Tarbiya Fi Islam
التربية في الإسلام: التعليم في رأي القابسي
Genres
وقد نهى سحنون أن يطلب بعض المعلمين هدايا من الصبيان؛ لأنه: «لا يحل للمعلم أن يكلف الصبيان فوق أجرته شيئا من هدية أو غير ذلك، فإن أهدوا إليه على ذلك فهو حرام، إلا أن يهدوا إليه من غير مسألة.» 62-أ.
ومن العادات المذمومة أن يبعث المعلمون صبيانهم إذا تزوج رجل أو ولد له «فيصيحون عند بابه ويقولون: أستاذنا ... بصوت عال. فيعطون ما أحبوا من طعام أو غير ذلك، فيأتون معلمهم، فيأذن لهم يتبطلون بذلك نصف يوم أو ربع يوم بغير أمر الآباء. وهذا شديد الكراهية، لعل صاحب التزويج أو أبا المولود لا يعطي ما يعطي إلا تقية من أذى المعلم أو أذى صبيانه، أو من تقريع بعض الجهال، فيصير المعلم من ذلك إلى أكل السحت، ولا يفعل هذا إلا معلم جاهل.» 62-أ.
وقال في موضع آخر: «ولا يحل للمعلمين أن يأمروا الصبيان أو يكلفوهم إحضار طعام أو غيره، وإن قل قدره، كالحطب وغيره، من بيوت آبائهم.» 66-أ.
ومن الوصف السابق يتضح لنا سلطان المعلم على الصبيان، وقوة شخصيته وخضوع الصبيان لأمره، إلى درجة أن القابسي يعد صبيان المعلم جزءا منه، إذا وقع منهم الأذى فهو المسئول عنهم.
ومن هذا الوصف لسلوك المعلم تتضح لنا صفحة من صفحات التاريخ، وجزء من التقاليد التي سادت في القرن الرابع.
ولا نحب أن نسوغ هذه الأفعال للمعلمين، ولكننا نقول: إن الشعب مسئول عن إفسادهم في هذه الناحية، إذا اعتبرنا الطلب نوعا من الفساد الخلقي. ذلك أن عادة الطلب والسؤال جاءت من جهتين: الأولى العطية على الختمة، والثانية عطية الأعياد. وقد جرت عادة الناس أن يعطوا في الحالتين: فرحا بختم أولادهم القرآن وابتهاجا بقدوم الأعياد.
روي أن سحنون قضى بسبعة دنانير في ختمة البقرة.
7
وحكى ابن الدباغ أن عبد الله بن غانم الرعيني - قاضي القيروان عام 171 - دخل عليه يوما ولد صغير له من المكتب فسأله عن سورته فقال: حولني المعلم من سورة الحمد. فقال له اقرأها، فقرأها. فقال له تهجها، فتهجاها. فقال له أبوه: ارفع ذلك المقعد فرفعه، فإذا تحته دنانير دون العشرين وفوق العشرة، فقال له: ارفعها إلى معلمك، فرفعها إليه فأنكرها المعلم على الولد، وظن بعض الظن، وحملها إلى عبد الله بن غانم. فقال له عبد الله كالمعتذر: لعلك رددتها استقلالا لها! فقال المعلم: ما أتيت لهذا، وإنما ظننت ظنا. فقال له القاضي: أتدري ما علمته يا معلم؟ كل حرف منها خير من الدنيا وما فيها.
8
Unknown page