123

فلما قرب من السلطان مسعود، تحاجز العسكران وباتا على لقاء موعود، والتقيا بالموضع المعروف بكورشنبه، وصدقا الوثبة. وكانت الدبرة في الأول على عسكر فارس، فأصبحت فوارسه فرائس، وأسر منكوبرس وأمر السلطان بقتله بين يديه، وكان شجاعا كريما فأسفت القلوب عليه. وكان الأمير بوزابه من أعظم أصحابه، وأفخم أضرابه، فلما رأى العزيمة، أجلت عن الهزيمة. قال: "إذا سلمنا فقد أبنا بالغنيمة"وحسب أن منكوبرس ناج ولم يدر أن نعيه له مفاج. فلما نعى إليه صاحبه، ضاقت به مذاهبه، وحلف أنه لا يبرح حتى يأخذ بثأره، ويستقيل من عثاره. فعطف على معسكر السلطان مسعود وقد أمن، ووفى له النصر بما ضمن والمضارب قد شيمت، والمضارب قد أقيمت، والسوابق قد أريحت، والسوابغ قد أزيحت. فبينا هم في أغفل حالة إذا هجمهم بوزابه واستخرج كل أمير من مضربه، وسد على كل كبير طريق مهربه. وركب السلطان مسعود فأبلى بلاء حسنا، ولم يترك في الدفاع عن مهجته ممكنا. ثم ولى ومعه قراسنقر هزيما تشله الرماح، هشيما تذروه الرياح. وحصل في قبضة بوزابه اثنا عشر أميرا، منهم صدقة بن دبيس ابن صدقة المزيدي، والأمير عنتر الجاواني، والأمير الحاجب الكبير أرغان، وأتابك سنقر صاحب زنجان، ومحمد بن قراسنقر، وجماعة آخرون، وما منهم إلا من قدمه، وأراق دمه، وشفى وتره، ووفى نذره. وذلك في أواخر سنة 531 ه.

ثم قفل بوزابه إلى فارس واستولى على مملكتها، واستقر في ولايتها . وعاد السلطان إلى سريره، مسلما لقضاء الله وتقديره. وهو الغالب والمغلوب، والسالب المسلوب. وقد بددت عقود سلكه، وبادت سعود ملكه. فجلس لما تم في المأتم، وعاد إلى ما ثم 1من عادة المأثم. واتخذ سواهم ندماء، ورفع غيرهم أمراء.

قال: وفي أثناء هذه الفترة، كان خروج السلطان داود ومعه الراشد. فجرى ما جرى واستشهد الراشد، وانعكست على داود المقاصد، وتمهدت لمسعود القواعد، واتصل بعد ذلك الملك سلجق بأخيه السلطان مسعود، فأقطعه بلاد سكمان من خلاط وأعمالها، ومنازكرد وأرزن، وأضاف إليه الأمير غز أغلي السلاحي مقطع تبريز، فقصدها واستصفاها، فاستخرج أموالها واستوفاها. وأوسعها سبيا وتخريبا، وسام أهلها ظلما وتعذيبا. وما زالت الدولة مضطربة، والفتنة مضطرمة، وأيدي الظلم عائثة، وألسن الذم عابثة، حتى استجد السلطان وزيرا، استجاد لمملكته تدبيرا. وحكم وأحكم، ونقض وأبرم. وهو الوزير كمال الدين محمد بن علي الخازن من أهل الري قال: وكان السلطان استعجز العماد أبا البركات، ووجده في تسكين الخطوب عديم الحركات. فصرفه إلى بيته على أجمل وجه، ولزم موطنه على رفق ورفه 2. ولم يفلت وزير كإفلاته، وكانت الليالي بالسلامة كإفلاته. وشغلته العطلة بصومه وصلاته.

وتولى الوزارة كمال الدين. وكانت وزارته في سنة 533 ه ببغداد، وفي ديوان الاستيفاء كمال الدين ثابت، وفي منصب الإشراف المهذب بن أبي البدر الأصفهاني، وفي كتابة الإنشاء ولي الدين المعروف بسياه كاسه، وفي منصب الطغراء مؤيد الدين المرزبان بن عبيد الله الأصفهاني. فانشرحت الصدور، وانتظمت الأمور.

Page 305