فخرا صداه في الورى يذهب
وأنهم راعوا بريطانيا ال
عظمى فباتت بأسهم ترهب
وأنهم في جيشها أحدثوا
صدعا بعيد الغور لا يشعب
وأن غربان القضاء على
فلولهم لا بد ما تنعب
وأن هذي الحرب في رأيهم
ليست سوى ألعوبة تلعب •••
بسمع هذي المضحكات وما
أشبهها آذانهم أطربوا
والطيش أعماهم فاستبعدوا
ما كان منهم شره يقرب
سارين في داجي الغرور ولا
يرون ما في جوهم ينشب
وفاتهم أن الهزبر الذي
هاجوه منه ما لهم مهرب
وأنه عما قليل عدا
ه ضربة قاضية يضرب
وبينما الأقدار تجري ولا
يدرون ما في لوحها يكتب
فاجأهم مود بجيش له
أيان سار النصر يستصحب
وصاح فيهم صيحة أشبهت
زمجرة الضرغام إذ يغضب
وهب يغزوهم ومن بطشه
يشب نارا حولهم تلهب
جنوب كوت فلهم زاحفا
وجد في استرجاعها يدأب
واحتلها حماتها غالبا
بقوة كالسيل لا تغلب
ومن نجا منهم شمالا جرى
ومود جار خلفه يعقب
ويحسب الأسرى ألوفا وفي ال
مجموع منهم فوق ما يحسب
أما الألى قتلى وجرحى هووا
فالحق أن عدهم يصعب
وبعد كوت خف مود ورا
أعدائه إرهاقهم يطلب
يقود جيشا ينهب الأرض إذ
يمشي ويغزو الجو إذ يركب
وعزمه يعزى لصلد الصفا
لكنه من قلبها أصلب
وكره إن صال في ساحة ال
وغى إلى أسد الشرى ينسب
به اقتفى مود خطى ساقة ال
أتراك وهو سوقهم يقضب
وجد في فتح الحصون على
أبراجها أعلامه ينصب
حتى أتى بغداد فاحتلها
وأكره الأتراك أن يهربوا
فأطلقوا للريح سيقانهم
وخلفهم ذيل الوجى يسحب
وغادروا بغداد وهي من ال
على الغوالي نهبة تنهب
وليس في أجفانهم دمعة
حزنا على فقدانها تسكب
وإن يقولوا غير ما قلته
للغض من قيمتها يكذبوا
ففقدها جرعهم شربة
أمر منها قط لم يشربوا
وعده أقطابهم نكبة
بمثلها من قبل لم ينكبوا
الفصل الرابع والعشرون
دخول ولايات أميركا المتحدة في الحرب
في 31 يناير سنة 1917 أرسلت ألمانيا إلى جميع الدول المحايدة مذكرة قالت فيها إنها من أول فبراير ستطلق لغواصاتها العنان؛ لكي تغرق جميع البواخر بلا قيد ولا شرط، غير مراعية جنسيتها ولا محمولها، وأمهلت البواخر خمسة أيام لتعود فيها إلى المواني المحايدة، فأحدثت هذه المذكرة في بلاد المحايدين عموما، وولايات أميركا المتحدة خصوصا، هياجا واضطرابا لا مزيد عليهما.
وفي 3 فبراير قطعت الولايات المتحدة علاقاتها السياسية بألمانيا، وفي 6 أبريل شهرت الحرب عليها، وأخذت تستعد لها استعدادا أدهش العالم قاطبة، وعلى الفور وقفت حكومتها على تجنيد عشرة ملايين رجل، واعتماد ألوف الملايين من الريالات لها وللحلفاء، ووقفت جميع المعامل في بلادها على بناء البواخر وصنع الأسلحة والذخائر، وإمداد الحلفاء بكل ما يحتاجون إليه من ميرة وذخيرة، وشرعت في إرسال جيوش إلى فرنسا.
وفي 8 يونيو رست بوارجها في المواني الفرنسوية، ووصل قائد جيوشها العام الجنرال برشنغ إلى إنكلترة، وفي 28 منه وصلت طلائع جيوشها إلى فرنسا، ثم أخذت البعثات تتلوا بعضها بعضا على رغم شدة مقاومة الغواصات لها، وزاد متوسط عددها في كل من الأشهر الأخيرة على 300 ألف، وبلغ مجموعها عند عقد الهدنة مليونين ونصف مليون.
حتى متى تجف القلوب وتخفق؟!
وإلام تضطرب النفوس وتقلق؟!
والخلق طرا في شقاء شامل
وبودهم لو أنهم لم يخلقوا
سئموا اقترانا بالحياة أمضهم
ولو أنهم منحوا الخيار لطلقوا
طمعوا بأن يلقوا أقل مسوغ
في هذه الدنيا البقاء فما لقوا
والحرب فيها لا تني
1
مشبوبة
وسعيرها يشوي الأنام ويحرق
المال تفني والرجال تبيدهم
ودماءهم هدرا تثج وتهرق
بقذائف البارود تنثر هامهم
وجسومهم بظبى الأسنة تعرق
2
قلب الحديد يذوب من أهوالها
ويشيب من رأس الوليد المفرق
عمت رزاياها البرايا كلهم
كالسيل يجرف ما أصاب ويغرق
من قبلها شبت حروب جمة
والغرب ضج لهولها والمشرق
لكنها في جنب هذي لم تكن
شيئا به الذكرى تليق وتلبق
تلك الحروب على اشتداد سمومها
3
كانت لدى هذي بليلا
4
تنشق
وسلاحها رمح يحدد نصله
ومهند ينضى وسهم يرشق
ومع الرصاص البندقي استنبطت
أكر الحديد من المدافع تطلق
هذي هي العدد التي كانت بها
من قبل ناصية المعارك تمشق
وزمانها إذ ذاك مثل مجالها
مهما يطل ويسع قصير ضيق
وعلى فداحة ما جنت فخطوبها
سلع بأسواق التحمل تنفق
لكنما هذي الكريهة شرها
سيل على كل الورى يتدفق
ومثيرها غليوم لا يرثي لمن
في غمرها غرقوا ولا يترفق
ورجاله كل يسير على هوى
مولاه شيطان الوغى لا يشفق
أذكى شرارتها وأمل أنه
فيها على الحلفاء نصرا يرزق
ومضى عليه ألف يوم وهو من
دم شعبه فيها يعب وينفق
ما زال يحضئها ويضرم نارها
ويطيش من كر الحبوط وينزق
ويواصل الحرب التي الحلفا سعوا
في منعها قبل الشبوب فأخفقوا
ويجد في توسيع شقتها ولا
ينفك منها يحتويه مأزق
لم يرع فيها قط حرمة شرعة
وعن المحارم لم يذده موثق
بل هب ينتهك الشرائع كلها
ويحز لبات العهود ويخرق
فأباح تخريب الكنائس مرسلا
في أنفس الآثار سهما يمرق
وأحل قتل الأبريا بقذائف
سفن الهوا ترمي بها وتحلق
ولأنت يا لوفان أصدق شاهد
بفظائع الألمان جهرا ينطق
كم غارة شنت على باريس! بل
كم من جراها أهل لندن أقلقوا!
بل كم قتيلا فيهما وسواهما
قتلت وليس به غبار يلصق
ذا بعض ما اجترحته طياراته
وإلى بيان الكل لا أتطرق
لكنما حوت الفظائع لم يزل
يشكو الصدى وفؤاده يتحرق
فرمى بغواصاته حتى غدا
حلق المحيط بها يغص ويشرق
وتسابقت تجري أوامر ربها
وتجد في تنفيذها وتدقق
ولها بإغراق السفين وركبها
تفويضه من كل قيد مطلق
5
فأتت جرائم سجلت فيها على
ألمانيا عارا به تتمنطق
وأقامت الدنيا عليها وهي لا
تنفك ركب المنشئات
6
تغرق
وحكومة الدكتور ولسن هالها
هذا البلاء المستطير الموبق
وعلى التلافي حضت الألمان وال
إنذار يرعد بالوعيد ويبرق
لكنهم لم يأبهوا لوعيدها
وعلى التمادي في جرائرهم بقوا
سخروا بصولتها وعدوا شهرها
للحرب هبه أذيع لا يتحقق
وغرامها بالسلم يوصد دونها
باب الجنوح إلى الكفاح ويغلق
وإذا أرادت أن تمد بجيشها ال
حلفا الذين لها عنوا وتملقوا
فجنودها في كل شهر عدهم
مهما تزده ففرقة أو فيلق
ولهم بعرض البحر غواصاتهم
فتصدها عن قصدها وتعوق •••
هذي الأقاويل التي الألمان في
ما بينهم هذروا بها وتشدقوا
واستدرجوا حلفاءهم فتسابقوا
وبهم على الفور اقتدوا وتخلقوا
وإلى اقتراف المنكرات جميعهم
خفوا وإتيان الكبائر نسقوا
نصبوا مشانق أبرياء وحقهم
أن يوثقوا هم كالجناة ويشنقوا
وتفننوا في الموبقات فأطلقوا ال
غازات تحرق والسوائل تخنق
واستخدموا للقتل والتعذيب آ
لات بها أغراضهم تتحقق
أما الألى لا يوردون بها الردى
فتسومهم ما لا يطاق وترهق
ولهم بأصناف الرزايا تبتلي
وتجم
7
كاسات العذاب وتدهق
وتذيقهم ثكلا وتيتيما وتر
ميلا تجاح به النفوس وتزهق •••
بأميركا هزءوا وقوة جيشها
حقروا وشدة بأسها لم يتقوا
فتحفزت للحرب تثبت أنها
بوعيدها صدقت وهم لم يصدقوا
واستصرخت أبناءها فتراكضوا
كل أخاه إلى التطوع يسبق
تسعون مليونا بها بروا ولم
يك واحد منهم يعق ويأبق
8
صرخوا بصوت واحد لبيك يا
أم الرجال وكالسحاب تبعقوا
وعلى مشيئتها ورهن رئيسها الد
كتور ولسن كل شيء علقوا
أموالهم وعقولهم ودماءهم
وقفوا على سعة ولم يتضيقوا
نهضوا للاستعداد نهضة أمة
جدت ففازت والأجد الأسبق
في حالتي سلم وحرب أدهشوا الد
نيا بما فيه سموا وتفوقوا
في السلم راعوا ما اقتضاه مقامهم
فجروا على سنن الحياد ودققوا
وقفوا أمام بني الوغى ولو انهم
ظفروا بأسباب الوفاق لوفقوا
وتجنبوهم لم يحابوا واحدا
منهم وسووا بينهم لم يفرقوا
شملوا فريقيهم بإحساناتهم
كالغيث من كرمائهم تتدفق
وتعهدوا الجرحى بجمعياتهم
نسماتها في كل صقع تعبق
وعلى الألى نكبوا بهذي الحرب قد
بسطوا أكف سخائهم وتصدقوا
سل عن مآثرها العظيمة شرقنا
ينطق ومنه بها أوروبا أنطق
فلها حديث في فرنسا شائق
وصداه في البلجيك منه أشوق •••
لزموا الحياد فزادهم ربحا ومن
جرائه لم يبق فيهم مملق
9
لكنهم لم يرضهم أن ينعموا
والبؤس عم على البرية يطبق
وفظائع الألمان يسبق بعضها
بعضا لها في كل يوم ملحق
ولذاك ما نبذوا الحياد وأنكروا
أرباحه وعلى الكريهة أطبقوا
في السلم لم يتمكنوا أن يحبسوا
شرا له الألمان عمدا أطلقوا
فتذرعوا بالحرب يتخذونها
وهقا
10
يغل به العدو ويوثق
والحرب أكبر وازع
11
للحرب إذ
بسعيرها يكوى المثير ويحرق
في السلم راعوا العالمين بما على ال
عافين من بدر المعونة أغدقوا
والحرب فيها أدهشوا الدنيا بأن
نهضوا لها وتوقلوا وتسلقوا
بعزيمة تفري الحديد وهمة
نفاذة هام المصاعب تفلق
لم ينصرم عام على استعدادهم
إلا الخناق على الأعادي ضيقوا
وعليهم انقضت مئات ألوفهم
عبر المحيط كما الصواعق تصعق
لم يعبئوا بوعيد غواصاتهم
بل جاوزوا أخطارها وتدفقوا
عبروا الخضم كأنهم ساروا على
يبس لهم عضد الأمان مطوق
فيه استقلوا الباخرات فأبحرت
والدارعات بها تحف وتحدق
وكأنها جسر كبير ممتط
لليم أو هو فوقه متعلق •••
هذا هو الشعب الذي «البوش» ازدروا
وله على رغم التجلد أحنقوا
ولسوف يلقون العقاب معجلا
يهوي عليهم كالقضاء ويطبق
يهوي وعندئذ ألوف ألوفهم
تهوي وشمل صفوفهم يتمزق
ونفوسهم بلظى العذاب تذوب وال
أسنان من حنق تصر وتحرق
12
الفصل الخامس والعشرون
الثورة الروسية
حدثت هذه الثورة في 9 مارس سنة 1917، وانتهت بخلع القيصر وتأليف وزارة وطنية رئيسها البرنس لفوف، ومن وزرائها المعروفين جوتشكوف للحربية، ومليوكوف للخارجية، وكرنسكي للحقانية، وترستشنكو للمالية، وألكسيف لقيادة الجيش العامة.
على أنها كانت لسوء الحظ من الوزارات القصيرة الأعمار؛ لأن الحزب المعروف بحزب المجندين والعمال كان قد اشتد ساعده وامتد نطاق نفوذه بسعي كرنسكي أحد كبار زعمائه؛ فهب لمناوأتها وجد في مقاومتها، وفي 14 مايو ثار عليها هذا الحزب، فأسقط مليوكوف وزير الخارجية، فخلفه ترستشنكو وزير المالية، واستعفى جوتشكوف وزير الحربية وخلفه كرنسكي وزير الحقانية. وفي 20 يوليو استقال البرنس لفوف رئيس الوزراء وخلفه كرنسكي، وفي 7 أغسطس أعيد تأليف الوزارة، فتعين كرنسكي رئيسا لها ووزيرا للحربية والبحرية، وأصبح حاكم روسيا المطلق.
فلم يمض بضعة أشهر على خلع القيصر حتى شهدت بتروغراد فتنتين كبيرتين على رجلين من أعظم رجال حكومتها، أولاهما في شهر مايو حين قام الجمهور على مليوكوف وأسقطوه من وزارة الخارجية كما تقدم الكلام، والثانية في أواسط شهر يوليو حين ثار فريق كبير من الاشتراكيين المتطرفين والمكسيماليين وأنصار لنين (الذين عرفوا فيما بعد بالبلشفيك) على كرنسكي لكنهم فشلوا، على أنهم بقيامهم هذا، وما أحدثوه في العاصمة يومي 16 و17 يوليو من الهياج والشغب والسلب والنهب؛ أثروا أسوأ تأثير في الهجوم الذي شرع فيه الجنرال كرنيلوف في أول يوليو وأسفر في نحو أسبوعين على أسر 36 ألفا من الجرمان وامتلاك عدة مدن وقرى؛ فإن هذا الهجوم توقف بغتة، وسرى روح التمرد والعصيان والخيانة بين الجنود، فاستحال الهجوم إلى تقهقر شائن أشبه بالانكسار، وجلوا عن جميع الأماكن التي كانوا قد احتلوها في هذا الصيف وفي الصيف الماضي في غليسيا وغيرها، وارتدوا إلى بسارابيا، وتلا ذلك وقوع الشقاق بين كرنسكي وكرنيلوف، واستعفاء ألكسيف من القيادة العامة.
وفي أوائل شهر نوفمبر شبت ثورة أخرى تمكن بها المكسيماليون أو البلشفيك من قلب حكومة كرنسكي، واستأثر لنين وتروتسكي بالسلطة، وما أبطأ هذان أن هادنا ألمانيا وحلفاءها وعقدا معهم ذلك الصلح المذل المهين المعروف بصلح برست لتوفسك، وأمضيت معاهدته يوم أول مارس سنة 1918. أما الفظائع التي ارتكبها البلشفيك في روسيا، فتضيق عن وصفها أكبر المجلدات؛ فإنهم قتلوا القيصر والقيصرة وأولادهما أفظع قتلة، واغتالوا كثيرين غيرهم من الأسرة المالكة، وأطلقوا السيف والنار في بتروغراد وموسكو وغيرهما من أمهات مدن روسيا، وطوحوا بالبلاد كلها في مهاوي الخراب والدمار.
يا لها من حرب عوان زبون!
في البرايا تدور كالمنجنون!
1
إنها كالرحى وهم كالطحين
كل يوم حديثها ذو شجون
مضرم في الورى سعير الشجون
لا يني
2
بحرها الخضم يعج
بهدير للأرض رجا يرج
ولظاها في الخافقين يئج
وألوف الألوف فيه تزج
كهشيم يزج في أتون
وإليها الأحلاف سيقوا اضطرارا
ليس فيهم من رامها مختارا
أكرهتهم ألمانيا والنارا
أضرمت والشرار منها استطارا
من أوروبا إلى بلاد الصين
غشي الأرض مارج الهيجاء
وتلظى ضرامها في الهواء
وعلى الماء ثم تحت الماء
عم قتل الورى وسفك الدماء
وعلى الكون مد زيج
3
المنون
خاضها الروس عن بني الأعمام
يتوخون صد سيل طام
ولهم منذ سالف الأيام
شهرة في الإنقاذ للمستضام
حين يدعو يا روسيا أنقذيني
عبئوا للوغى جيوشا تترى
وانبروا يزحفون برا وبحرا
وأداروا في الترك طعنا نترا
4
وأذاقوا النمسا عصيرا أمرا
من مزيج الزقوم والغسلين
وعليهم معول الحلفاء
كان في نيل الانتصار النهائي
أملوا أنهم بلا إبطاء
يضربون العدو في الهيجاء
ضربة تفري منه عرق الوتين
هكذا أملوا ولكن دهاهم
ما رأوه مخيبا لمناهم
وجدوا الروس قصروا واعتراهم
طارئ باغت فخارت قواهم
رغم سبق التشديد والتمكين
عصفت بينهم رياح الشقاق
فاصمات منهم عرى الاتفاق
فنظرنا وإذ بنا لا نلاقي
بعد ماضي الوئام غير انشقاق
عابث بالنظام والقانون
بدءوا بالكفاح بدءا مجيدا
وأغاروا على الأعادي أسودا
كلهم كر باسلا صنديدا
رب عزم ماض يفل الحديدا
واقتحام يروع ليث العرين
وإذ استسلموا إلى الانقسام
صار إقدامهم إلى إحجام
ثم قفوا إحجامهم بانهزام
وانتهى بدؤهم بشر ختام
وغدوا بعد عزهم في هون
بينما كان الجيش في الميدان
يتفانى ذودا عن الأوطان
كان بعض من زمرة الأعيان
في ائتمار على اطراح الطعان
والتآخي مع العدو الخئون
كان هذا الأمر الفظيع المنكر
غاشيا في الخفاء قصر القيصر
دبرته أم الدهاء الأكبر
فهي كانت للشر أكبر مصدر
وهي أصل الداء العياء الدفين
لم تزل منذ شبت الحرب تسعى
بانكسار لروسيا سعي أفعى
مع بني جنسها أمالت ضلعا
وأصاخت لما دعوها سمعا
طوع أمر الموسوس المفتون
5
ونقولا المسكين ظن عروسه
ملكا في الإخلاص أو قديسة
وهي كانت من أصلها إبليسة
ثم صارت في قصره جاسوسة
من جنود الطاغوت
6 «رسبوتين»
فتمادت في النزغ عرضا وطولا
وبني الروس أشبعت تضليلا
ثم لما زادت بهم تنكيلا
عد عنها قرينها مسئولا
فاتقوا شرها بخلع القرين
بعدما أسقطوه شادوا وزارة
أسمعونا عنها أسر بشارة
أملوا أنها تكون منارة
وبها روسيا تعاض خسارة
كابدتها من «رسبتين» اللعين
وإذا قوة الوزارة خارت
وإلى الضعف والتراخي صارت
ثم مادت أركانها وانهارت
وعلى إثر ذاك فوضى ثارت
ثوران الخضم
7
في كانون
كان عنها «كرنسكي» المسئولا
وإليه تعزى الرزايا الأولى
فهو قد كان للوزارة غولا
وبه بات عقدها محلولا
وبه انهد صرحها عن يقين
وإليه الجنود والعمالا
كان بالمكر والدهاء استمالا
ولهم زين الخبيث المحالا
وعليهم كما أراد احتالا
وسباهم بسحر لطف ولين
وبهم في جهاده شد أزره
فاتموا على أعاديه نصره
وله في الورى استطارت شهرة
وغدا الأمر في بني الروس أمره
يقتضيه بلفظ كاف ونون
فتن الجيش واشترى الفلاحا
إذ له نهب الأغنياء أباحا
وعلى الفور ذاك ألقى السلاحا
وتلاه هذا فعاث وجاحا
وابتلى الناس بالمعني المهين
كل هذا والمستبد الغاصب
رائغ بينهم رواغ الثعالب
ولذيل الرخاء والرغد ساحب
آخذا بالشمال أهل المناصب
وعلى الجيش قابضا باليمين
حاد عن منهج الصواب الصريح
عامدا مطلقا عنان الجموح
وازدرى رأي «كرنلوف» النصوح
وتمادى مسترسلا في الطموح
معرضا عن ذاك الحكيم الأمين
لم يعر نصح «كرنلوف» اهتماما
وعلى غيه أصر وداما
وعن الفوضى في البلاد تعامى
وأخيرا لما التلافي راما
لم يسعه ولا رأي من معين
وعليه «لنين» ثار وكرا
وله «البلشفيك» شدوا أزرا
وأذاقوه في الهجوم الأمرا
فتخلى عن الدفاع وفرا
كبغاث
8
يفر من شاهين
وخلا الجو ثم للأوغاد
يستبدون أيما استبداد
فتمادوا في العيث والإفساد
واستلاب الورى وقتل العباد
واقتفوا خطة الرجيم «لنين»
جاهروا بالإخاء للأعداء
وقضوا بالعداء للحلفاء
وعلى نكثهم عهود الولاء
أجمعوا راغبين عن إيفاء
ما على روسيا لهم من ديون
وبهم روسيا العزيزة ذلت
وبها أكبر المصائب حلت
فتلاشت قواتها واضمحلت
ثم خارت أعضاؤها وانحلت
وحكت في الخريف أوراق تين
عقدوا صلحهم مع الألمان
بهوان ما بعده من هوان
فيه خروا لهم إلى الأذقان
واستطابوا الخنوع كالعبدان
9
طمعا في الرضوان من نيرون
10
هكذا «البلشفيك» كادوا الروسا
وعليهم جروا الشقا والبوسا
ومن الذل جرعوهم كئوسا
وإذا ما الأذناب صارت رءوسا
فاجلسي يا أقدام فوق العيون
الفصل السادس والعشرون
تحية لبنان
موشح على نغم «حنيتنا يا حنيتنا»
لازمة
حي عنا يا نسيم الوطنا
فلقد ذبنا عليه شجنا
دور
من ضفاف النيل حنت للشآم
أنفس تهدي على البعد السلام
لا تلمها يا عذولي هل يلام
من سلا الدنيا وحب الوطنا ؟
دور
من ربى الأهرام للأرز صبا
مغرم يذكر أيام الصبا
في ربوع أهلها أيدي سبا
ذهبوا والبؤس فيها استطونا
دور
يا ربوعا كلما دار لها
في فمي ذكر شجاني ولها
عنك قلبي قط يوما ما لها
كيف ألهو عنك يا كل المنى
دور
أنت يا لبنان معشوقي القديم
وفؤادي بك لم يبرح يهيم
وإلى من فيك من أهلي مقيم
ذبت شوقا والتياعا وضنى
دور
طودك السامي الذرى الفخم المهيب
تحته سفح على واد خصيب
كلما أذكره عني تغيب
هذه الدنيا وأنسى من أنا
دور
فيك أحبابي الأعزاء الكرام
ضنكهم عن وصفه ضاق الكلام
فمتى عنهم ينجاب الظلام
وينالون الهنا بعد العنا
دور
عن قليل سنرى هذا الندا
مستجابا غير مترك سدى
وإذا الساري رأى النجم بدا
صاح يا قوم ابشروا الصبح دنا
الفصل السابع والعشرون
مناجاة لبنان
موشح على نغم «يا غزالي كيف عني أبعدوك؟»
لازمة
وطني ناجاك عن بعد بنوك
وعلى ذكراك داموا ما نسوك
دور
شوقهم باق على رغم البعاد
كل يوم في نمو وازدياد
وإذا ألفوك محتاجا لفاد
واستطاعوا عرضوا أن يفتدوك
دور
كلما هب نسيم عطر
ذكروا لبنانهم واستعبروا
1
وبهم هاج الجوى يستعر
كقتاد
2
لافح اللذع يشوك
دور
وطني لبنان يا شيخ الجبال
يا مليك الحسن يا رب الجمال
راق في وصفك لي نظم اللآل
ولها غر معانيك سلوك
دور
وطني ما أنت أرضا بل سما
جنة كوثرها يروي الظما
ولجرح القلب يغدو بلسما
ورداء البرء للمضنى يحوك
دور
جل من زانك بالوجه الجميل
والنسيم العطر البرد البليل
نفحة من طيبه تشفي العليل
وإلى استنشاقها تصبو الملوك
دور
وطني ماؤك شهد أو رحيق
وحصى واديك در أو عقيق
وإلى ناديك قد سدوا الطريق
وعلينا منعوا فيه السلوك
دور
كنت تزهو برياض وحقول
ممرعات في جبال وسهول
وعليها إذ سطت أيدي المغول
3
مثلوا
4
فيها وقفرا غادروك
دور
وطني مهما يطل هذا الفراق
فقريبا سوف يتلوه تلاق
ولفجر الحق في الشرق انبثاق
يتجلى ماحقا ليل الشكوك
الفصل الثامن والعشرون
زحف الجيش البريطاني من جنوب غزة إلى شمال القدس
في 6 مارس سنة 1917 هاجم البريطانيون الأتراك في جنوب فلسطين، فأكرهوهم على التقهقر من خط خان يونس والشلال إلى خط غزة وتل الشريعة، وفي 26 و27 منه دارت معركة شديدة في ضواحي غزة لم يظفر فيها الجيش المهاجم بطائل، وفي 17 و18 و19 إبريل نشبت معركة أخرى حول غزة أسفرت عن تقدم البريطانيين واستيلائهم على تل شمشون وهضاب جبل المنطار الجنوبية.
وفي أوائل شهر يونيو تعين الجنرال السر أدمند أللنبي
1
قائد الجيش البريطاني الأول في فرنسا خلفا للجنرال أرشيلدمري قائد الجيوش البريطانية في مصر وفلسطين.
وفي 31 أكتوبر سنة 1917 أصدر الجنرال أللنبي أمره للجيش البريطاني بالهجوم على ميسرة الأتراك بعدما أوهمهم أنه هاجم على ميمنتهم، فاستولى على بئر سبع، ثم عطف على غزة ففتحها عنوة في 7 نوفمبر، وشرع يطارد الأتراك المنهزمين شمالا، ويأسر رجالهم ويغنم أسلحتهم ومعداتهم. وفي 10 منه بلغت طلائع البريطانيين أشدود، وفي 13 منه استولوا على تقاطع سكة حديد بئر سبع وسكة يافا والقدس، وفي 15 منه احتلوا الرملة واللد، وبلغ مجموع الذين أسروهم تسعة آلاف، وفي 17 منه احتل فرسانهم يافا، وفي 9 سبتمبر سلمت القدس، وظهر يوم 11 منه دخلها الجنرال أللنبي رسميا ومعه قواد الفصائل الفرنسوية والإيطالية والملحقون العسكريون الفرنسوي والإيطالي والأميركي، وجميعهم مشاة على الأقدام.
وبلغ مجموع الذين أسرهم البريطانيون 12036، بينهم 562 ضابطا، ومجموع ما غنموه 99 مدفعا كبيرا، و110 مدافع سريعة، و7000 بندقية و
مليون خرطوشة، و58 ألف قنبلة، وغير ذلك من الذخائر والمعدات.
قم انظر تجد شارب الليل طر
2
فأدرك مما ابتغاه الوطر
وبز أخاه النهر المتوع
3
وكالليث صال عليه وكر
وبالطول باهي وتاه على الن
هار الذي بات يشكو القصر
وهذا يدلك أن الخريف
على الصيف شد الهجوم ففر
أجل حل ضيف الخريف الثقيل
فلم يبق للصيف إلا السفر
وكالصيف عصر الشباب الذي
يغيب إذا ما المشيب حضر
أجل جاء فصل الخريف وما
عليه يدلك مثل الشجر
ألست ترى شمل أوراقها
تشتت والعقد منها انتثر
وحفت بها وحشة لم تدع
لأنس خمائلها من أثر
وحدت على الصيف فاقدة
له فقد سار ضياء القمر
رأت في وجوه الطيور انقباضا
به كل حي سواها شعر
نذير بضنك الشتاء الذي
لنيرانه في الخريف شرر
طليعته ظلمة إن دجت
فللنور من أثر لا تذر
يمد يديه بها مدلج
تلمس أعمى شديد الحذر
ورعد يزمجر من حوله
وبرق يلي خاطفا للبصر
وودق يسح بأغزر ما
يقال له في الشتاء مطر
وللزمهرير المنيخ على ال
أضالع وخز كوخز الإبر
ومن ذا وذاك وذلك في
فلسطين شعب يقاسي الأمر
يهدده خطر الموت جوعا
وما من رغيف يذود الخطر
وشكواه من دائه حيث لا
دواء تفتت قلب الحجر
ويرهقه ظلم قوم غدوا
به مثلا سائرا في البشر
فلو جاء فصل الشتاء ولم
يمد إليه يديه القدر
لأردته هذي الرزايا وما
على أن يجوز مداها قدر •••
وقبل الشتاء هلال الرجاء
لهم من خلال القنوط ظهر
بدا خلف غزة مستعرضا
ودريئه
4
بئر سبع بهر
تألق في القفر يجلو الدجى
كما يفعل الفجر عند السحر
أضاء بنور بديع السنى
لألبابهم حين لاح سحر
تصدى الظلام لإخماده
فأعياه ما رامه فانتحر
أغار عليه الخميس الذي
له من مفاوز سينا دحر
جلا الترك عنها وجيش «مري»
تدفق في إثرهم وانهمر
فأغرقهم سيله ولهم
بطوفان فتك وبطش غمر
وفي بئر سبع وغزة ألقوا
عصا فرهم واستخاروا المقر
ولموا هنالك شعث الرجال ال
ألى ملك الموت عنهم عبر
وزادوا عليهم كتائب هبت
من الشام مسرعة بالسفر
وشادوا المتاريس من خلفها ال
خنادق موصولة بالحفر
وفيها أقاموا وهم مستعدو
ن أن يدفعوا الخطر المنتظر •••
ولكن هذا التحوط لم
يكن كافيا لقضاء الوطر
وهذي المعدات لم تجدهم
فتيلا ولا جبرت ما انكسر
ولم يستطيعوا توقي ضرب
عليهم كالصاعقات انحدر
رماهم «أللنبي» به فأصاب ال
محز وعز بنيل الظفر
من الغرب ناجزهم موهما
لهم أن غزة مرمى المكر
فخفوا بغزة يحمونها
وعن شرق غزة غضوا النظر
وكر «أللنبي» على بئر سبع
ومن حولها منطق
5
الحصر زر
ومن قبل أن ينجدوها رأوه
عليها لوا الانتصار نشر
وعن ساعد الجد والسعي في
مطاردة الهاربين حسر
وخف شمالا وغربا لكي
يبلغ غزة صدق الخبر
وطوقها بالأسود ومن
جميع الجهات عليها زأر
من البر شرقا طما وجنوبا
ببحر بموج الكماة هدر
وغربا من البحر كرت جوار
رواس كأن بها البحر بر
وحاكت على غزة النار منها
ومن ذلك الجيش نار سقر
ومقذوفها حول غزة دك ال
جبال وقلب الصخور فطر
شكا الترك من ضربها أي حر
ومن طعنات الجيوش أحر
ولما رأوا أنهم بعد هذا
بغزة ليس لهم من مقر
إلى الريح سيقانهم أطلقوا
وراموا سلامتهم بالمفر
وجيش «أللنبي» جرى خلفهم
فأردى وأثأى
6
بهم وأسر
وأمعن في فتحه منقذا
فلسطين من ظالميها التتر
7
ومنه لسكانها فيض أمن
شمالا وشرقا وغربا صدر
وفيه يده سيف بطش وفتك
على الخانة الغادرين شهر
إلى أن أتى القدس فاحتلها
ومن قبلها تخم يافا عبر
وباتت فلسطين آمنة
عدوا طغى وبغى وفجر
وعاد إليها الذين نفاهم «جمال» وواصلها من هجر
وفارق فيها الوجى قلب من
على جرع مر العذاب صبر
وعنها تقلص ظل الذين اس
تبدوا قرونا بها واندثر
وهذا أخف عقاب لمن
عتا وعصا الله فيما أمر
ولم يذكر نعمة الله بل
تعمد إنكارها وكفر
ويا ويل من لم يراع عهود ال
أمانة بل خانها وغدر
الفصل التاسع والعشرون
التحنان إلى لبنان
في هذه القصيدة يبدي الناظم - بالأصالة عن نفسه والنيابة عن كل لبناني متغرب - شوقه وحنينه إلى لبنان، ويصف ما حل بأهله في هذه الحرب من الرزايا، وما قاسوه على أيدي الأتراك من الظلم والإعنات والإرهاق والتعذيب والتجويع، وغير ذلك من الفظائع التي ابتلوهم بها، وتخرموا حياة عشرات الألوف منهم. على أن هذه الجرائم التي تقشعر لشدة هولها الأبدان لم ينحصر ارتكاب الأتراك لها في لبنان، بل تعداه إلى كثير من مدن سورية كبيروت وطرابلس وغيرهما من البلاد التي لم تكن حالتها أكثر احتمالا من حالة لبنان.
لبيك يا وطني دعوت سميعا
ولئن أمرت فقد أمرت مطيعا
هذا شعار بنيك فيك وكلهم
فحواه ينشر حيث حل مذيعا
كل على حدة يكرر قولهم
هذا وفيه يعملون جميعا
حاشى لهم وهم أبر بني الورى
أن يطمئنوا أن أبوهم ريعا
وأعيذهم أن يذكروك ولا أرى
فلذات أكبدهم تذوب نزوعا
1
ذكراك ملء شفاههم وقلوبهم
لا يفرغون لغيرها موضوعا
تبتز من جنب المناعم راحة
وتسل من جفون النئوم هجوعا
ذاكراك تقصينا عن الدنيا ولا
نبغي إليها في سواك رجوعا
ذكراك تذكي في الجوانح لوعة
وتشب ما بين الضلوع ولوعا
شوقا وتحنانا إليك كلاهما
يهتاج فينا بالأسى متبوعا
شوقا وتحنانا إلى شيخ به
نعنيك يا جبلا أشم منيعا •••
لبنان طودك صرح عز روقه
يزداد رغم مقاوميك متوعا
وبنوك أقمار الهدى أنى انتحت
يترقب الساري لهن طلوعا
وعلى الإقامة في أعز مراتع الد
نيا نفضل في حماك رتوعا
لبنان من لي أن أراك فيشتفي
قلب غدا بلظى النوى ملذوعا
لبنان تيمني هواك وسامني
في بعدك التبريح والتلويعا
أرضعته طفلا وإني لم أزل
فيه على رغم المشيب رضيعا
وأظل منك مدى حياتي عاشقا
حسنا تبارك من براه بديعا
حسنا أراه فيك مطبوعا وفي
ما دون وجهك زخرفا مصنوعا
وعلى الشعور به طبعت فقل لمن
لم يدره سل شاعرا مطبوعا
في غير لبنان الحياة ربيعها
يمضي بفصل خريفها مشفوعا
لكنها فيه شباب دائم
وفصولها أبدا تظل ربيعا •••
يا أيها الجبل الذي يرضي الردى
عزا ويأبى في الحياة خنوعا
2
أني أطل عليك يا لبنان من
جو التصور ناظرا وسميعا
فأرى وأسمع فيك ما أهواله
تلقي على الصخر الأصم صدوعا
أجد الشقاء على الديار مخيما
واليأس في عرصاتها مزروعا
والضنك يوهي الأقوياء فتفتك ال
أمراض فتكا بالضعاف ذريعا
والجوع خلف الداء مكمنه فمن
لم ترده الأدواء يقضي جوعا
وكلاهما قتلاه - يا أسفي على
قتلاه! - يعيي عدهم مجموعا
ذا بعض ما عيني تراه وكله
تلقاه أفظع ما تراه فظيعا
وأشد منه علي صوت وقعه
كالسهم بل منه أحد وقوعا
متصاعد من كل فج حامل
شكوى يرجعها الصدى ترجيعا
شكوى ألوف فيك موردها الردى
إن لم يغثها المنقذون سريعا
شكوى تعي الأنات والزفرات وال
حسرات والتعذيب والترويعا
أنات مرضى ينزعون ضنى ولا
يجدون طبا يبرئ الموجوعا
أنات من يتضورون ولا يرو
ن لحر ما يشكون منه نقوعا
3
وتنهدات الأمهات يزيدها ال
أيتام والمترملات شيوعا
يبكين أبناء وآباء وأز
واجا ويذرفن الدموع نجيعا •••
أما الزفير ففي حشاك يئز يا
شيخ الربى ويحز منك ضلوعا
حنقا على من ضايقوك فأحرجوا
بالظلم صدرا منك كان وسيعا
نكثوا العهود وقيدوك وما رعوا
بوثيقة استقلالك التوقيعا
وضعوك وهي خليقة الظلام أن
يضعوا الرفيع ويرفعوا الموضوعا
وعلى الخضوع لهم قسرت وكنت لا
تختار إلا للإله خضوعا
وعلى ربوعك والحقائق سلطوا ال
إزهاق والتدمير والتقليعا
والدور أخلوها وكن أواهلا
والروض أذووه وكان مريعا
4
وأتوا فظائع تقشعر لهولها الد
نيا ويضطرب الجماد هلوعا
أفبعد هذا كله يصفو لنا
عيش وقلبك مفعم تفجيعا
أم هل تلين لنا بمصر مضاجع
ونراك للنوب الشداد ضجيعا
كلا! وليس لنا الشراب بسائغ
أبدا ونأبى للطعام نجوعا
5
إلا إذا الظلمات عنك تقشعت
ووردت من بعد الأوام نقيعا
6
فينال حينئذ بنوك مرادهم
ويكفكفون من العيون دموعا
ويرون فيك لواء عزك مثلما
عهدوه قبلا خافقا مرفوعا
والله ندعو أن يكون لسؤلنا
هذا مجيبا للدعاء سميعا
الفصل الثلاثون
هجوم ألمانيا والنمسا على إيطاليا
لما هجم الجيش الروسي بقيادة الجنرال برسيلوف على شرق النمسا في صيف سنة 1916؛ اشتد ساعد الإيطاليين، فاستأنفوا هجومهم على النمسويين في أوائل شهر أغسطس من تلك السنة، وأخذوا يدفعونهم أمامهم ويستردون ما خسروه في هجوم النمسويين عليهم، وفي أوائل نوفمبر كسروا النمسويين في نجد الكارسو كسرة كبيرة، وبلغ مجموع الذين أسروهم منهم منذ أوائل أغسطس 40363، وفي 16 مايو سنة 1917 هجموا على النمسويين في الساحة اليوليانية، فاستولوا على مواقعهم فيها، واستأنفوا الهجوم في 24 و25 و26 منه، فاخترقوا خط العدو من كاستانيفنزا إلى البحر، وبلغ مجموع الذين أسروهم 23618. وفي 20 يوليو هجموا على نجد أسياغو، واستولوا على عدة مواقع حصينة، ثم هجموا في 20 أغسطس على ساحل الأيسونزو من مونتي نيرو إلى البحر على خط طوله 60 كيلومترا، وعبروا النهر واخترقوا صفوف النمسويين بين بلافا والبحر، واستولوا على جبل سنتو، وأسروا عشرين ألفا، وفي 27 منه تقدموا في نجد بنستزا بعد معركة هائلة، وفي 28 منه استولوا على جانب من جبل سان جبريال ثم احتلوه كله. وبلغ مجموع الذين أسروهم إلى 5 سبتمبر ثلاثين ألفا، وظلوا يتقدمون شرق غورتزيا إلى يوم 25 أكتوبر، حين هجم عليهم النمسويون والألمان هجوما عنيفا أكرهوهم فيه على الارتداد عن جميع المواقع التي احتلوها، وزادوا على ذلك أن تقهقروا داخل بلادهم عن عدة مدن وحصون إلى أن أنجدهم الفرنسويون والبريطانيون وشدوا أزرهم شدا مكنهم من الوقوف في وجوه مطارديهم، وقد نشأ هذا كله عن تخاذل جيشهم الثاني.
حتى متى هذي الوغى الفاجعة
مستلة أسيافها القاطعة
حتام لا تنفك نيرانها
مشبوبة ألسنها دالعة
هذي ثلاث من سنيها مضت
ونحن في حجتها
1
الرابعة
ولم تزل ألمانيا تحسب الد
نيا بمن فيها لها تابعة
كأنها في الأرض صارت هي ال
آمرة الناهية الوازعة
كأنها بالدم مفتونة
فهي إلى إهراقه نازعة
تحله ليست بهيابة
مغبة
2
فيه ولا جازعة
أبطرها أن غادرت روسيا
بنفسها جائدة
3
نازعة
وزادها الطاغي طموحا إلى
إيطاليا في فتحها طامعة
وعندما حانت لها ضربة
تخالها القاضية القاطعة
جرت عليها جيشها يعضد الن
مسا وشنت غارة رائعة
كرت لسفك الدم ظمأى ولل
إثخان في أعدائها جائعة
كرت وسامت جيش إيطاليا الث
اني ضربا ناره لاذعة
فاضطر أن يرتد عن موقع
ضاقت عليه أرضه الواسعة
وأكرهت باقي الجيوش على الن
كوص معه فانثنت راجعة
وغادرت ما دوخته من الن
مسا لمر القهقرى جارعة
واستحوذ الذعر على جمعها
فاضطربت أفراده هالعة
وشد غازوها الهجوم على
ساقاتها الذائدة الدافعة
فلم يسعها صد تيارهم
فأدبرت ناكصة هارعة
ونكست أعلام نصر على
أعدائها كانت لها رافعة
وأصبحت مصفوعة من لدن
قوم لهم كانت هي الصافعة •••
فيا لها من نكبة كالقضا ان
قضت على إيطاليا واقعة
من هولها اهتزت أساساتها
وكاد يعيي خطبها راقعه
وأوشكت أن تتفشى بها
سموم فوضى روسيا الناقعة
لولا ثبات شد بنيانها
من كل شهم حازم باقعة
4
ونجدة فارجة كربها
جادت بها أحلافها سارعة
حليفتاها شدتا أزرها
بقوة زاجرة رادعة
كلتاهما مدت إليه يدا
راغت على أعدائها ماصعة
5
جيشان جيش من فرنسا انبرى
بعزمة قلب الصفا صادعه
وترا وجيش من بريطانيا ال
عظمى جرى في أثره شافعه
كلاهما كانا لإيطاليا
دريئة
6
عاصمة مانعة
فيها توقت كيد ألمانيا
لها وردت شرها قامعة
وهكذا ظلت لمن عاهدت
حليفة مفيدة نافعة
الفصل الحادي والثلاثون
مصر والمصريون
مقدمة
خير ما يحسن انطلاق لساني
حمد ربي المهيمن المنان
وابتهالي له بحفظ «فؤاد»
وبتأييد عرشه السلطاني «أحمد» الأول الذي ما له في ال
فضل والنيل والندى من ثان
والتغني بمصر إذ إن مصرا
لعروس الأمصار والبلدان
مصر أم الدنيا
مصر أم الدنيا كما لقبوها
ليس في الكون مثلها من مكان
سبكتها يد الطبيعة منذ ال
بدء سبكا في قالب الإتقان
وكستها يد المحاسن ثوبا
ليس يبلي جديده الملوان
وإذا الأرض كان فيها جنان
فاعلموا أن مصر أبهى الجنان
جنة فيها من فواكه رما
ن ونخل وغيرها زوجان
كل هذي قطوفها يانعات
وجنى الجنتين من مصر دان
وهي أم الأهرام أقدم ما في ال
أرض شادته باقيا يد بان
من بنوها فنوا ليصدق فيهم
قوله: «كل من عليها فان»
وصف جوها
مصر أم الدنيا كما لقبوها
ليس في الكون مثلها من مكان
أي جو كجوها متحل
بصفاء الأديم واللمعان
صفوه يشرح الصدور وينفي ال
غم عن مقلة الشجي العاني
تتملى منه النسيم عليلا
وكفيلا بصحة الأبدان
وله في نفوسنا في ليالي الص
يف ما بالنهى لبنت الحان
فيه عن ثغرها الغزالة تفتر
عزاء لمهجة الأسوان
ويليها ليلا أخوها سميرا
لفؤاد المسهد الولهان
وإذا غاب فالسماء تجلى
بالدراري كالروض في نيسان
قاشعات عنها الدجى واشيات
وجنتيها بأبدع الألوان
وصف واديها
مصر أم الدنيا كما لقبوها
ليس في الخصب مثلها من مكان
أي واد تحت السماء كوادي
ها النضير الوفر الجني الريان
تربه التبر بل من التبر أغلى
وحصاه أنقى من المرجان
كان مستودع الغنى وهو باق
مثلما كان من قديم الزمان
ومجانيه وهي تجتاز حد ال
حصر معدودة ألذ المجاني
ونراه في الصيف والقطن فيه
أبيض الزهر فوق أخضر حان
كبساط من الزمرد مجمو
عا عليه منثور حب جمان
هو سر الإثراء في مصر لكن
ليس فيه داع إلى الكتمان
وصف نيلها
مصر أم الدنيا كما لقبوها
ليس في الخصب مثلها من مكان
حسبها نيلها المبارك يحكي
جريه النيرين في الحسبان
ذلك النيل وهو والد مصر
حافظ بر أمه السودان
كان معبود الأقدمين ولا ين
فك معشوق أهل هذا الأوان
أي شيء في النيل غير شهي
ليس يدعو للعشق والافتتان
كل ما فيه يعشق العقل معنا
ه وتهوى جماله العينان
فإذا شح فهو ذوب لجين
وإذا فاض فهو من عقيان
وهو في الحالتين حاجاتنا كا
ف وشاف لغلة الظمآن
وكفاه وفاؤه فهو فيه
مثل دائر بكل لسان
كل عام يهدي إلى مصر أغلى
ما لديه بصورة الفيضان
ذاك وعد عدانه الصيف والني
ل ضمين الوفاء في العدان
كلما أضرم الهجير لظاه
لافحا للنبات والحيوان
أخمد النيل ناره بمفيض
غامر للبقاع والغيطان
وحباها بعد الأوام ارتواء
وجلاها في حلة العمران
وسقاها ما دونه كوثر الكر
خ وصهبا معرة النعمان
وصف الأمن ورغد العيش فيها
مصر أم الدنيا كما لقبوها
ليس في الأمن مثلها من مكان
أي قطر كقطر مصر صفاء ال
عيش والرغد فيه مضمونان
كل من فيها في نعيم مقيم
وهناء موطد الأركان
كل من فيها طيب النفس مستذ
ر
1
بحصني حرية وأمان
يتفيا ما شاء دوح سلام
وارف الظل باسق الأغصان
إنها مربع الرخاء ومجلى ال
بشر والأنس مغنى الاطمئنان
ومراح المعيي المعنى ومنجا
ة المضيم المروع اللهفان
وهي ليست حديثة العهد في إح
راز هذا الفضل العظيم الشان
من قديم الزمان جلت وحازت
قصب السبق في قرى الضيفان
اذكروا إبراهيم لما أتاها
جاليا عن حماه في كنعان
فأجارته ثم أولته إكرا
ما جديرا بأكرم الضيفان
وتلاه أعقابه قوم موسى
إذ لهم طاب المكث في جاسان
وأصابوا من ساكني مصر أنسا
نافيا عنهم وحشة الهجران
ثم عادوا منها وظلوا إليها
في أشد النزوع والتوقان
هجرة المسيح والسوريين إليها
واذكروا هجرة المسيح صبيا
هاربا من مقتل الصبيان
2
يوم وافي جبريل مريم ليلا
مرسلا من مدبر الأكوان
قائلا قومي غادري بيت لحم
واحذري بالصبي غب
3
التواني
حملته العذراء والنفس منها
في اضطراب والقلب في خفقان
وانبرت تقطع القفار به وال
جوع والخوف والعناء تعاني
واصلت بابنها المسير وعنه
ما ثناها في ذلك التيه ثان
وعليها من السماء مدلا
ة حواشي عناية الرحمن
وعلى مصر أقبلت واستضافت
ها فحلت منها سويدا الجنان
وأقامت حتى دعاها ملاك الر
ب فاستقبلته بالإذعان
ورأت أن روح هيرودس السفا
ح صارت في قبضة الشيطان
وعلى أثرها كثير أتوا مص
ر من الشام بغية استيطان
وإليها نرى من الشام حتى ال
يوم تزجى أيانق الركبان
هجرة السلام إليها
وانظروا هجرة السلام إليها ال
آن لما نبا به الخافقان
هجر الأرض كلها هاربا من
وجه حرب مشبوبة النيران
لم يجد ملجأ له غير مصر
وإلى مصر جد في الإتيان
وبها حل حيث لم ير فيها
أثرا للحرب الزبون العوان
ومحل السلام أضحى لمصر
لقبا أو يضاف كالعنوان
إننا منه في هناء وأهل ال
أرض من هول الحرب في أحزان
غير أنا لهم مؤاسون فيما
هم يقاسون من سعير الطعان
هل يسوغ الهنا لنا وحلوق الن
اس طرا في غصة الأشجان
لا ولا نطمئن إلا إذا ما ال
حرب لفت كالميت في الأكفان
هي حرب ثارت فعمت رزايا
ها وليست تنفك في ثوران
وطغى شرها فغشى البرايا
وهو باق يشتد في الطغيان
فأذابت من الحديد قلوبا
وأشابت مفارق الولدان
وألوف الألوف أردت وهم يا
لهف قلبي من نخبة الشبان!
وأحلت دماءهم فجرت في ال
أرض هدرا تسيل كالطوفان
وصف سجايا أهلها
مصر أم الدنيا كما لقبوها
ليس في الحسن مثلها من مكان
وبنوها هم منشأ الحسن فيها
وجمال المكان بالسكان
فالسماء الحسناء أعطل ما في ال
كون لو لم يحلها القمران
هكذا مصر إن أحسن ما في
ها بنوها أولو السجايا الحسان
وسجاياهم كلها ساحرات
وبياني لها بديع المعاني
انظروا لطفهم فهل من مبار
لهم في ميدانه أو مدان
وامتياز المصري باللطف أمر
ليس في حاجة إلى برهان
وهو ذيالك المشار إليه
أنه ألطف الورى بالبنان
ولقد قال للصبا حين رامت
أن تحداه لست من أقراني
إن تحدثه تلفه لك يلقي
سمعه بالرضى والاستحسان
وإذا ما انتهى الحديث إليه
صاغ منه الشنوف للآذان
وأتاه مستعذبا مستطابا
غاية في الإبداع والإتقان
لفظه معدن الرشاقة والر
قة أما المعنى فسحر البيان
وهو فيه حلو الفكاهة والجد
لعوب كالراح بالأذهان
وكأن الألفاظ من فيه لحن
أوقعته الأيدي على العيدان
وإذا ما اصطفيته لك خلا
كان أوفى وأصدق الخلان
يحفظ الغيب يخلص الود يرعى ال
عهد يغضي عن زلة الأخدان
وله بالغريب رفق يفوق ال
وصف عنه تحدث المشرقان
يتلقاه إذ يراه بلقب
وامق عاطف عليه وحان
وبه يحتفي احتفاء صديق
بتلاقي صديقه جذلان
شكر السوريين لمصر والمصريين
ذلكم بعض ما لأبناء مصر
من مزايا التفوق الإنساني
وبيان الباقي الكثير أراه
فوق طوقي وليس في إمكاني
فافخري يا مصر العزيزة واسمي
ببنيك الأماجد الأعيان
واقبلي من أبناء أختك شكرا
لك نهدي جميله كل آن
فضلك الجم يا خويلة إنا
ذاكروه بألسن الشكران
كل سوري في ربوعك إذ ما
تسأليه يجب بأجلى بيان
مصر عندي عزيزة كبلادي
وبنو مصر كلهم إخواني
وثنائي عليك فرضي ونفلي
وحنيني إليك من إيماني
الخاتمة
إن عرفاننا جميل بني مص
ر الأعزاء أجمل العرفان
وإلينا إحسانهم بالتصافي
والمؤاخاة أعظم الإحسان
ذكره خالد وفضل كهذا
ما عليه خوف من النسيان
الفصل الثاني والثلاثون
الهجوم الألماني الأخير في فرنسا
بعدما عقدت ألمانيا الصلح مع حكومة لنين في روسيا، واسترجعت معظم جيوشها منها، وغنمت ما تخلى عنه الروس من المدافع والذخائر التي كان الحلفاء قد أمدوهم بها، وأكملت استعدادها للهجوم في فرنسا؛ شرعت فيه صباح يوم 21 مارس سنة 1918 على كل الخط بين نهر سكارب ونهر الواز، وباشرته بخمسين فرقة وراءها 25 فرقة احتياطية، ومعها ألوف من المدافع الألمانية والبطاريات النمسوية الضخمة البعيدة المرمى، فضلا عن عشرات الألوف من المدافع السريعة؛ حتى إنهم نصبوا مدفعا في كل 15 يردا في شقة طولها عشرة آلاف يرد، ما عدا هواوين الخنادق، وفي أثناء هذا الهجوم أخذت مدافعهم الكبيرة تطلق على مؤخرة البريطانيين، وعلى 28 ميلا من خطوطهم، وشرعوا يطلقون القنابل على باريس من مدفع بعيد المرمى على مسافة نحو 70 ميلا. وفي هجومهم هذا لم يبالوا بالخسارة الهائلة التي كانوا يكابدونها، ولا حسبوا أقل حساب لحياة الألوف التي كانت نيران الحلفاء تتلقفها كل يوم، بل وضعوا نصب عيونهم اختراق خطوط المدافعين والوصول إلى باريس بأية خسارة كانت قبلما تتمكن أميركا من إرسال جيش كبير ترجح به كفة الحلفاء عليهم.
وما أبطئوا أن عبروا نهر السوم، وأكرهوا الحلفاء أن يتقهقروا أمامهم ويتخلوا لهم عن كثير من المدن والحصون.
وفي 31 مارس وافقت الحكومات البريطانية والفرنسوية والأميركية على تعيين المرشال فوش قائدا عاما لجيوش الحلفاء.
وظل الألمان يجددون هجومهم بعد فترات قصيرة، ويتقدمون جنوبا وغربا، وجيوش الحلفاء يخلون المواقع بعدما يتقاضون عنها أغلى ثمن من دماء الرجال ومهج الأبطال. ودامت الحال جارية على هذا المنوال، والمرشال فوش باق على ما عهد به من رباطة الجأش وثبات الجنان وصدق العزيمة، يكر بجيوشه المدافعة ويثخن في المهاجمين، ثم ينثني متراجعا موهما أعداءه أن احتياطيه فرغ أو كاد، وأن عزيمة جيوشه على الدفاع صائرة إلى النفاد، ومما يروى عن ثبات عزمه وبعد نظره وشدة ثقته بصحة تدابيره، أنه لما دنا الألمان من أميان، وخيف عليها من السقوط في أيديهم، قال: «إن إميان في ضماني.» وهكذا كان؛ لأنها ظلت في أمان، ولم تطأها رجل أحد من الألمان.
وفي 15 يوليو هجم الألمان هجومهم الخامس بستين فرقة على مدى خمسة وخمسين ميلا، بين ريمس وشاتوتياري، فتقدموا جنوب ريمس الغربي ، وعبروا نهر المارن، واستولوا على عدة قرى في جنوبه، فوجفت القلوب واضطربت النفوس، واشتد خوف الناس على باريس، ولكن ذلك كان خاتمة التقدم ونهاية الهجوم، ولم ينل الألمان منه سوى امتلاك بقاع دفعوا عن كل شبر منها أغلى الأثمان، وتحملوا في سبيلها خسارة تقشعر لها الأبدان، ثم اضطروا أن يجلوا عنها وهم يتعثرون بذيول الخيبة والخسران.
قم يراعي قم أطعني واكتب
ما عليك الآن يمليه فمي
دور
سر على القرطاس وارقم باهتمام
وتأن وانتباه وحذر
فلساني مستعد للكلام
ويدي تجري ولا تشكو الخدر
وإذ ما وسع القول المقام
وأطلت الشرح لا تبد الضجر
واحتمل بالصبر عبء التعب
وألن بالعزم جنب السأم
دور
صر فوق الطرس وازمر في يدي
كحسام صل في كفي بطل
كلما زدتك إرهاقا زد
همة لا يعتريها من ملل
وعلى الصعب استعن بالجلد
وعلى اليأس تغلب بالأمل
من حديد أنت لا من قصب
فعلام خائف من ثلم
دور
وصف هذي الحرب أعيا البلغا
وسبت أهوالها منا النهى
لا يرى الواصف في أغنى اللغى
ما يفي بالوصف طبق المشتهى
فإلى الآن نرى شر الوغى
مستجدا كلما قلنا انتهى
قل من منا بها لم ينكب
وبحامي جمرها لم يوسم
دور
نارها الألمان عمدا أضرموا
واستطابوا لذعها واستعذبوا
وعلى خوض لظاها أرغموا
حلفا سفك الدماء اجتنبوا
وأخيرا حين هيجوا أقدموا
كأسود تندري
1
إذ تغضب
فعرى الدنيا قتام
2
النوب
والشقاء احتف كل الأمم
دور
كاد يمضي من سنيها أربع
ولظاها لم يزل يتقد
والألى في النصر كانوا قطعوا
شعروا بالشك فيما اعتقدوا
عند ما الروس رداها خلعوا
ومع الألمان صلحا عقدوا
وبه الأعداء جل الأرب
أدركوا والروس شر النقم
دور
وعن النمسا وعن ألمانيا
خف ضغط الخوف وانزاح الخطر
وغرورا زعمت بلغاريا
أنها بالغة منها الوطر
وغدا التركي معها شاديا
لأغاني التهاني بالظفر
كلهم يرشف راح الطرب
وهو عما في غد آت عم
دور
وانقضى الثلثان من شهر أذار
وعلا من جوف باقيه الأنين
وجميع الناس باتوا في انتظار
ما لهم من غامض الغيب يبين
وإذا الألمان قد ماطوا الستار
في فرنسا حيث كروا هاجمين
عللوا النفس بقطف العنب
قبلما يبلغ طور الحصرم
دور
تخذوا أهبتهم قبل الهجوم
وأتموا السعي في هذا الصدد
وابتغاء الفوز بالنصر المروم
قذفوا بالجند واستاقوا العدد
واستردوا ما لهم عبر التخوم
في بلاد الروس من باقي المدد
وإذ اغتروا ببرق خلب
بشروا الأرض بسح الديم
دور
وعلى الجيش البريطاني ما
عتم التيار منهم أن دفق
وتلظى حوله واضطرما
مارج لو مسه البحر احترق
لم يرعهم ما اقتضاه من دما
فرق ضحوا بها تلو فرق
واستلانوا كل خشن المركب
رغبة في فوزهم بالمغنم
دور
لم يبالوا بالضحايا الهائلة
طمعا في فتح حصن أو بلد
أملوا أن مناهم حاصلة
وبهذا الأمل اشتد الجلد
لكن الآمال خابت فائلة
زندها لم يور والسهم صرد
وإذا سهم المنى لم يصب
طاش مرتدا إلى حيث رمي
دور
غرهم في البدء إحراز النجاح
عند ما خط الدفاع اخترقوا
فتظنوا أن فجر النصر لاح
وضحاه
3
عن قريب تشرق
فتمادوا في اجتياح واكتساح
وبتقديم الضحايا أغرقوا
واستهانوا كل صعب المطلب
واستخفوا بأشد الإزم
دور
وهجوم شب عن أن يوصفا
واصلوا ومداه وسعوا
وبعزم فالق قلب الصفا
عنوة بعض الصياصي انتزعوا
فوزهم أبطرهم والحلفا
أوهموهم ضعفهم فانخدعوا
وإلى لج الردى المضطرب
بسراياهم رموا عن أمم
دور
عبروا الأنهر واجتازوا القني
4
دوخوا الآطام واحتلوا الحصون
وطئوا هام القرى والمدن
وفروا
5
عرض الفيافي والحزون
جرعوا الأهلين صاب المحن
وابتلوهم بلظى ذل وهون
عذبوا الأسرى ومن معهم سبي
وأذاقوهم أمر الألم
دور
كل ذا والحلفا لم يرهبوا
واستعدوا لاحتمال الشدة
واطمأنوا حين «فوش» انتخبوا
لاتقا الغازين أقوى عدة
قال عن «أميان» لما اقتربوا
من حماها إنها في عهدتي
6
فعددنا قوله وحي نبي
عالم في الغيب ما لم يعلم
دور
بطل لله هذا البطل!
ما له في مجمع الأبطال ثان
وملايين الجنود امتثلوا
وأطاعوا أمره طوع البنان
وإليه الحلفا إذ وكلوا
أمرهم صح الخطا والصعب هان
وله قالوا جميعا رتب
خطط الهيجاء فينا وارسم
دور
رب حذق ودهاء حيرا
كل أرباب الذكاء والرشد
لم نجد أبعد منه نظرا
لا ولا أبرع في حل العقد
أوهم الألمان لما القهقرى
عاد أن الاحتياطي نفد
وعلى جيش العدو اللجب
ليس يقوى ولذا لم يهجم
دور
وعلى هذا الطريق الأمثل
سار في خطته لا ينثني
كل شبر كان عنه ينجلي
يتقاضى عنه أغلى ثمن
يتلقى خصمه بالحيل
وبتدبير المكر المطعن
7
يتولى رميه عن كثب
ثم يلوي عنه كالمنهزم
دور
وقضى عشرين يوما ومائة
وهو مستن على هذا النمط
جاعلا نهك الأعادي توطئة
لهجوم مثله لم يرو قط
وإذ استوفى شروط التهيئة
وعلى خاطره الله ربط
8
أوقع الأعدا بأسوا منشب
وافتجاهم كالقضاء المبرم
دور
كان هذا عندما اشتد الوجل
وعلى باريس قد زاد الخطر
وإلى أرباضها
9
الغازي وصل
أو تدنى بعدما «المارن» عبر
فانبرى الحامي لإحياء الأمل
ولقشع اليأس من جو الفكر
وعلى الألمان بيض القضب
سل يغشاهم كسيل عرم
الفصل الثالث والثلاثون
فتح سورية
في 18 سبتمبر سنة 1918 هجم جيش الجنرال أللنبي - المؤلف من هنود وإنكليز وسكوتلنديين وفرنسويين - على الأتراك في شمال فلسطين الغربي، فاستولى على خط دفاعهم الأول والثاني، واحتل عدة قرى، وفي العشرين منه زحف الهاجمون شرقا، وتقدموا شمالا، فبلغوا العفولة فنابلس فالسامرة فمسعودية، واحتلت فرسانهم بيسان وجنين، وأسروا في ثلاثة أيام أكثر من ثمانية عشر ألفا، وفي 22 منه كانوا قد تمكنوا من تمزيق شمل الجيشين العثمانيين السابع والثامن، وأسروا أكثر من 25 ألفا وغنموا 260 مدفعا، وفي 23 منه احتلوا حيفا وعكا والناصرة، واستولى النيوزيلنديون على السلط.
وكان الجيش العربي المرابط في العقبة قد زحف بقيادة الأمير فيصل على ميمنة البريطانيين، فاحتل معان، وفي 25 منه احتل البريطانيون الصويلح، والعرب جردون، والأستراليون طبرية وسمخ والسمرا، والنيوزيلنديون والأستراليون عمان، وفي 28 منه عبر الأستراليون جسر بنات يعقوب، وبلغوا القنيطرة بعد الظهر، واحتل الجيش العربي درعا حيث اتصل بالجيش البريطاني وأسر 1500، وأصبح مجموع الأسرى خمسين ألفا والمدافع 325.
وفي صباح أول أكتوبر سلمت دمشق وأسر الحلفاء فيها وفي ضواحيها أكثر من ثمانية آلاف، وفي 4 منه احتلوا مدينة صور، وفي 6 منه مدينة صيداء ورياق وزحلة، وفي 7 منه دخلت الفرقة الفرنسوية البحرية مدينة بيروت، ووصل إليها الجنود الزاحفون من صيداء، وفي 13 منه احتلوا طرابلس، وفي 15 منه حمص، وفي 20 منه حماة، وفي 26 حلب الشهباء.
وهكذا تم فتح سوريا كلها في نحو ستة أسابيع، وبلغت المسافة التي قطعها فرسان الحلفاء في هذه المدة القصيرة أكثر من أربعمائة ميل، والأسرى الذين أسروهم نحو تسعين ألفا.
وكان للجيشين العربيين بقيادة الأميرين فيصل وزيد شأن يذكر في هذا الفتح؛ فإنهما واصلا الغارات على سكة الحديد الحجازية، وقطعا مواصلاتها غير مرة بنسف جسورها وتدمير محطاتها واقتلاع قضبانها، وفتكا بحامياتها، واستهدفا لكثير من المخاطر الشديدة، وفي الهجوم الأخير زحفا من درعا ومعان، وانضما إلى جيوش الحلفاء، كما تقدم الكلام وشاركاها في فتح بقية المدن الشمالية الشرقية.
كرروا البشرى مرة بعد مرة
بين كل الورى بأفصح نبرة
كرروها على المسامع كي ما
يتوقى ببردها القلب حره
وأذيعوا في الخافقين صداها
يذرع البر ثم يجتاز بحره
وانثروا زهرها على الروض حتى
يتحلى به وينظم زهره
وانفحوا الورد طيبها واجعلوه
ينتشي
1
نفحه وينشق عطره
وأفيضوا ضياءها وانشروه
وأرونا في كل أفق بدره •••
تلك بشرى بالنفس تشرى وتسوى
لذتي باستماعها ألف بدره
يقرأ المرء آيها فيلاشي
متنها كربه ويشرح صدره
إنها في جيد البشائر عقد
بل أراها في العقد أنفس درة
إنها للنفوس طيب وللآ
ذان شنف وللنواظر قرة
وجبين الآمال أصبح منها
زاهرا مشرقا بأيمن غرة
يتملى السوري منها سرورا
إن يكتمه فهي تفشي سره
ليس يقوى على بيان ابتهاج
عم منها ولو قضى فيه عمره •••
تلك بشرى الإنقاذ من ظلم قوم
جرعوا الشرق من أذاهم أمره
حكموا فيه كل عبد زنيم
كان يمضي بالسادة الغر أمره
ويسوم العزيز ذلا ويمني ال
حر بالضيم وهو يصليه جمره
تلك بشرى إطلاقه بعدما ظل
قرونا يبكي ويشكو أسره
كل يوم على بنيه الألى جو
را وظلما غيلوا له ألف حسرة
كم شهيد شنقا قضى وفقيد
مات سجنا أو ذاق في النفي خسره
2
وغني فيه قضى الخسف
3
لا يل
قى لدفع الطوى
4
من الخبز كسرة •••
جاءه الغوث من لدنه تعالى
مبدلا بالرخاء واليسر عسره
وبجيش التحرير جيش «أللنبي»
خص تأييده وآتاه نصره
من فلسطين يوم كر اعترى الأل
مان ذعر وأكبر الترك كره
بمغاوير كلهم يخطف البر
ق سناه ويسبق المرء فكره
5
والغشوم المهتاض
6
إذ هزموه
قوضوا عشه وهدوا وكره
أسروا منه نحو تسعين ألفا
وأذاقوه صاب أشأم كسرة •••
سنحت ثم فرصة لبني العر
ب فسدوا في الحرب أية ثغرة
قادهم ذلك الأمير ابن أسمى
والد بل سليل أشرف أسرة
شاهرا بيمينه لسماه
7 «فيصل» وكفاه صيتا وشهرة
هب لما الأتراك جهلا أباه
أغضبوه واستنفدوا منه صبره
ومن الحمق أن تروم اقتحام ال
غار جهرا ولا تباري هزبره
وشمالا مما جنوب معان
سار شرق الأردن يحمي عبره
زاحفا عن يمين جيش «أللنبي»
وهو يقفو في الفتح والضم إثره •••
وكلا الجحفلين أوغل يفري
سهل ذاك القفر السحيق ووعره
والعدو المذعور يهرب منهم
جاعلا عذره عن الفر ذعره
وبشهر ونصف شهر رأينا
هم أتموا كسر العدو وقهره
والقرى والضياع والمدن والسك
ان طرا وقاهم الله غدره
وبمن الباري وفضل «أللنبي»
لسنهم في اعترافها مستمرة
ذلك القائد الذي سوف يحيي
شرقنا ذكره ويعلي قدره
وفلسطين مع شقيقتها الشا
م عليه تثني وتعلن شكره
وإلى الأحلاف الأماجد تطوي
مدحها والنسيم يسرق نشره
أنقذوها من ظالم هي كانت
أمة عنده فصارت حرة
ظالم شره بها كاد يودي
فكفاها محرورها منه شره
خلصوها منه وردوا إليه
كيده فانثنى مصيبا نحره
وأعادت وساكنوها مرارا
ما تغنت به الملائك مرة «في الأعالي لله حمد وفي الأر
ض سلام وفي الأنام مسرة»
تاريخ
تحرير سورية على يد «أللنبي»
في الشرق رن إلى أقاصي المغرب
فتح تغنته ملائكة السما
وتنصتت لصداه أذن الكوكب
فتح يطاول أكبر النصرات في ال
هيجا ويزحم مجدها بالمنكب
فالقدس تمليه على ما حولها
ودمشق ترقمه بحرف مذهب
ويشعه لبنان في أرجائه
نورا يلاشي منه أثر الغيهب
وتذيعه دار الصفاء
8
بشارة
تجري لها الشهباء
9
أفخم موكب •••
بشراك سورية العزيزة فافرحي
وتهللي بخلاص شعبك واطربي
فالله سؤلك قد أجاب فبالغي
ما شئت في حمد الإله وأطنبي
فلقد أنالك ما طلبت وإنه
من كل وجه كان أصعب مطلب
وعلى الألى نجوك آيات الثنا
صوغي وعن قدر الصنيعة أعربي
إني لمنقذك العظيم لشاكر
وبنصره هذا لأكبر معجب
ولقارئي شعري المؤرخ واصف
تحرير سورية على يد «أللنبي»
1918
الفصل الرابع والثلاثون
هجوم الحلفاء الأخير في البلقان
وتسليم بلغاريا وتركيا والنمسا
في أوائل شهر أكتوبر سنة 1915 نزل جيش فرنسوي وبريطاني في سلانيك، وزحف شمالا للاتصال بالجيش السربي ومساعدته على رد غارة الجيوش البلغارية والنمسوية والألمانية والتركية التي تألبت عليه، ولكنه إذ لم يتمكن من ذلك عاد أدراجه إلى سلانيك، حيث انضمت إليه نجدات إيطالية وروسية، وأخذ يعنى بنقل فلول الجيش السربي من كورفو إلى سلانيك، ويجد في إعادة تنظيمه وتسليحه وإعداده إلى حين الحاجة، وما لبث أن تقدم شمالا واستولى على موناستير وما حولها.
وكانت حكومة اليونان قد وعدت الحلفاء بلسان كبير وزرائها فنزيلوس أن تشد أزرهم في الغارة على غاليبولي، فعارض ملكها قسطنطين في ذلك واضطر وزيره إلى الاستعفاء، ثم مثل هذه الرواية عينها يوم دخول بلغاريا في الحرب مع ألمانيا، فخذل حليفته السرب ونكث بعهد حكومته لها، واضطر فنزيلوس إلى استقالة منصبه مرة ثانية. وفي 26 سبتمبر سنة 1916 غادر فنزيلوس أثينا ومعه بعض كبار القواد والضباط والأعوان إلى كريت وغيرها من الجزر اليونانية. ومن ذلك الحين تألفت لجنة الدفاع الوطني، وجاهرت بانفصالها عن حكومة الملك في أثينا، وأخذت هذه النهضة تمتد في الجزر وسلانيك، حيث ألقى فنزيلوس وأعوانه عصا ترحالهم، ثم امتدت إلى الأسطول، وانحازت بعض بوارجه إلى أسطول الحلفاء، وأخذ جيش الدفاع الوطني في سلانيك ينمو ويزيد.
وكانت حكومة أثينا في هذا الوقت لاهية بتغيير الوزارات، وهي بين يدي الملك كريشة في مهب الريح طائرة.
وفي 12 أكتوبر سلمت إلى الحلفاء - بناء على بلاغ أمير البحر درتيج فورنيه - معظم بوارج أسطولها، وأجابت بعض المطاليب الأخرى، واعترفت دول الحلفاء بالحكومة اليونانية المؤقتة التي أنشأها فنزيلوس في سلانيك، وعزز الحلفاء الحاميات البحرية التي أنزلوها في بيريه وأثينا، وتدرجوا في التشديد على الملك قسطنطين، ثم طلبوا في 22 نوفمبر إخراج معتمدي ألمانيا وحليفاتها وتسليم عدد كبير من المدافع والبندقيات والقنابل وغيرها من المعدات الحربية.
وفي أول ديسمبر نزلت فصائل من جنود الحلفاء إلى أثينا فانقض عليها الجنود، وجرت معركة بين الفريقين، قتل وجرح فيها من جنود الحلفاء نحوم مائتين، واسترجع الأميرال فورنيه الفصائل التي نزلت، واشتد اضطهاد حزب الملك في أثينا لأنصار فنزيلوس. وفي 12 منه أعلن الحلفاء حصر بلاد اليونان، وأرسلوا بلاغا نهائيا إلى حكومتها طالبين إخراج جيشها من تساليا، ونقل جانب منه إلى المورة، وتسليمهم إدارة سكة الحديد والتلغراف والبريد؛ فأجابت طلبهم.
وفي 11 يونيو سنة 1917 تعين المسيو جونار مندوبا ساميا لدول الحلفاء في بلاد اليونان، فأبلغ حكومتها وجوب تنازل الملك قسطنطين لمن شاء من بنيه ما عدا ولي العهد، فتنازل لابنه الثاني الأمير إسكندر، وبرح أثينا في 15 منه إلى سويسرة؛ فرفع الحصار البحري، واستؤنفت الملاحة، وعادت الأمور إلى مجاريها. وفي 28 منه ألف فنزيلوس الوزارة وتقلد رآستها ووزارة الحربية، وفي 29 منه قطعت اليونان علاقاتها مع ألمانيا وحلفائها، واستدعت مندوبيها من عواصم بلدانهم، وفي 10 يوليو رجع المسيو جونار إلى فرنسا.
كان جيش الحلفاء في البلقان قد استوفى حاجته من العدد والعدد، وانضم إليه جانب من الجيش اليوناني، وأسندت قيادته العليا إلى الجنرال فرنشه دسبري خلف الجنرال سرايل، فشرع في هجومه الأخير يوم 18 سبتمبر - أي يوم شروع الجنرال أللنبي في تحرير سورية - وأخذ يدفع أمامه صفوف البلغاريين والنمسويين والألمانيين شمالا وشرقا وغربا، واسترد مكدونية الشرقية ومعظم بلاد السرب، واجتازت طلائع الحلفاء حدود بلغاريا، وحينئذ لم تر حكومتها بدا من التسليم، فألقت سلاحها وسلمت بلا شرط ولا قيد، وأمضيت الهدنة معها في 30 سبتمبر، وحذت تركيا حذوها فسلمت تسليمها، وأمضيت معها الهدنة في 31 أكتوبر.
ثم واصل الجيش الفاتح تقدمه شمالا وغربا، وهو يطارد فرق النمسويين والألمانيين ويمزق شملها، وقد قطعت طلائع السربيين مائة وستين كيلومترا في 8 أيام ، وفي 3 نوفمبر دخل الجيش السربي بلغراد.
وفي 14 أكتوبر استأنف الإيطاليون هجومهم بمؤازرة الفرنسويين والبريطانيين، وأخذوا يكرون على النمسويين ويجلونهم عن الحصون والمواقع، فأخرجوهم من إيطاليا واقتفوا آثارهم في أرض النمسا، واحتلوا تريستا وترنت وأوديني وغيرها، وأسروا منهم نحو أربعمائة ألف أسير، وغنموا نحو ستة آلاف مدفع ميدان.
وحينئذ رأت حكومة النمسا أن بناء إمبراطوريتها الضخم يتداعى وينهار، وعقد اتحاد ولاياتها آخذ في الانفراط والانتثار، ولم يبق لها أقل أمل بما عللت به نفسها من الفوز والانتصار؛ فسلمت تسليم بلغاريا وتركيا بلا شرط ولا قيد، وأمضيت معها الهدنة يوم 3 نوفمبر.
ومن غريب الاتفاق أن هذه الحرب انتهت من حيث ابتدأت، فمن البلقان امتدت وانتشرت، ومن البلقان أخذت ريحها في الركود، ونارها في الخمود.
طارت شرارتها من البلقان
وذكت فعمت سائر البلدان
وقد انتهت منه كما ابتدأت به
فشبوبها وخمودها سيان
لولا تصدي الترك لانطفأت على
عجل ولم تشتد في الثوران
لكنها بدخولهم بلغت مدى
خمسين شهرا فوقها شهران
منعوا به عن روسيا الحلفا ولم
يك صرف هذا المنع في الإمكان
وجرت على آثارهم بلغاريا
منضمة معهم إلى الألمان
ولنصرة الحلفا انبرت رومانيا
وتأهبت للكر في الميدان
لكنها ما أبطأت أن أحجمت
عنه تجر ذلاذل
1
الخذلان
واستأثر الألمان بالبلقان لم
يستنج
2
من يدهم سوى اليونان •••
في الظاهر التزموا الحياد وميلهم
سرا إلى الألمان في رجحان
ولو انهم منحوا الخيار لجاهروا
في الانضمام لهم بغير توان
لكنهم وبلادهم في قبضة ال
حلفا استخاروا خطة الكتمان
وجروا عليها منذ شهر الحرب لم
يألوا ولا كفوا عن الروغان
يترسمون خطى المليك كأنما
في الأرض قسطنطين رب ثان
فجنى عليهم أن طحا بقلوبهم
ميلا إلى «غليوم» أكبر جان
والناس في الدنيا كما قالوا على
دين المليك ومذهب السلطان •••
بإشارة ابن حميه طاح بشعبه
في مقفرات الغي والزيغان
ونسوا يد الحلفا على اليونان وال
إنسان مطبوع على النسيان
لولا وزيرهم الحكيم لأوغلوا
في الكفر والإنكار للإحسان «فنزيلس» الرجل الذي لبلاده
هو شائد صرح العلاء وبان
كم واحد في الناس يسوى أمة
كم أمة لم تسو من إنسان
وكفى بني اليونان فخرا أنه
من شعبهم فنزيلس اليوناني
متفرد بنزاهة وعزيمة
ذكراهما موضوع كل لسان
وبحبه لبلاده شغف ولل
حلفاء في إخلاصه متفان •••
لو أن «قسطنطين» راعى عهده
للسرب يوم كريهة وطعان
لم ينشب البلغار مخلب غدرهم
فيها ولم تصل لظى العدوان
لكنه عنها تخلف وهي في
برحائها جهد
3
البلاء تعاني
وبرأي مرشده استخف محذرا
إياه شر مغبة العصيان
وله انبرى في الدردنيل معارضا
فيما أراد فكان عنه الثاني
4
ونهاه عما رام يوم غلبلي
فنأى عن الحلفاء نصر دان
لم يأل جهدا أن يعرقل كل ما
قصروا عليه السعي في البلقان
وعلى جنودهم اعتدى إذ داره
وطئوا وظنوا أنهم بأمان
حتى أتوه بغير ما يؤتى به
أمثاله من صاحبي التيجان
وارتد عنه وزيره ولأمره
قد كان حتى الآن أكبر عان
وبخلعه صدر القرار موقعا
من مجلس الحلفا العظيم الشان
وأقيلت اليونان عثرتها به
وتبرأت من تهمة الشنآن
5
وجنودها انضمت إلى الحلفاء في
خوض الوغى المشبوبة النيران •••
واعتد للحلفاء ثم جحافل
من نخبة البسلاء والشجعان
ولوا عليها «دسبري» البطل الذي
جلى بحنكته على الأقران
فسطا وصال على بني النمسا وفي ال
بلغار أثخن أيما إثخان
وعلى جناحيهم ضراغم سربيا
في الكر ينقضون كالعقبان
وعلى فلول بني فينا وصوفيا
كالأسد واثبة على القطعان
نثروا عقود جموعهم فتفرقوا
وتشتتوا في البيد والقيعان
فعنت لهم بلغاريا ورجالها
خروا لدى الحلفا إلى الأذقان
وتضعضع البلغار في ألمانيا
هال القلوب وطاح بالأذهان
لم يهو هذا الركن من بنيانها
إلا تداعت سائر الأركان
والترك دانوا واحتذوا بلغاريا
وتقفت النمسا بني عثمان
وتلفتت ألمانيا فإذا بها
في عزلة المجذوم والجربان
بالأمس كانت حولها أعوانها
واليوم قد أمست بلا أعوان
وليوث «فوش» مثيرة في جيشها الت
فريق بين الهام والأبدان
تحتث في تمزيقهم وتذيقهم
هولا يشيب مفارق الولدان
وعليه لم تر عندها بدا من الت
سليم للحلفاء والإذعان •••
لا يستطيع العقل أن يتصور الش
ر الذي جلبت على العمران
لكنها لقيت جزا إيغالها
في البغي والعدوان والطغيان
فقضت وقد صدق الألى قالوا على ال
باغي تدور دوائر الحدثان
الفصل الخامس والثلاثون
هجوم الحلفاء الأخير في فرنسا ونهاية الحرب
بعدما بلغ المرشال فوش غايته من التراجع أمام الألمان مدة نحو أربعة أشهر، وأوهمهم نفاد احتياطيه، فأسرفوا في التهور والاندفاع، وحملهم في أثناء ذلك خسارة مئات الألوف من نخبة رجالهم، وفرغ من اتخاذ الأهبة الكاملة للهجوم؛ أصدر أمره به، فكر الفرنسويون في 18 يوليو سنة 1918 على الألمان بين نهري الأين والمارن، فكان ذلك فاتحة هجوم أخذ يكبر ويتسع شيئا فشيئا حتى عم الميدان الفرنسوي كله، واشترك فيه الجيش البلجيكي بقيادة الملك ألبير، والجيوش الفرنسوية التي تحت قيادة المرشال بتاين العامة وقوادها فايول ومنجان ودجوت وأمبين ودبنيه وغورو وبرتلو وجيوما، والجيوش البريطانية التي تحت قيادة المرشال دوجلاس هايج العامة وقوادها بنج وروبنصن وبلومر وهورن وكري ويردود وغيرهم، والجيوش الأميركية بقيادة الجنرال برشنغ.
هذه الجيوش كلها انطبقت على العدو المهاجم من الشمال والغرب والجنوب، وطفقت تنقض عليه انقضاض الصواعق، وتباغته بضرب متوال متلاحق، وتضطره إلى النكوص على أعقابه والجلاء عن جميع المدن والحصون التي احتلها في فرنسا والبلجيك.
وعلى هذا المنوال كان الألمان يرتدون متقهقرين، وجيوش الحلفاء تطاردهم وتجد السير وراءهم، وهي تجتاز الأنهر والترع والقني، وتدك المعاقل والحصون، وتدمر الخنادق والمتاريس، ودباباتهم تكتسح الحزون والسهول، وطياراتهم تكافح الطيارات الألمانية وتقتنصها بالآحاد والعشرات، وتمطر الجيوش المنهزمة وابلا من القنابل والقذائف، فتزيدها ارتباكا واضطرابا.
وفي أقل من أربعة أشهر انتزعوا من الألمان كل ما احتلوه في فرنسا والبلجيك تقريبا، وأسروا منهم نحو نصف مليون، وغنموا نحو أربعة آلاف مدفع ميدان، وعشرات الألوف من المدافع السريعة، وما لا يحصى من الأسلحة والعدد الأخرى، واضطروهم أن يحذوا حذو البلغار والأتراك والنمسويين، ويسلموا تسليم المكسور للظافر المنصور.
ولما عرضت عليهم شروط الهدنة الباهظة الثقيلة قبلوها ووقعوها يوم 11 نوفمبر
1
سنة 1918.
ليومك نهر «المارن» ذكر مخلد
يظل على طول المدى يتجدد
تمر الليالي والحوادث تنقضي
وفي كل يوم ذكر يومك يولد
وكل لسان في البرية ناطق
به وصداه كل واد مردد
وعن راحهم يغني الندامى فكلما
أرادوا انتشاء
2
كرروه فعربدوا
ويغني عن الأعياد من يرقبونها
فأيان أجروا ذكر يومك عيدوا
وشهرته فينا على قرب عهده
نرى أنها من شهرة الشمس أبعد
فدريئها في كل جو ملألئ
وقمريها في كل غصن مغرد
وموضوعها محمول أم الجلال وال
جمال وأسمى ما يراد ويقصد
وأعظم ما نفس الفتى باقتنائه
تعز وإن يفقد فإياه تنشد •••
عنيت به حرية الأمم التي
لها الحر بعد الله يجثو ويسجد
وأنصارها الأحرار هم سادة الورى
ومن تتخذه عبدها فهو سيد
فهم رفعوا في الخافقين منارها
وهم عرشها فوق السماكين شيدوا
ولكنما الألمان أعداؤها فهم
على رغمها في الأرض عاثوا وأفسدوا
تصدوا لإزهاق الألى علموا بها
وإرهاق من مالوا إليها تعمدوا
طغوا وبغوا والله لم يتقوه بل
عليه عصوا واستكبروا وتمردوا
وزين الاستبداد بالناس كلهم
لهم ملك أتباعه متعبد
إلى الفتح لم ينفك منذ جلوسه
على العرش يصبو والسلام يهدد
به كان يغري شعبه ويحضهم
عليه ويذكي عزمهم ويشدد •••
أطاعوا له بالحرب أمرا وإذ دعا
على الفور لبوه ولم يترددوا
قضوا نصف قرن في تأهبهم لها
فجدوا وشدوا واستمدوا واعتدوا
وما تقتضيه من سلاح وميرة
ومال أعدوا والملايين جندوا
وفي نارها زجوا جميع بني الورى
فأصبحت الدنيا جحيما توقد
وفي أول الأمر احتفت بهم الوغى
ولاح لهم من جانب النصر فرقد
وجازوا ضفاف المارن في غزواتهم
وباريس بالفتح القريب توعدوا
ولكن عليهم «جوفر» كر مزمجرا
فريعوا وعن باريس صدوا وأبعدوا
وخطت على المارن البسالة آية
تقول لغازيه: «هنا جوفر يرصد» •••
ولما تخلى الروس عن حلفائهم
وطاب لهم في مضجع الذل مرقد
خلا الجو للألمان فاندفعوا على
فرنسا وجدوا في الهجوم وشددوا
وكروا على الجيش المدافع كرة
أقاموا لها الدنيا اضطرابا وأقعدوا
وأموا ضفاف المارن ثاني مرة
وسهم فتوح نحو باريس سددوا
نسوا أو تناسوا يوم «جوفر » انبرى لهم
يذود عن المارن الغزاة ويطرد
وقد وردوه يحسبون مياهه
حجيلاء حر الهاجمين تبرد
ولكنهم خابوا رجاء وموردا
حرورا من الغسلين والمهل أوردوا •••
أجل لم يلاقوا جوفر لكنهم لقوا
له خلفا من بطشه الأرض ترعد
رأوا «فوش» في عريسه متحفزا
يصوب في تزآره ويصعد
رأوا معشر الأحلاف أمضوا وفاقهم
على كل شيء والقيادة وحدوا
وقد قلدوها فوش فهو عذيقها ال
مرجب
3
والنهد
4
المجلي المقلد
5
وقفى على التقليد «هايج» بأنه «لبرشنج» فيه عاضد ومؤيد
وبايعه الباقون منهم وأجمعوا
على أنه في أمرهم متفرد •••
وحينئذ كانوا استعدوا وأعتدوا
جميع معدات الهجوم وأرصدوا
وكانوا دماء «البوش» يستنزفونها
بمبضع تغرير يجس فيفصد
تخلوا لهم عن كل شر بملئه
دما كان من أكبادهم يتفصد
كقط حلا جهلا له لحس مبرد
ولم يدر أن النازف الدم مبرد
وقد أوهموهم أنهم عن لقائهم
بأصفاد تقصير وعجز تقيدوا
وأن الخميس الاحتياطي عندهم
غدا نافدا أو أنه كاد ينفد
فرانت على الألمان هذي الخديعة ال
تي كان في تدبيرها «فوش» يجهد
وقالوا عدانا نابهم شر كسرة
لئن أنكروها فالتقهقر يشهد
وظنوا بأن النصر نيل وأنهم
على الحلفا باب النجاية أوصدوا
وكانوا لخط الزحف في الطول أسرفوا
ولكنهم فيه من العرض أقصدوا
وضرغامة الأرجون
6
في ريمس رابض
وراهم وصمصام الوثوب مجرد •••
فأملى على قواده «فوش» خطة ال
هجوم فألقوا سمعهم وتزودوا
وصاح بهم ردوا الغزاة وأطبقوا
عليهم فللإطباق قد حان موعد
ومن ضفة المارن ابدءوا الكر واقذفوا
إلى لجه من جاوزوه فيوأدوا
7
فلبى الندا أبناء كولمبس
8
الألى
أتوا ليعينوا جيش فوش ويعضدوا
أولئك بالألمان ثاروا ونكلوا
وشملهم المجموع شتوا وشردوا
وما أبطأت باقي الجيوش أن اقتفت
خطاهم وفيهم عم للحرب مشهد
ودارت رحاها وهي كالنار تلتظي
وساحاتها كالبحر ترغي وتزبد •••
هناك على الألمان صال جحافل ال
حليفين صولا فيه غاروا وأنجدوا
وشنوا عليهم غارة دحضوا بها
مزاعمهم فيما ارتأوه وفندوا
وردوهم يهوون في شر ورطة
يساورهم غم لهم متغمد
وزجوا إليهم ضربة لو دويها
عرا جلمدا لاندق وانفت جلمد
دحوها عليهم من مدافع جمرها
إذا مس بحرا رده يتوقد
ومن زاحفات في الصعيد كأنها الص
واعق قبل الفتك تسنو وترعد
تقطع أسلاك الحصون وتنسف ال
خنادق والوعث الكئود تمهد
ومن سابحات في الهواء تشقه
وفوق مطار النسر ترقى وتصعد
وتمطرهم منه بسيل كراتها
وتصليهم النار التي هم أوقدوا
وكل مجل طار في السبق صيته
وصارت إليه سرعة البرق تسند
وكل مصل
9
لو أصابت مهندا
عزيمته في الكر صام المهند
وكل مغير خلفه أسد الشرى
وقدامه قرم يجاريه صندد
10 •••
بهم «فوش» نار «البوش» خاض فأطفئوا
لظاها وأنفاس المعادين أخمدوا
ومن يدهم بزوا المدائن والقرى
فشلت ولم تقدر على ردها اليد
وقد نثر الإخفاق عقد رجائهم
وبات عليهم عثير اليأس يعقد
وغطت بطاح السوم أشلاء جيشهم
ومن أمنوا قتلا وأسرا تبددوا
وما رد «هندنبرج» عنهم بخطه
وبالا عليهم ظله هم مددوا
ففروا على أعقابهم ناكصين عن
بلاد لأهليها أذلوا وأضهدوا
11
وخلفهم الجيش المطارد بيضه
تسل وفي أقفي المطاريد تغمد
وفي ثلث عام ضيعوا ما بجيشهم
بأربعة الأعوام ضحوا ليوجدوا
وللحلفا دانوا ولو لم يسلموا
لكان بهم حاق البلاء المخلد
وحم
12
على السفاح «غليوم» أنه
عن العرش مرغوما يزاح ويطرد
وألفى ولي العهد أن مصيره
مصير أبيه عكس ما كان يعهد
وإن يك لودندرف شعرك وهو من
جرى الخوف مبيض فحظك أسود
وما حظ «هندنبرج» في السوء دونه
فإنك تدري أنه منك أنكد
13
كفاه شقاء أن يراك استطعت أن
تولي عنه مدبرا وهو مقعد •••
فته أيها النهر المعظم وافتخر
فحقك فيه ظاهر ليس يجحد
ويومك لا ننساه في الحرب بل له
سيحفظ بين الناس ذكر مؤبد
به الحلفا والشكر لله قوضوا
من الأرض رهص البطل والحق وطدوا
به الحلفا حازوا انتصارا لأجله
على الحلفا نثني ولله نحمد
فخط «الفرنسيون» للمجد صفحة
بها ذكر ماضيهم أعادوا وجددوا
ومن جيشها الغازي وأسطولها لها «بريطانيا العظمى» اعتزاز وسؤدد
وفي فضلها الجم العميم «أميركا»
تعظم من كل الورى وتمجد
وقد نلت «يا بلجيك» ما تبتغينه
وحزت انتصارا فيه جرحك يضمد
فللحلفا الألمان كادوا بيومهم
فرد لهم أضعاف كيدهم الغد
وبالعدل والإنصاف نالوا جزاءهم
ومن يزرع العدوان فالشر يحصد
الفصل السادس والثلاثون
الخاتمة في نهاية الحرب
ألا فابشروا يا قوم إن الوغى الكبرى
خبت وكفينا من تسعرها الشرا
خبت نارها والحمد لله بعدما
ذكت ولظاها أحرق البر والبحرا
وقد وضعت أوزارها بعدما طغت
وسجلت الدنيا على المعتدي الوزرا
تقلص عن وجه البسيطة ظلها
وكان عليه ظلها باسطا سترا
وبعد تمادي
1
ليلها لاح فجره
وكنا ظننا أنه عدم الفجرا
قضينا بها خمسين شهرا نعدها
وشهرا وكنا اليوم نحسبه شهرا
وكنا نعد الشهر أطول من سني ال
مجاعة بل كنا نرى عامها دهرا
وفيها أصاب الكون ما إن وصفه
ليستنفد الأقلام والصحف والحبرا
وقد مر إلمامي به غير مرة
فلست بمستحل إعادة ما مرا
شعرت بما قاسى الورى من شرورها
شعورا بدا لي أن أمثله شعرا
أجبت به نفسي على الفور إذ دعت
ولبيتها لم أعص فيه لها أمرا
وأودعت وصف الحرب هذي القصائد ال
تي اجتزأت باللب لم تحتو القشرا
وأعددتها للطبع لما أن انطوت
على ما استحق الطبع واستأهل النشرا
وقد بدئت بالحرب والآن تنتهي
بذكر النجا
2
منها وتختم بالبشرى
ببشرى رآها المسك إذ ضاع نشرها
على طيبه تسمو وتفضله نشرا
ولو أنها بيعت وأرخص سعرها
لكانت بأغلى مهجة في الورى تشرى
خلاصتها أن الوغى قل نعشها
3
وألمانيا عضت أناملها العشرا
وأن يد البغي التي امتد شرها
وطالت عراها القصر بل كسرت كسرا
وأن الذي بالأمس علل نفسه
بربح نراه اليوم مشتكيا خسرا
وذيالك العسر الذي اشتد ضغطه
على الناس طرا زال واستمتعوا اليسرا
فيا حسنها بشرى ملا الأرض بشرها
وكل امرئ في الخافقين بها سرا
أذيعت وفي الأفواه جهرا حديثها
تكرر إذ لم يبق موضوعها سرا
ولما تهاداها الورى كان فعلها
بأذهانهم فعل الرحيق أي السكرا
فضجوا بأصوات الهتاف وعربدوا
وجاءوا بما أعيا تصوره الفكرا
أقاموا لها الزينات والندوات في
جميع القرى والمدن حافلة تترى
ولم يدعوا أمرا به يعربون عن
مسرتهم إلا أتوا ذلك الأمرا
وإن هم في بعض الأمور تجاوزوا
حدود المسرات التمسنا لهم عذرا
كفى الناس عذرا فيه قول مبشر
لهم أبشروا قد أحرز الحلفا النصرا
فتلكم بشرى لست وصف جمالها
بموف ولو أني قضيت به العمرا
ولله كم نفس بها يوم أعلنت
خلاصتها طابت! وكم ناظر قرا!
وكم شنفت أذنا! وكم بردت حشى!
وكم أبهجت قلبا! وكم شرحت صدرا!
وكم بسط الناس الأكف وقدموا
لخالقهم من أجلها الحمد والشكرا!
وبالحلفا خصوا جميل ثنائهم
وقد عم حتى ما استطاعوا له حصرا
وأما ملايين الضحايا فرحموا
عليهم وأحيوا بالرثاء لهم ذكرا •••
مصائب هذي الحرب عمت بني الورى
فلم يبق من لم يشك من نارها حرا
ولكنه قد ينتج الخير شرها
ورب مفيد نافع يعقب الضرا
فإن تم ما يسعى له الحلفاء في
مجالسهم واستأصلوا للوغى الجذرا
وصارت كبار المشكلات بأسرها
تحال على جمعية الأمم الكبرى
ولم يبق خوف من شعوب كبيرة
تجور على الصغرى وتحكمها قسرا
ولم يهضم الشعب الضعيف حقوقه
وأصبح في الدنيا كما ينبغي حرا
إذا تم هذا كله والرجاء أن
يتم وعم الخير منه الورى طرا
محا إثم هذي الحرب عنها ولم ترق
دماء الملايين التي سفكت هدرا
Unknown page