============================================================
ذكر لقمان عليه السلام فيعيدها إليه رجاء أن يزيده الله تعالى بها هذى أو يزيده الله تعالى بها عن ردى وإنه لم يحزن على شيء فاته منها وأنه قد نكح النساء وولد له أولاد فلم يحزن على من مضى منهم بل كان يفرح ويستبشر بذلك وكان لا يمر باثنين يختصمان إلا أصلح بينهما ووعظهما وذكرهما وزجرهما وأنه لم يسمع كلاما قط يعجبه إلا تعلمه وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء والصالحين والمساكين وكان يعتبي القضاة والسلاطين والملوك فيوصي لهم ويرحمهم بما ابتلوا به، وكان يعظهم ويذكرهم ويخوفهم عواقب الأمور ويضرب لهم مثل من خلا قبلهم وكان كثير التفكر بما يعمل فيه قلبه ويديه ولا يدركه سآمة ولا كسل ولا فترة فأعطاه الله تعالى لما علم من صدق بنية الحكمة ومنحة العصمة وصرف الفتنة والبلية وأحب الله تعالى فأحيه وعلمه الحكمة. قال وهب بن منبه: وكان سبب ما أوتي لقمان الحكمة أن الله تعالى بعث إليه طوائف من الملائكة حين انتصف النهار وهذت العيون القائلة فزاروا لقمان ودخلوا عليه بحيث يسمع كلامهم ولا يرى صورهم فقالوا: السلام عليك يا لقمان ورحمة الله وبركاته، قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، قال: من أنتم؟ قالوا: إتا رسل رتك إليك أن نجعلك خليفة في الأرض أن تحكم بين الناس بالحكمة قال لقمان: إن أجبرني على ذلك سمعت له وخضعت وأطعت لأن ربي إن جعلني خليفة في الأرض أحكم بين الناس رجوت آن يعيني على ذلك ويوفقني ويسددني وإن عافاني ربي قبلت العافية ولم أتعرض للفتنة والبلاء، قالت الملائكة ولم يكره الحكم بين الناس بالحق قال لقمان: لأن الحكم بين الناس أشد المنازل في الدين وأكثرها لمعاريض الفتن لأن الحاكم إذا لم يحكم بالحق خذل وإذا حكم بالحق أعين ومن كان في الدنيا ذليلا حقيرا خامل الذكر كان أهون عليه يوم القيامة من أن يكون في الدنيا حكما بين الناس شريفا مهيبا، ومن آثر الدنيا على الآخرة خسرهما جميعا وفارقته الدنيا أستر ما كان بها وأشد اغتياظا وبقي تعبها في عنقه ولا نصيب له في الآخرة قال: فتعجبت الملائكة من حكم قول لقمان واستحسن الرحمن منطقه فوفقه وسدده وأعانه وصرف عنه الفتنة والحكم بين الناس فلما جن الليل وأخذ مضجعه آنزل الله تعالى عليه الحكمة فصبها عليه صبا وغشاه بها من فوق رأسه إلى قدميه وحشا بها جوفه، وهو نائم وأثبتها في قلبه وأظهرها على لسانه فاستيقظ من نومته وهو أحكم أهل الأرض في زمانه فنطق بينابيع الحكمة فبثها في الناس فكان لا يلقى أحذا إلا وعظه وذكره ورغبه في الآخرة وأخبره عن ملكوت السموات وما فيها وعن الجنة والنار وما فيهما ويزهده في الدنيا ويضرب له أمثالها وتقلبها بأهلها فاتبعه الناس واكثروا عليه وأتى الله تعالى داود الخلافة فقبلها ولم يشترط فيها اشتراط لقمان فابتلي بالخطيئة حتى تاب الله تعالى عليه وغفر له وكان
Page 280