وينقسم تاريخ الترجمة عند العرب إلى قسمين عظيمين: يبتدئ أولهما بقيام دولة العباسيين إلى قيام المأمون بن هارون الرشيد؛ أي من سنة 132ه/749م إلى سنة 198ه/813م، وقد ترجم في هذا العهد كثير من الكتب نقلها كتاب ومترجمون نالوا الحظوة الكبرى عند خلفاء بني العباس، وكان كل منهم يشتغل مستقلا بنفسه، وأكثرهم من المسيحيين والإسرائيليين، وبعض الذين اعتنقوا الإسلام من أهل الوثنية والديانات الأخرى، ويبدأ ثانيهما بقيام المأمون والذين عقبوه على كرسي الخلافة من العباسيين، وأخص ما يمتاز به هذا العصر تأسيس تلك الأكاديمية الكبيرة - بيت الحكمة - التي أقامها المأمون في بغداد، فجمعت بين جدرانها فئة صالحة من المشتغلين بالعلم والفلسفة والترجمة، وكان همهم أن يصيغوا الكتب التي ينقلونها، أو التي نقلت، في قالب يستطيع به طلاب العلم من العرب الوقوف على أسرار العلم والحكمة.
كان أول عهد للترجمة في العالم العربي مقرونا باسم «عبد الله بن المقفع»، وهو من أبناء فارس، زرادشتي الديانة، اعتنق الإسلام على يد محمد بن علي أبو السفاح.
وكان من المقربين في بطانته، على أن نهاية ابن المقفع كانت محزنة، فإنه مات مقتولا بأمر الخليفة المنصور إلى سفيان حاكم البصرة، وكان بينه وبين ابن المقفع ترة، فقسا في قتله، وكان ذلك سنة 142ه/759م أو 143ه/760م، ويقال: إن إسلام ابن المقفع كان ظاهريا، وإنه ظل أمينا للزرادشتية، فكان يعتبر زنديقا. والزنادقة اصطلاح يعني به «المانويون» أتباع «ماني بن فاتك»
7
وهم قوم من الوثنيين يقدسون الليل.
ولقد عثرت على قصيدة فيها ذكر للمانونيين وتقديسهم لظلمة الحلك، وضعها حافظ بك إبراهيم ترجمة لقصيدة شكسبير في رواية «مكبث»، وكان قد ترجم الرواية كلها، ولكن الترجمة فقدت، وإليك مطلع القصيدة:
كأني أرى في الليل نصلا مجردا
يطير بكلتا صفحتيه شرار
أراه فتدنيني إليه شراستي
فينأى وفي نفسي إليه أوار
Unknown page