Tarikh Harb Balqan Ula
تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
Genres
وقالت جريدة لوكال انزيجر في وصف أدرنه بعد سقوطها: «أنها كانت هائجة مائجة، وكان البلغاريون والأروام يهجمون على منازل المسلمين فينهبون ويسلبون ويرمون من قاومهم بالرصاص، حتى كنت ترى جثث القتلى متراكمة في الشوارع. وذكر مراسل التيمس ما يدل على وقوع حوادث فظيعة بعد سقوط المدينة، ولكن النظام ما لبث أن توطد في أنحائها، ودخلها ملك البلغار فزار جامع السلطان سليم الشهير، وكان الأهالي البلغاريون والأروام واليهود يستقبلونه بالأعلام والرياحين، أما خسارة البلغاريين والصربيين في تلك الهجمات فيرى المراسلون الحربيون أنها بلغت نحو 15 ألف رجل على أقل تقدير. وأما خسارة العثمانيين فهي ما بين 7 و10 آلاف، ومما يحسن بنا التنبيه إليه عند تقدير الخسارة أن البيان الرسمي الدقيق لكل معركة لم يتصل بنا حتى الآن، وأن القواد العثمانيين لم يهتموا بإحصاء قتلى الجنود (كما روى الماجور هوشوختر الألماني الذي كان معهم)، بل كانوا يحصون الضباط القتلى فقط، ولعلهم ينشرون التفصيل الدقيق بعد الصلح، والراجح أن الاختصاصيين سينشئون مؤلفات خاصة مفصلة من الوجه الحربي لحصار أدرنه كما أنشئوا لحصار بلفنا.»
أما تأثير سقوط أدرنه فقد كان عظيما أليما في عاصمة الدولة واهتمت به الأندية السياسية؛ لأن الدول خافت أن يرسل البلغاريون مائة ألف جندي من جهات أدرنه إلى جتالجه، وأن يصروا على دخول الأستانة ولو عظمت خسارتهم فينفتح حينئذ باب مسألة آسيا العثمانية التي تريد الدول تأجيلها، وكانت روسيا نفسها تأبى أن يقف البلغاريون أمام آيا صوفيا ... (2) تحقيق وزير
سافر الموسيو ميسيمي وزير الحربية الفرنساوية سابقا إلى أدرنه ليرى بعينه طريقة تحصينها وفعل المدافع الفرنساوية فيها، ويحادث قواد البلغار فيما يرجو منه فائدة حربية، وبعد التحقيق أنشأ عدة فصول قال في أحدها ما جوهره:
كان الفكر الشائع أن أدرنه التي أشرف على تحصينها جماعة من أكابر الاختصاصيين الألمانيين فحولوها إلى موقع حديث تحيط به الحصون المحمية المرصوصة، لا يمكن أن تؤخذ إلا بالجوع أو بحصار طويل الأمد، لكن هذا الرأي كان بعيدا عن الصواب كما تحققت بعد أن سمح لي الجنرال إيفانوف بزيارة جميع خطوط التحصين والوقوف على ما قل وجل.
إن أدرنه لديها مرتفعات متوسطة على مسافة خمسة أو ستة كيلومترات، ومنظرها يدل على أنها منيعة وأن الدفاع عنها سهل؛ لعدم وجود غابات أو جدران وما شاكلها من الأشياء التي تحول دون الاستطلاع، ولما كانت سنة 1911 زادتها الحكومة العثمانية تحصينا فأنشأت السكك الحديدية الضيقة بين الحصون كما ترى في المواقع الفرنساوية الشرقية، ونصبت فيها المدافع الضخمة وأعدت لها مقدارا كافيا من الذخيرة، ووضعت في الأقسام التي رأتها أشد استهدافا من غيرها بطاريات محمية بدلا من البطاريات المكشوفة التي يسهل إسكاتها، ثم وضعت الأسلاك ذات الأشواك أمام الحصون فأصبح أخذها عنوة من أصعب الأعمال، ولا سيما إذا كان فيها جنود راسخو العزيمة، وأحضرت منيرات كهربائية (بروجكتور) للاستطلاع.
ولكن الناظر إليها بعين الناقد يجد مع ذاك كله مواضع للضعف في تلك القلاع، فإنك لا تجد فيها خنادق منحدرة بالمعنى الصحيح لوقاية الحصون من الهجمات، ثم ترى بجانب البطاريات الحديثة حصونا قديمة ذات شأن عظيم متداعية للخراب، كما ترى في أحدث الحصون ما يدل على توفير لا معنى له في رص المواقع المعرضة للقنابل.
أما عدد الحامية فقد كان سبعين ألف رجل، ولكن قوتها المعنوية وتعليمها الحربي لم يكونا على غاية ما يرام، ونحن مع اعترافنا بشجاعة قائدها شكرى باشا وأداء ما يستحقه من الإكرام، نرى أن الجنود التي كانت تحت إمرته لم يكن عندها من كنوز البراعة والنشاط ما كان للحامية التي تولى قيادتها عثمان باشا في بلفنا، فإن رجال بلفنا دخلوها مدينة مفتوحة، فما لبثوا أن حولوها إلى موقع حصين أوقف هجوم الجيش الروسي واستوقف معظمه حول موقعها، أما حامية أدرنه فلم تزد شيئا على معدات الدفاع التي كانت قبل الحرب بل وقفت جامدة تنتظر ما تأتيها به يد القدر، في حين أن البلغاريين والصربيين كانوا يشتغلون بلا انقطاع في الأشهر الخمسة، فحفروا الخنادق وأنشئوا المراصد الخفية وبنوا مراكز للدفاع.
أما أطوار الحصار فهي كما عرف المطالع تدل على أن البلغاريين اتبعوا القواعد الحربية الصحيحة، فإنهم اهتموا أولا بقهر معظم القوات العثمانية في تراقيه، واكتفوا بأن يرسلوا إلى جهة أدرنه فرقتين ربما كان عدد رجالهما أقل من عدد الحامية، ثم جاءتهم فرقة ثالثة وفرقتان من الصربيين فضيقوا حلقة الحصار شيئا فشيئا بعد عدة معارك. وفي أواخر شهر أكتوبر طلب الجنرال إيفانوف إلى القيادة العامة أن تأذن له في هجمة عامة على مواقع أدرنه وكرر هذا الطلب، غير أن أركان الحرب رفضوا طلبه؛ لأنهم لم يرغبوا في شدة المخاطرة، بل رأوا من الصواب والحكمة أن يصبروا حتى تسقط المدينة بالجوع أو بشدة الهلع من القنابل المتساقطة على أحياء المدينة.
ولما عقدت الهدنة انقطع البلغاريون عن ضرب المدينة ثم عادوا إلى ضربها بشدة هائلة بعد إلغاء الهدنة.
ولكن عزيمة شكري باشا لم تهن بديمة القنابل أو غيرها، فلما رأى البلغاريون أن حالتهم لا تمكنهم من إقامة حصار منظم يقتضي إنشاء مواقع ومستودع أسلحة وطرقا خفية وعددا كبيرا من الجنود الفعلة، ورأوا من جهة أخرى أن المواصلات لا تسمح لهم بمثل تلك الأعمال الكبيرة الطويلة، قرروا أن يهجموا على أدرنه ويأخذوها عنوة وقسرا كما طلب الجنرال إيفانوف. وفي 23 مارس صدر إليه الأمر بالهجوم الشديد على المواقع الشرقية الشمالية، وفي 24 منه أخذت المدافع البلغارية كلها تحول نيرانها إلى الجهة المعينة للهجوم، فأجابتها البطاريات العثمانية، ولكن النيران البلغارية الهائلة أسكتتها بعد مدة، وما اسود جنح الليل حتى هجم البلغاريون بالسلاح الأبيض فاستولوا على المواقع العثمانية، ثم واصلوا الهجوم - كما شرحنا قبلا - حتى تم لهم النصر وأسروا الحامية وغنموا مدافعها وكل ما كان لديها من المئونة.
Unknown page