أول من ضرب الفضة ببخارى ملك كان اسمه «كانا بخار خداة» وكان ملكا على بخارى ثلاثين عاما، وكان يتاجر فى بخارى بالكرباس والقمح، فأخبروه بأنهم ضربوا الفضة بالولايات الأخرى، فأمر أيضا بأن تضرب النقود الفضية ببخاى من خالص الفضة وأن تنقش عليها صورته بالتاج وكان هذا فى زمان خلافة أمير المؤمنين أبى بكر الصديق «1» رضى الله تعالى عنه. إلى أن كان عصر هارون الرشيد «2» فصار غطريف بن عطا أمير خراسان فى شهر رمضان سنة مائة وخمس وثمانين (801 م). وكان غطريف هذا أخا لأم هارون الرشيد المسماة بالخيزران «3» وهى ابنة عطا ملك اليمن من بلد يقال لها جرش «4» وكانت قد أسرت فى طبرستان «5» وأتوا بها من هنالك إلى المهدى «6». فرزق المهدى منها بولدين أحدهما موسى الهادى والآخر هارون الرشيد. ولما عظم أمر الخيزران جاء غطريف هذا إليها من اليمن وأقام معها فأعطاه هارون الرشيد خراسان. وفى ذلك التاريخ كانت فضة خوارزم «1» قد راجت بأيدى الناس. وكان الناس يأخذون هذه الفضة عن غير رضا، وكانت فضة بخارى تلك قد خرجت من أيدى الناس فلما جاء غطريف ابن عطا إلى خراسان ذهب إليه أشراف وأعيان بخارى وقالوا له «2»:
لم تبق لنا فضة بالمدينة فليأمر أمير خراسان بأن تضرب لنا نفس السكة على نحو ما كانت فضة بخارى قديما، وينبغى أن تكون الفضة بحيث لا يخرجها أحد من أيدينا ولا تخرج من بلدنا حتى نتعامل بها فيما بيننا، وكانت الفضة عزيزة فى ذلك التاريخ، فجمعوا أهل المدينة وطلبوا رأيهم فى هذا الأمر فاتفقوا على أن تضرب العملة الفضية من ستة أشياء هى الذهب والفضة والمسك «3» والقصدير والحديد والنحاس، ففعلوا هكذا، وضربوا تلك السكة القديمة باسم غطريف، أى الفضة الغطريفية.
وكان عامة الناس يسمونها غدريفى. وكانت النقود الفضية القديمة من خالص الفضة. وهذه الفضة التى ضربوها أخلاطا، جاءت سوداء فلم يأخذها أهل بخارى، فغضب عليهم السلطان، فكانوا يأخذونها مكرهين. وقوموا الستة دراهم الغدريفية بدرهم واحد من الفضة الخالصة وأخذ السلطان بهذه القيمة حتى راجت، ولهذا السبب ارتفع خراج بخارى لأن خراج بخارى قديما كان مائتى ألف درهم من الفضة إلا قليلا.
Page 62