87

قال عماد الدين-رحمه الله-: سمعت من والدي رضي الله عنه أنه لم يكن في وزراء الدولة السلجقية أكمل من كمال الملك حزامة، وصرامة وشهامة. وكتبه بالفارسية تدل منه على فضل غزير، وعلم كثير. ومن معانيها تعرف قواعد الوزراء وقوانينها. وهي رياض ناضرة للناظرين، أزهاها فاغمة للمستنشقين بالريا رياحينها. قال: قال أنوشروان فأول ما شرع فيه الوزير كمال الملك من أمر وزارته، أنه لما وصل إلى أصفهان، تقدم بقراءة منشوره بوزارة العراق من خراسان، ثم دبر في قتل الأمير أحمد ابن بغرا، وبعث السلطان على الفتك بالأمير على بار وأغرى. حتى أفلت منه هربا، واتخذ الليل جملا وأدلج رهبا. فأركب وراءه من رجل نفسه عن بدنه. وأخرج روحه من جسده. ووكل بوزيره الدركزيني واعتقله. وهم بأن يقتله. قال عماد الدين-رحمه الله-: قال والذي: وكان الدركزيني حينئذ صديقي، فاستدعاني، ولما بصر بي دعا على نفسه بالويل، واستجاربي وأخذ مني بالذيل. فقال: "أسألك أن تتوسل لي في أماني من القتل، فقد أيقنت أني مقتول، وإن لم تنصرني فإني لا شك مخذول". فشفعت في حقه إلى أخي عزيز الدين، فما زال بالوزير كمال الملك حتى خلصه. وفتح على ذلك الطائر المشوم قفصه. وكان محبوسا في موضع سبيل الخلاء، فخلى سبيله، فقدر الله أن الشافع فيه بعد عشر سنين كان قتيله. فما عرف والدي ولا عمي-رحمهما الله-أنهما يسعيان في قلع البيت بخلاصه، ويحصلان بتيسير أمره على تعسير أمرهما واعتياصه. فقد كان هذا أبو القاسم للدماء سفاكا. وبالكرام فتاكا. وتفرس فيه الوزير كمال الملك الشر، فأراد أن يريح الناس من غائلته، وأراد الصحيح فما صح له ما أراد. وما بدا من الدركزيني ما بدا منه لو باد. ولكن القدر لا يطاق، والمقدور ما يعاق.

وأصلح الوزير بقتل على بار قلوب الجماعة، واستمالهم إلى الطاعة. فقد كانت في نفوسهم منه إحن. وتمت عليهم باستيلائه محن. فوجدوا بانزعاجه الثبات، وبقتله الحياة. وتقدم الأمير قيصر وترقت درجته. وقامت بالقيام في الدولة حجته. وارتفع شأن أمراء كانوا متضعين، وتحالفوا على طاعة السلطان وترجيح جانبه. والإضراب عن مقاصد عمه سنجر ومطالبه.

Page 269