Tarikh Falasifat Islam
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Genres
على أنه بعد لم يرمس
فإن تطعم النفس ما تشتهي
تقيك جميع الذي تحتسي
وعندي أن هذه الأبيات تدل على حالة نفسية حزينة، تدني هذا الفيلسوف العربي القديم من شوبنهور. ولا غرابة إذا كان الحزن ميزة الحكماء؛ فهو كما قال زيلر في كتابه عن تاريخ فلاسفة اليونان «علامة الأمم المفكرة».
قال في وصيته: «ليتق الله تعالى المتطبب ولا يخاطر فليس عن الأنفس عوض!» وقال: «كما يحب أن يقال إنه كان سبب عافية العليل وبرئه، كذلك فليحذر أن يقال إنه كان سبب تلفه وموته.» وكان رحمه الله طبيبا ونصحه صالح لكل زمان! «العاقل يظن أن فوق علمه علما فهو أبدا يتواضع لتلك الزيادة، والجاهل يظن أنه قد تناهي فتمقته النفوس لذلك» نقلا عن كتاب المقدمات لابن بختويه.
قال الكندي يوصي ولده: «يا بني، الأب رب والأخ فخ والعم غم والخال وبال والولد كمد والأقارب عقارب.»
وهذا من وصيته لابنه أيضا «قول «لا» يصرف البلا، وقول «نعم» يزيل النعم، وسماع الغناء برسام حاد؛ لأن الإنسان يسمع فيطرب وينفق فيسرف فيفتقر فيغم فيعتل فيموت.» «الدينار محموم فإن صرفته مات! والدرهم محبوس فإن أخرجته فر! والناس سخرة فخذ شيئهم واحفظ شيئك! ولا تقبل من قال اليمين الفاجرة فإنها تدع الديار بلاقع!» (1) إيضاح عن الكندي
1
لا يوجد أدب لغة أغزر مادة من الأدب العربي، ولا أبعد عنه مدى ولا أعمق غورا ولا أشهى ثمرا وأكثر نفعا، ولكنه لسوء حظ عشاقه وهواته والمشتغلين به محدود الفائدة لطلابه، وقد يتعجب القارئ لهذا التناقض ولكن تلك الدهشة تزول إذا علم أن المؤلف أو الباحث قد يصرف أياما في التنقيب عن مبحث يريده وقد يقرأ مائة صفحة قبل أن يعثر بسطرين لهما مساس بمبحثه، فقد منح الله كتاب العرب وأدباءهم من سعة الاطلاع وحب الاستطراد والتعلق بأسباب الإسهاب والتطويل، ما يجعل بعضهم ينتهي من مؤلفه قبل أن يصل إلى بداية الموضوع الذي ندب نفسه لدرسه، أو الكتابة فيه، ولم يسلم من فضلاء الأدباء إلا العدد القليل ممن صحت عقولهم وعزائمهم وتمكنوا من كبح جماح نفوسهم لدى استهواء الاستطراد مثل الجاحظ على أن أمثال الجاحظ قليلون. أما سواهم فيجعلون كتب التاريخ موسوعات لفنون الأدب وعلم النبات والحيوان والطب والتنجيم، ويندر أن لا يفردوا في كل فصل من فصولها بابا للنحو والصرف والبيان!
ومما يعجب له أن الكتاب الذين قطعوا أنفسهم لتدوين تراجم العظماء والفلاسفة والشعراء، لم يعنوا قط بوصف معايشهم وأخلاقهم وأطوارهم وأحوالهم النفسية كما فعل اليونان وكما يفعل الأوروبيون في هذا الزمان. وقد يكتفي بعضهم بذكر مؤلفاتهم، وسنتي ميلادهم ووفاتهم وقد لا يذكر ذلك على التحقيق إلا في بعض الأحوال دون غيرها. ومن غرائب هذا الباب أن لا يذكر مؤرخو حياة المتنبي إلا أنه مدح سيف الدولة وهجا كافورا وقتل بمكان قفر، ولا يوجد في سيرته خاصة إلا رسالة ضئيلة طبعت على هامش شرح العكبري لديوان هذا الفحل، وهو شرح مطول في جزأين ضخمين يبدأ في تفسير كل بيت من أبياته بالإعراب والتحليل والصرف والنحو والغريب من الألفاظ.
Unknown page