وكان الرومانيون قد أسروا عددا كبيرا من القرطجنيين في الوقعات البحرية واحتملوهم إلى رومية واعتقلوهم هناك، وقد جرت العادة عند أهل ذلك الزمن أن يتبادلوا الأسرى ويعيدوا المعتقلين في الحرب من الجانبين إلى أهلهم وذويهم في وطنهم؛ تلك كانت مبادلة الأسرى إلى أن عهد القرطجنيون إلى روغولوس في إتمامها، فلما وصل روغولوس إلى رومية أبى دخول المدينة، ولكنه مثل أمام مجلس الشيوخ خارج الأسوار بأثواب بالية وبحالة المسكنة والذل.
فهو قال إنه لم يعد جنديا رومانيا أو وطنيا رومانيا بل أسيرا قرطجنيا، وإنه يأبى ادعاء الحق في إبداء رأي أو مشورة للحكومة الرومانية في شأن الخطة التي يجدر بها اتباعها في تلك الحرب، وإنما له كلمة واحدة يقولها للرومانيين، وهي أن يرفضوا عقد صلح واستبدال الأسرى. وكان هو ورفاقه الأسرى الرومانيون قد بلغوا من العمر عتيا وتملكهم الوهن؛ ولهذا فإنهم لا يستحقون الاستبدال، وفضلا عن ذلك فإنهم ينكرون كل حق وكل دعوى وكل فضل لهم على بلادهم؛ ذلك لأنهم وقعوا أسرى، ولأنه لم تكن لهم شجاعة ووطنية صحيحة تحملانهم على الموت في الدفاع عن بلادهم.
وقال إن القرطجنيين قد تعبوا من الحرب، وملوا طول الجهاد وإن معداتهم قد نفدت، وإن على الرومانيين أن يتابعوا الجهاد بنشاط جديد وهمة قعساء، وأن يتركوه هو ورفاقه الأسرى رهن القضاء والقدر.
فمال مجلس الشيوخ إلى العمل بنصيحته بتؤدة وشيء من التردد، على أنهم بذلوا منتهى جهودهم في إقناع روغولوس بعدم الرجوع إلى قرطجنة، قائلين له إنه ليس ببقائه في بلاده وصمة عار على اسمه؛ ذلك لأن الوعد الذي أعطاه بالرجوع إليها قد أخذ منه بظروف الحالة التي هو فيها مرغما غير مختار، ولهذا فهو غير مرتهن به.
ولكن روغولوس أصر على البر بوعده لأعدائه وأبى أن يرى عائلته، وهكذا ودع مجلس الشيوخ ورجع إلى قرطجنة، ودرى القرطجنيون بأنه هو الذي عمل على فشل إرساليته، وعدم نجاحه في الذي عهدوا إليه في القيام به، فأنزلوا به أشد أنواع التعذيب وأخيرا قتلوه. وقد يقول قائل إنه كان من الواجب عليه أن يشير على قومه بالصلح وبمبادلة الأسرى، وألا يأبى مقابلة زوجته التاعسة وأولاده المساكين، ولكن الحقيقة يجب أن تقال؛ إنه قد تصرف بشرف ونبالة في أنه أبى إخلاف وعده.
واستمرت الحرب زمانا بعد هذا إلى أن أصبح الفريقان في حالة الوهن، وتعبا من الجهاد فرضيا بعقد صلح، وهذه هي معاهدة الصلح التي عقداها، فهي تظهر لنا أن الميزة في الحرب القرطجنية الأولى كانت على جانب الرومانيين:
يجب أن يعقد صلح بين رومية وقرطجنة، وعلى القرطجنيين أن ينجلوا عن سيسيليا، وألا يشهروا حربا على حلفاء الرومانيين، وأن يعيدوا إلى الرومانيين بدون فدية جميع الأسرى الذين اعتقلوهم، ويدفعوا إليهم في غضون عشر سنوات ثلاثة آلاف ومائتي وزنة من الفضة.
ودامت هذه الحرب التي انتهت على تلك الصورة أربعا وعشرين سنة.
الفصل الثاني
هنيبال في ساغونتوم
Unknown page