وقصة الكفاح الذي كافحنا به الدول الثلاث التي أغارت علينا بقواتها في البر والبحر والهواء لا تزال ماثلة في أذهان الجمهور. ولكن شيئا واحدا يجهله الجمهور وهو أن أمريكا التي كانت تبدو كأنها تدافع عنها وتلوم المغيرين ، هذه الدولة طلبنا منها في الأيام الأولى من القتال أن تسعفنا بالقمح لأن ما كان عندنا منه لم يكن ليكفي أكثر من ثلاثة أسابيع؛ فرفضت. وأصررنا على الطلب، فرضيت بشرط أن ندفع الثمن بالدولارات، ولم تكن عندنا دولارات.
وكانت خطة الولايات المتحدة أن تغزونا من الداخل أي تنتظر حتى يعم بيننا قحط يحمل الجائعين على الثورة. وعلى الاستنجاد بالأمريكيين.
هذا هو الذكاء العظيم الذي تفتق عنه ذهن أيزنهاور الذي كان يلوم فرنسا وبريطانيا وإسرائيل؛ لأنهم أغاروا علينا فجعلوا العالم يستنكر خططهم. أما خطته فلن تستنكر. أليس العالم «الحر» حرا في أن يبيع القمح أو لا يبيع؟
وعمدت حكومتنا إلى الدولة السوفيتية الاشتراكية وطلبت منها إسعافنا بالقمح. فلبت الطلب فورا.
ومن ذلك اليوم إلى الآن يشكو أحد وزرائنا لغطا في القلب لفرط ما فزع عندما اعتقد أن الشعب سيجوع وأنه هو المسئول.
إن «الديمقراطية» الغربية كانت تنوي إيجاد مجاعة في بلادنا كي نخضع ولكن الاشتراكية السوفيتية أنقذتنا. فلم نجع، ولم نخضع، ولم ينقلب نظام الحكم، ولم يرجع فاروق، وبقيت جمهوريتنا سليمة. •••
وقصة علاقاتنا مع الدولة السوفيتية من أروع القصص التاريخية، فإنها تحوي ألوانا من النذالة والشهامة، والشرف والدناءة.
والشهامة والشرف في جانب الاتحاد السوفيتي والنذالة والدناءة في جانب الدول الغربية التي تصف نفسها بأنها حرة وبأنها ديمقراطية، ولا تذكر نفسها بأنها دول استعمارية قتلت الألوف من الهنود والمصريين والجزائريين بعد أن نهبت ثرواتهم.
ذلك أننا - عقب ثورة أكتوبر في 1917 - حين استولى البولشفيون على الحكم، قاطعنا دولة الاتحاد السوفيتي بإيعاز بل بإلزام من الإنجليز. وكان يكون معقولا - في عرف السياسة الاستعمارية السائدة وقتئذ - لو أن هذه المقاطعة اقتصرت على التبادل الدبلوماسي. ولكن الإنجليز جعلوا هذه المقاطعة تجارية أيضا. فكانت الدولة السوفيتية إذا احتاجت إلى القطن المصري رفضنا نحن بيعه لها. وعندئذ كان الإنجليز يشترون منا ما يحتاج إليه السوفيتيون ويبيعونه لهم. وفرق الثمن يذهب إلى جيوبهم. وكنا نرضى بهذه الحال ...
وبقينا على نحو ذلك عشرين سنة نرفض بيع قطننا للروس وغير الروس من دولة الاتحاد السوفيتي. وذلك بزعم أن الشيوعية تدخل بلادنا إذا تعاملنا مع السوفيتيين.
Unknown page