Tarbiya Wa Taclim Fi Islam
التربية والتعليم في الإسلام
Genres
معلومات جغرافية عامة عن الكون والبلدان المحيطة بهم وأقاليمها؛ فقد أفادوا من رحلاتهم التجارية وسفراتهم البحرية والبرية فوائد جليلة، وكان لأهل الحجاز والبحرين ونجد رحلات مفيدة. ويدل سفر نفر من المسلمين الأولين إلى الحبشة على أنه قد كانت للقوم معلومات عن تلك الأصقاع، كما كانت عندهم معلومات عن بلاد النوبة وفارس ومصر والجزائر المحيطة بديارهم. (4)
معلومات فلكية وطبيعية. وقد أطنب البلدانيون العرب والمسلمون في معرفة أهل «الجاهلية» بالنجوم ومنازل الشمس والقمر والأفلاك وحركاتها والاهتداء بها في البر والبحر، كما ذكروا أنهم كانوا ملمين بالأحوال الجوية والطبيعية لديارهم، وفي شعر ما قبل الإسلام وبعده كثير من النصوص التي تدل على هذا، ولا شك في أنهم أفادوا معلومات كثيرة من جيرانهم الصابئين والكلدانيين. (5)
معرفة جيدة بالطب والبيطرة والصيدلة والبيزرة وما إلي ذلك. وقد اهتدوا إلى كثير من هذا بتجاربهم الخاصة، كما أفادوا كثيرا من خبرة جيرانهم الكلدانيين فيه. والطب العربي القديم طب ذو شقين: شق يعتمد على العقاقير والنباتات والمداواة المادية من كي وجراحة وفصد وبتر وشق، وقد كان لهم في هذا النوع من الطب فضل وعلم وافر. وشق يعتمد على الرقى والتعاويذ والتمائم والسحر، وليس في هذا النوع علم ذو شأن أو خطر. ومن مشهوري أطبائهم حكيم العرب لقمان، وابن حزيم، والحارث بن كلدة الثقفي الفيلسوف، والعاص بن وائل السهمي، وكان بارعا أيضا بعلم الحيوان ... وغيرهم. (6)
علم الآداب من نثر وشعر، وأمرهم في هذا أشهر من أن نبحث عنه ها هنا. (7)
بحوث في الكهانة والعرافة والفراسة والريافة وما إلى ذلك، وقد تواترت عنهم في هذا معلومات طريفة مفيدة اختلط فيها الباطل بالفاضل، مما لا مجال للبحث عنه هنا، ولكنه على أية حال يحتوي على كثير من المعلومات العملية المفيدة. (8)
إلمامات واطلاع على شيء من أحوال اللغات الأجنبية من كلدانية وسريانية وعبرانية ورومية وحبشية وفارسية. فأغلب ظني أن نفرا من أهل مكة والمدينة والطائف وخيبر كانوا يتقنون بعض هذه اللغات، وأنهم كانوا يثقفون بها أذهان أبنائهم، وخصوصا من كان يطمع منهم في أن يجعل ابنه تاجرا يزور ديار تلك اللغات أو متدينا بديانة اليهود والنصارى يريد أن يتعمق في دراستها. ثم إن كثيرا من مفردات تلك اللغات قد غزت اللغة العربية منذ أقدم العصور، وجاء بعضه في القرآن والشعر القديم؛ فلا شك إذن في أن هذه اللغات كانت معروفة بينهم، فاشية أو شبه فاشية في محيطهم.
هذا - فيما نظن - نمط مما كان يعرفه العرب في «جاهليتهم»، وهو دال دلالة قاطعة على أن القوم قبل ظهور الإسلام كانوا أمة مثقفة لها علم ولها اطلاع على كثير من مقومات الحضارة، كما كانت لهم معرفة بقواعد التربية والتعليم ومؤسسات خاصة بالتربية والتعليم. وإنهم في الدور الأول من هذه الأدوار التاريخية الأربعة كانوا أصحاب علم ورجال فكر، فلما جاء الإسلام في الدور الثاني جاء ليتمم ما كان عندهم ويكمل لهم العدة لتثقيف العالمين ونشر دين الله في الخافقين. فلننتقل إلى الدور الثاني لنرى آثار الإسلام في تطوير النفس العربية وفي صقلها وتهيئتها للرسالة الملقاة على عاتقها، ولنتعرف إلى تلك المبادئ التربوية التي جاء بها الرسول العربي محمد الأمين
صلى الله عليه وسلم .
الدور الثاني
هو دور ظهور الرسول العربي بالدعوة الإسلامية. وقد رأينا في الدور الأول أن الأمة العربية كانت منقسمة في ثلاثة أقاليم؛ في الشمال والوسط والجنوب، وأنه قد كان في كل إقليم من تلك الأقاليم أسس خاصة بالتربية وما إليها من ركائز الحضارة وأعمدة العمران، ولكنها كانت متفرقة لا رابط قويا بين أجزائها، فلما أن جاء الرسول عمل على توحيد الأمة في ميادين السياسة، بل في كل شيء، وكان عمله حاسما وسريعا جدا، والسبب في ذلك أن القوم - كما رأينا - كانوا مزودين بما يجب لهذه الوحدة؛ فتحمسوا للدعوة الجديدة، وتوحدوا بسرعة بنعمة الله وفضله؛ فصاروا أمة موحدة، ذات مبادئ واحدة وأهداف مشتركة ورسالة خالدة تشعر بوجوب تأديتها، وصار الفرد العربي الذي كان يعتز بقبيلته وأفقها المحدود واسع الآفاق، كبير الآمال يتلو قول الله في القرآن:
Unknown page