============================================================
11 ذكر موسى عليه السلام فانكب عليها يقبلها ويقول: يا أماه قد دنا الأجل وآحببت لقاء ربي فبكت وبكى وودع زوجته صفورا بنت شعيب وقال لها نعم الشريكة كنت لي وجمع ولده وأوصاهم جميعا، قال وكانوا يقولون قبل ذلك لموسى يا نبي الله تعالى لو جمعت لولدك ما يعيشون به بعدك، فكان يقول: يكفيهم لقاط السنبل كما يكفي المسلمين المساكين وقيل إن زوجته قالت له حين ودعها: ادع الله تعالى يا نبي الله تعالى أن يجعلني معك في الجنة، فقال لها: إن أردت ذلك فاضمني لي أن لا تستبدلي ثوبا بثوب حتى ترقعيه ولا تذخري طعاما لشهر فضمنت ذلك فكانت بعد موسى تلقط السنبل وقت حصاد الناس فكان الناس إذا عرفوها طرحوا لها شيئا كثيرا فإذا علمت أتهم عرفوها وأنهم يتركون لها ذلك لحقت بمكان آخر لا يعرفونها، فكان ذلك دأبها ما عاشت فلما ودع موسى آمه وزوجته وولده خرج إلى الناس فدعا يوشع واستخلفه على قومه، ثم خرج هو وملك الموت حتى خرجا إلى البرية فإذا هو بجبرائيل وميكائيل وإسرافيل قيام ينتظرونهما فمروا جميعا فأتوا على قوم يحفرون قبرا عليهم عمائم بيض فاستنشق موسى من ذلك القبر رائحة أطيب من كل رائحة شمها فقال لهم موسى: لم تحفرون هذا القبر؟ قالوا: لعبد يحب الله تعالى والله تعالى يحبه فقال: أتتركوني أن أدخل هذا القبر فأنظر فيه وذلك أنه رأى ساحة ذلك القبر كأطيب مكان وأنزه روضة وأشدها خضرة قال موسى ما رأيت مكانا أحسن منه، فقالت له الملائكة: ادخله يا كليم الله تعالى، فلما دخله واضطجع فيه فرجت له فرجة من القبر إلى الجتة فجاءه روحها وريحانها فقال: اللهم اجعلني ذلك العبد الذي يحفر له هذا القبر فقيض ملك الموت روحه فتقدم جبراتيل فصلى عليه وخلفه الملائكة وهالوا عليه التراب ومضوا وروى في خبر وفاة موسى أن جبرائيل عليه السلام أتاه وأخبره أنه قد قرب أجله فاغتم موسى وذلك لما كان له من البنات الصغار، ويقال كان له ابشتان فخرج موسى من محلة بني إسرائيل إلى ساحل البحر وكان موسى وهارون يقدران على الخروج من التيه حيث أرادوا ولم يكن التيه محرما عليهما قال: فجاء موسى ساحل البحر وقعد هنالك مغما فأرسل الله تعالى إليه ملكا، فقال: يا موسى ما لك مغتما فأخبره موسى أن اغتمامه لما أخبر به من قرب أجله ولأجل بناته الصغار بلا ولي ولا حافظ قال: فصعد الملك ثم رجع إلى موسى وقال: يا موسى إن الله يأمرك أن تضرب البحر بعصاك فضرب البحر بعصاه فانفلق البحر فظهرت في البحر صخرة فقال الملك: اضرب الصخرة فضربها بعصاه فانفلقت الصخرة وخرجت من جوفها دودة حمراء في فيها ورقة خضراء فتأكلها، فقال الملك: إن الله تعالى يقرئك السلام ويقول يا موسى أتغتم لبناتك وأنا الرزاق الذي لا أنسى الدودة الضعيفة في جوف هذه الصخرة في قعر هذه اللجة العميقة وأوصل إليها رزقها فكيف أضيع بناتك بعدك، فقال موسى: يا رب نعم الرزاق أنت، ونعم الكافل أنت
Page 216