قال ابن عبد الحكم: «فلما تم الفتح للمسلمين بعث عمرو بن العاص جرائد الخيل إلى القرى التي حولها، فأقامت الفيوم سنة لا يعلم المسلمون بمكانها حتى أتاهم رجل فذكرها لهم، فأرسل عمرو معه ربيعة بن حبيش بن عرفطة الصدفي، فلما سلكوا في المجابة لم يروا شيئا فهموا بالانصراف، فقالوا: «لا تعجلوا، سيروا، فإن كان قد كذب فما أقدركم على ما أردتم»، فلم يسيروا إلا قليلا حتى طلع لهم سواد الفيوم، فهجموا عليها فلم يكن عندهم قتال وألقوا بأيديهم. قال: ويقال: بل خرج مالك بن ناعمة الصدفي وهو صاحب الأشقر على فرسه ينفض المجابة، ولا علم له بما خلفها من الفيوم، فلما رأى سوادها رجع إلى عمرو فأخبره بذلك. قال: ويقال: بل بعث عمرو بن العاص قيس بن الحارث إلى الصعيد، فسار حتى أتى القيس فنزل بها، وبه سميت القيس، فراث على عمرو خبره، فقال ربيعة بن حبيش: كفيت، فركب فرسه فأجاز عليه البحر وكانت أنثى، فأتاه بالخبر. ويقال: إنه أجاز من ناحية الشرقية حتى انتهى إلى الفيوم، وكان يقال لفرسه الأعمى، والله أعلم.»
وقال ابن الكندي في كتاب «فضائل مصر»: «ومنها كورة الفيوم، وهي ثلاثمئة وستون قرية، دبرت على أيام السنة، لا تنقص عن الري، فإن قصر النيل في سنة من السنين مار بلد مصر كل يوم قرية، وليس في الدنيا ما بني بالوحي غير هذه الكورة، ولا بالدنيا بلد أنفس منه ولا أخصب، ولا أكثر خيرا، ولا أغزر أنهارا، ولو قايسنا بأنهار الفيوم أنهار البصرة ودمشق لكان لنا بذلك الفضل. ولقد عد جماعة من أهل العقل والمعرفة مرافق الفيوم وخيرها فإذا هي لا تحصى، فتركوا ذلك وعدوا ما فيها من المباح مما ليس عليه ملك لأحد من مسلم ولا معاهد يستعين به القوي والضعيف، فإذا هو فوق السبعين صنفا.»
وقال ابن زولاق في كتاب «الدلائل على أمراء مصر» عن الكندي: «وعقدت لكافور الإخشيدي الفيوم في هذه السنة، يعني سنة ست وخمسين وثلاثمئة، ستمئة ألف دينار ونيفا وعشرين ألف دينار. وقال القاضي الفاضل في كتاب «متجددات الحوادث»، ومن خطه نقلت: إن الفيوم بلغت في سنة خمس وثمانين وخمسمئة مبلغ مئة ألف واثنين وخمسين ألف دينار وسبعمئة وثلاثة دنانير. وقال البكري: والفيوم معروف هناك يغل في كل يوم ألفي مثقال ذهبا.» انتهى كلام المقريزي.
أما المقريزي فاسمه أحمد بن عبد الصمد تقي الدين المقريزي، وكان شيخا عالما، إماما بارعا، مؤرخا مشهورا، ولد سنة 760 للهجرة، وتوفي بمصر سنة 845، ولي حسبة القاهرة من قبل الملك الظاهر برقوق، وتنقل في عدة وظائف دينية إلى أن توفي، رحمه الله!
أقوال حضرة أحمد بك كمال في «العقد الثمين»
أحمد بك كمال أحد موظفي مصلحة الآثار التاريخية الآن، هو عالم فاضل من علماء اللغة الهيروجليفية - لغة المصريين القدماء - و«العقد الثمين» هو كتاب جليل الفائدة، يتضمن تاريخ الفراعنة من أول ملوكهم الذين عرفوا إلى الآن وآثارهم. وقد جاء فيه عن بحيرة موريس ما أثبتناه بنصه تحت هذا العنوان «ذكر مآثر الملك أمنمحعت الثالث»:
اعلم أن العمارات الجسيمة التي شيدها هذا الملك في الفيوم شيدت له ذكرا مخلدا واسما مؤبدا، وذلك أنه لا يخفى على أحد أمر النيل بالنسبة لوادي مصر من حيث إنه إذا انقطعت زيادته عن عادتها بقيت بعض الأراضي الزراعية من غير ري فصار لا ينتفع بها، وإن زاد فيضانه عن المعتاد قطع الجسور وغرق القرى وأضر بالأراضي، ولذا صارت مصر مترددة بين هاتين الآفتين، فلما عرف هذا الملك منه المضار أراد أن يتداركها فوجد في الصحراء الغربية من مصر بادية عظيمة تصلح أراضيها للزراعة، تعرف الآن بوادي الفيوم، كانت تتصل بوادي النيل الأصلي بقطعة أرض كالبرزخ، وفي وسطها قطعة أرض مستوية، سطحها يضاهي سطح الأراضي المصرية، وفي جانبها الغربي أرض منخفضة ومتسعة جدا تغمرها مياه البحيرة الطبيعية المعروفة الآن ببركة قارون، طولها أكثر من عشرة فراسخ، وأمر بحفر بركة في وسط قطعة الأرض المستوية تبلغ مساحة سطحها عشرة ملايين متر مربع لخزن المياه فيها، وسيأتي الكلام على اسمها واسم الفيوم.
فإن كانت زيادة النيل ضعيفة فتحت البركة فيخرج من المياه المخزونة فيها ما يكفي لري مزارع بادية الفيوم، بل وسائر أراضي الجانب الأيسر من النيل إلى البحر الأبيض. وإن كان فيضان النيل كثيرا جدا بحيث يخشى منه إفساد الجسور، صرف القدر الزائد عن المنافع الضرورية إلى تلك البركة الصناعية، فإن طفحت فيها المياه انصرف ما زاد عنها إلى بحيرة قارون بواسطة قنطرة تسد وتفتح بحسب الحاجة. وكانت الحكومة تعين في كل سنة قبل ارتفاع مياه النيل مأمورين يتوجهون إلى النوبة لاستكشاف زيادة النيل جهة سمنه وقمنه، ولذا يرى في تلك الجهة نقوش بالقلم البربائي معناها:
إلى هنا وصل ارتفاع النيل في السنة الرابعة عشرة من حكم الملك «أمنمحعت» الثالث، خلد ذكره!
وذكر جناب «لبسيوس» أن فيضان النيل في عصر العائلة الثانية عشرة كان يزيد عن أكثر فيضانه الآن جهة سمنه وقمنه ثمانية أمتار وسبعة عشر سنتيمترا، وأن زيادته المتوسطة في عصر «أمنمحعت» الثالث تزيد عن فيضانه الحالي سبعة أمتار، فيتضح لك مما تقدم أن بركة قارون كانت طبيعية وبركة موريس صناعية، وكانت الأولى كثيرة الأسماك، والثانية يصب فيها ماء النيل من ترعتين وقت زيادته، ثم يحجز فيها بواسطة سد، فإذا كان وقت الشرق فتح هذا السد فيسقي الأراضي المجاورة لبركة موريس، وكانت إحدى هاتين الترعتين تتفرع من النيل بجانبه الغربي، ثم تجري تجاه بحر يوسف الحالي، وكان باب السد موضوعا في مجمع الترعتين. والترعة الثانية كانت تجري جهة الشمال، وكانت معدة لتوزيع المياه على الأرض عند الشرق، وكان في وسط بركة موريس الصناعية هرمان في كل منهما تمثال جالس، فالهرم الأول كان فيه تمثال الملك «أمنمحعت» يشاهد بركته التي حفرها، والثاني كان فيه تمثال زوجته المسماة «سبك نفرورع»، وقد وجد رسم هذه البركة في صحيفة موجودة بمتحف بولاق، وسمتها اليونانيون باسم «موريس»، وأصلها «مري»، ومعناها بحيرة، وكان من عوائد اليونانيين أن يضعوا حرف السين آخر أسماء الأعلام، فلذا حولوها إلى موريس وقالوا بحيرة موريس، زاعمين أن موريس اسم لأحد الفراعنة المصريين، وليس بشيء.
Unknown page