كان أبو العباس بن واصل من قواد مهذب الدولة أمير البطيحة، وكان من المخلصين له، فلما انتصر على لشكرستان وطرده من البصرة واستتب أمره فيها طمع بالملك، فخلع طاعة مهذب الدولة، واستبد بالأمور؛ فسير مهذب الدولة جيشا لطرده ففشل جيشه، فجهز له جيشا ثانيا بقيادة أبي سعيد بن ماكولا ففشل أيضا، وقوي أمر أبي العباس؛ فخرج من البصرة بجيشه قاصدا البطيحة، وبعد حروب استولى على أكثرها فاضطربت عليه البلاد، فخاف على نفسه، فترك البطيحة، وعاد إلى البصرة.
وكان بهاء الدولة في تلك الأثناء مقيما في الأهواز، فلما بلغته قوة أبي العباس واستبداده بالبصرة خاف عاقبة أمره، فأحضر عنده عميد الجيوش - أو عميد العراق - أبا علي بن جعفر المعروف بأستاذ هرمز وكان نائبه ببغداد، فجهز له جيشا كبيرا وسيره لقتال أبي العباس ففشل أبو علي، ثم جهز بهاء الدولة جيشا آخر، فاستمرت الحروب بين جيوش بهاء الدولة وبين أبي العباس مدة حتى اضطر بهاء الدولة إلى المسير بنفسه فسار بخمسة عشر ألف مقاتل، فاندحر جيشه وعاد بالفشل، وذلك في سنة 396ه. فطمع أبو العباس ببهاء الدولة، فحمل عليه بجيشه وهو يومئذ بالأهواز، فدحرته جيوش بهاء الدولة وعاد بالفشل، وعلى أثر تلك الهزيمة زحف بهاء الدولة بجيش كبير على البصرة فحاصرها أربعة أيام، فانتصر على أبي العباس فقتله، ودخل البصرة ظافرا في سنة 397ه وأقام بها أياما، ثم ولى عليها الوزير أبا غالب، وعاد هو إلى الأهواز. (9-8) البصرة في عهد سلطان الدولة وجلال الدولة
هدأت الأحوال بالبصرة بعد فتنة أبي العباس حتى مات بهاء الدولة في سنة 430ه، وتولى ابنه أبو شجاع الملقب سلطان الدولة، فولى على البصرة أخاه أبا طاهر الملقب جلال الدولة.
ولما تغلب مشرف الدولة على أخيه سلطان الدولة في سنة 411ه وأخذ العراق منه أقر على البصرة أخاه أبا طاهر، فمكث على إمارة البصرة إلى أن مات مشرف الدولة ببغداد في سنة 416ه، فبويع بالملك أبو طاهر جلال الدولة ابن بهاء الدولة، ولما كان قد استوطن البصرة أيام إمارته عليها أراد أن يتخذها مقرا للسلطنة، فطلب جيش بغداد قدومه إليهم فامتنع، فخرج جيش بغداد عن طاعته، فاضطر إلى المسير إليهم، واستخلف على البصرة ابنه أبو منصور الملك العزيز، وفي أيام إمارة أبي منصور حدثت فتن عظيمة بين الديلم والأتراك في البصرة، فانتصر الأتراك فأخرجوا الديلم منها، فهجم الديلم على البصرة ونهبوا بعض القرى، فخرج لقتالهم أبو منصور فطردهم، وذلك في سنة 419ه، وعلى أثر ذلك أرسل أبو كاليجار ابن سلطان الدولة المستقل بفارس جيشا بقيادة أحد زعماء الديلم بختيار بن علي لأخذ البصرة، وبعد حروب استولى عليها عنوة، وانهزم أبو منصور، فنهب الديلم أسواق المدينة وصادروا أموال تجارها، ودام النهب سبعة أيام، وقتل في هذه الحادثة من البصريين عدد غير قليل. فدخلت سنة 420ه، فولى أبو كاليجار على البصرة أبا منصور بن بختيار القائد ابن علي.
وبلغ الخبر جلال الدولة فجهز جيشا كبيرا وسيره بقيادة وزيره أبي علي بن ماكولا في سنة 421ه فسار أبو علي في أربعمائة سفينة مشحونة بالرجال، ومعه عبد الله الشرابي، فخرج لقتاله أمير البصرة أبو منصور بن بختيار، وبعد حروب انكسر جيشه وانهزم هو وجيشه وتحصنوا بأبي الخصيب، وشرعوا بالدفاع عن أنفسهم، فتبعه أبو علي، فدارت معركة عنيفة دامت أربع ساعات، فانجلت عن اندحار جيش جلال الدولة، ووقوع قائده أبي علي أسيرا.
ولما اتصل خبر الهزيمة بجلال الدولة جهز جيشا ثانيا، فانتصر جيشه ودخل البصرة ظافرا في السنة نفسها - 421، وعلى أثر ذلك جمع القائد بختيار جيشا جديدا فحمل به على البصرة، فدحرته جنود جلال الدولة، وأسروه فقتلوه، وبعد أيام حدث خلاف بين جنود جلال الدولة فتفرقوا، فهجمت جيوش أبي كاليجار على البصرة فدخلتها في سنة 422ه، فولى أبو كاليجار على البصرة ظهير الدين بن أبي القاسم، فسكن الحال في البصرة، حتى إذا ما كانت سنة 424ه حدث خلاف بين أمير البصرة ظهير الدين وبين سيده أبي كاليجار، فاغتنم تلك الفرصة جلال الدولة فسير جيشا بقيادة ابنه الملك العزيز، فلما اقترب جيش جلال الدولة من البصرة انحاز أميرها إلى جلال الدولة، وسلم المدينة إلى ابنه الملك العزيز على شرط أن يكون له كمساعد أو مشاور في تدبير شئون البصرة.
ولم تمض أشهر على إمارة الملك العزيز على البصرة حتى قامت بينه وبين ظهير الدين فتنة أدت إلى حدوث قتال بينهما داخل المدينة، وكانت النتيجة طرد الملك العزيز من البصرة، فانحاز ظهير الدين إلى أبي كاليجار واعتذر إليه فأقره على عمله على أن يدفع إليه في كل سنة سبعين ألف دينار، فدخلت البصرة في ضمان ظهير الدين.
بقي ظهير الدين بن أبي القاسم مستقلا بالبصرة استقلالا إداريا إلى سنة 430ه، فامتنع عن إرسال المال المقرر إرساله إلى أبي كاليجار، وصار تارة يحتمي بجلال الدولة وأخرى يميل إلى أبي كاليجار، حتى اضطر أبو كاليجار إلى إرسال جيش لقتاله، فسير جيشا بقيادة العادل أبي منصور بن مافته في سنة 431ه، وبعد معركتين حوصرت البصرة حصارا شديدا حتى عجز ظهير الدين عن الدفاع، وقتل من جيشه نحو الأربعة آلاف، فاضطر إلى الهرب فوقع أسيرا، وصودرت أمواله المنقولة والثابتة، فاستولى جيش أبي كاليجار على البصرة عنوة، ودخلها ظافرا، وبعد أيام قليلة سار إليها أبو كاليجار فأقام بها أياما، ثم أعطاها بالضمان إلى ابنه عز الملوك على أن يدفع إليه في كل سنة مائة ألف دينار، وجعل له مساعدا وزيره أبا الفرج بن فسانجس، وعاد هو إلى الأهواز.
بقيت البصرة في قبضة عز الملوك بن أبي كاليجار صاحب فارس والأهواز إلى أن تغلب أبو كاليجار المذكور على الملك العزيز أبي منصور بن جلال الدولة، وأخذ العراق منه في سنة 435ه، ثم دخل بغداد سنة 436ه فلقبه الخليفة بمحيي الدين، فتم أمره في فارس والأهواز والعراق.
ومات أبو كاليجار ببغداد في سنة 440ه، فتولى العراق ابنه أبو نصر الملك الرحيم، فعصى عليه أخوه عز الملوك، واستبد بالبصرة في الوقت الذي كانت فيه أحوال الدولة مضطربة جدا، وكان البصريون يومئذ قد كرهوا أميرهم لسوء سيرته معهم، فتمنوا الخلاص منه على يد الملك الرحيم. فحمل الملك الرحيم على أخيه، فالتقى الجيشان في السفن في دجلة في سنة 445ه، فاندحر عز الملوك وعاد إلى البصرة فتحصن فيها، فتبعه أخوه، فلما اقترب منه ثار البصريون على أميرهم فطردوه، وسلموا المدينة إلى الملك الرحيم، واستقبلوه بالترحاب والسرور، وذلك في سنة 446ه، فأقام الملك بالبصرة أياما، ثم ولى عليها أبا الحرث أرسلان بن عبد الله البساسيري التركي، وعاد هو إلى بغداد.
Unknown page