ما دمت قد عدت بالسلامة فاعطنا تلك الرهائن. فقال إننى لم آمنك بعد؛ فلتبق الرهائن حتى أعبر جيحون، فلما عبر جيحون أرسلت إليه ثانيا شخصا فقال: انتظرى حتى أصل إلى مرو، فلما وصل إلى مرو قال: انتظرى حتى أصل إلى نيسابور «1» فلما وصل نيسابور قال حتى أصل إلى الكوفة ومن هنالك إلى المدينة. فلما وصل المدينة أمر الغلمان فحلوا السيوف والمناطق عنهم وأخذوا كل ما كان معهم من ثياب ديباج وذهب وفضة جميعا، وأعطوهم الأكلمة «2» عوضا عنها وشغلوهم بالفلاحة. فضاقوا غاية الضيق وقالوا: أى هوان بقى لدى هذا الرجل لم يعاملنا به، لقد أخذنا أرقاء، ويكلفنا بالأعمال الشاقة، وما دمنا سنهلك فى الهوان فلا أقل من أن نهلك بفائدة، فدخلوا بيت سعيد «3» وغلقوا الأبواب وقتلوه وأسلموا أنفسهم للقتل كذلك. وكان ذلك فى خلافة يزيد بن معاوية. وصار مسلم بن زياد بن أبيه «4» أمير خراسان. وجاء إلى خراسان ومن هناك كون جيشا ووصل إلى بخارى، فرأت الخاتون ذلك الجيش والمعدات وعرفت أن بخارى لا تستطيع مقاومته، فأرسلت إلى طرخون ملك السغد وقالت: إننى أكون زوجة لك وتكون بخارى بلدك، ويجب أن تأتى وتكف يد العرب عن هذا الملك، فجاء طرخون فى مائة وعشرين ألف رجل، وجاء بيدون أيضا من التركستان مع عسكر كثير «1» وكانت الخاتون قد عقدت صلحا مع مسلم وفتحت الأبواب وأبواب القصر الخارجى أيضا. فوصل بيدون ونزل على الضفة الأخرى لنهر خرقان (خرقان رود)، فأخبروا مسلم بأن بيدون وصل، وأن الخاتون بايعته وأغلقوا أبواب المدينة. فبعث مسلم بن زياد بشخص إلى المهلب وقال: قل له يذهب ويرى هذا العسكر ما مقداره، وأن يعد ما يلزم للاستطلاع.
فأجاب المهلب «2»: لا يوفد مثلى فى هذه المهمة، أنا رجل مشهور، فأرسل شخصا إذا عاد سالما يخبرك الخبر اليقين وإذا هلك لا تظهر الهزيمة فى جيشك.
فقال مسلم لا بد وأن تذهب. فقال المهلب إذا كان ولا بد من ذهابى فأرسل معى رجلا من كل لواء ولا تخبر أحدا بذهابى، ففعل كذلك وأرسل معه ابن عمه؛ وذهبوا معه ليلا، فاستطلعوا دون أن يعرف جيش العدو، فلما طلع النهار أدى مسلم بن زياد صلاة الفجر والتفت إلى الناس وقال: لقد أرسلت المهلب ليلة أمس للاستطلاع، ففشا الخبر فى العسكر وسمع العرب وقالوا: إنه أرسل المهلب ليصيب من الغنيمة أكثر منا ولو كانت الحرب قائمة لأرسلنا معه، فأسرع جمع بالركوب، وذهبوا إثر المهلب حتى ضفة النهر، فلما أبصرهم المهلب قال: أخطأتم إذ قدمتم، كنت مستخفيا وها هم يأتون علانية والآن يأخذ الكفار الجميع.
Page 70