Tarbiya Wa Taclim Fi Islam
التربية والتعليم في الإسلام
Genres
أمر النعمان «ابن المنذر اللخمي» (؟-8ق.ه) فنسخت له أشعار العرب ثم دفنها في قصره الأبيض، فلما كان المختار ابن أبي عبيد «الثقفي أمير الكوفة» (؟-68) قيل له إن تحت القصر كنزا، فاحتفره فأخرج تلك الأشعار؛ فمن ثم أهل الكوفة أعلم بالشعر من أهل البصرة.
221
فهذا يدل على أن العرب كانوا قبل الإسلام قد دونوا بعض أشعارهم وتراثهم الأدبي الذي يفخرون به ويعتزون باحتوائه. ولا ريب في أن أبا قابوس النعمان إنما فعل ذلك افتخارا بآثار قومه، وقد كان من الملوك الذين ازدهت بهم الحيرة لعلمه وفضله، ولأنه كان ممن يتذوقون الشعر، وكان بلاطه موئلا لفحولة الشعراء أمثال النابغة الذبياني، وحسان بن ثابت، وحاتم الطائي، وغيرهم من أئمة الشعر العربي، وهو صاحب قصة إيفاد الحكماء العرب إلى كسرى، وهو باني مدينة النعمانية على ضفة دجلة اليمنى، وليس هذا الخبر مكذوبا اخترعه حماد الراوية الذي يتهمونه بالوضع، وإنما هو خبر روى مثله أيضا هشام الكلبي (؟-206) المحدث الراوية النسابة المشهور الموثق؛ فقد قال: «كنت أستخرج أخبار العرب وأنسابهم وآل نصر بن ربيعة ومبالغ أعمار من ولي مهمة لآل كسرى وتاريخ نسبهم من كتبهم بالحيرة.»
222
ونحن حين نقول هذا القول لا نقصد أن العلم والتدوين وما إليهما كانا منتشرين في المدن والقرى العربية قبل الإسلام انتشارا عاما، ولكننا نريد أن ننفي القول بفشو الأمية والجاهلية وسيطرتها، وعدم وجود التدوين عند العرب أصلا قبل أواسط القرن الثاني للهجرة كما زعم أولئك المستشرقون والشرقيون؛ فقد رأيت أن الكتابة كانت فاشية عند العرب قبل الإسلام، وبخاصة في المدينة ومكة والطائف والحيرة ومدن مشارق الشام العربية ومدن اليمن وحضر موت؛ لأن قوما كانت لهم تلك الحضارة لا يمكن أن يكونوا أميين، وما يقال عن عرب ما قبل الإسلام - ولا أبيح لنفسي أن أسم ذلك العهد بسمة الجاهلية - يقال عن عرب صدر الإسلام؛ فقد كانت الكتابة منتشرة في البيئة النبوية في المدينة، وفي العواصم الإسلامية التي شادها العرب في الديار التي فتحوها كالبصرة والكوفة في العراق، والفسطاط والقطائع في مصر، والقيروان في شمالي إفريقية، وفي عواصم الأقاليم التي دخلوها كدمشق وحلب وبيت المقدس والمدائن والري وغيرها.
وكان معلمو الصحابة كأبي الدرداء وأبي ذر وأبي موسى الأشعري وأبي بن كعب وجبير بن حية، وغيرهم من علماء الصحابة، يحلقون حلق العلم في مساجد العواصم الإسلامية التي يحلون فيها. قال سويد بن عبد العزيز: كان أبو الدرداء «عويمر بن مالك الأنصاري (؟-32) قاضي دمشق»
223
إذا صلى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه، فكان يجعلهم عشرة عشرة، وعلى كل عشرة عريف، ويقف في المحراب يرمقهم ببصره، فإذا غلط أحدهم يرجع إلى عريفهم وإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء فسأله عن ذلك.
224
وقال مسلم بن مشكم: قال لي أبو الدرداء اعدد من يقرأ عندي القرآن، فعددتهم بأمره ألفا وستمائة ونيفا، وكان لكل عشرة منهم مقرئ.
Unknown page