Tarbiat Al-Quran Ya Waladi
تربية القرآن يا ولدي
Publisher
مطبعة الشعب
Edition Number
الأولى-١٤٠٠ هـ
Publication Year
١٩٨٠ م
Publisher Location
بغداد
Genres
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الكتاب: تربية القرآن يا ولدي
المؤلف: العلامة الشيخ / محمود غريب
(أسلم على يدي المؤلف خمسةٌ من علماء أوربا في فترة السبعينيات)
الناشر: مطبعة الشعب - بغداد
الطبعة: الأولى - ١٤٠٠ هـ - ١٩٨٠ م
تنبيه:
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
جَزَى اللَّهُ كَاتِبَهُ وَمَنْ تَحَمَّلَ نَفَقَةَ الْكِتَابَةِ خَيرَ الجَزَاءِ وَأَوفَاهُ.
****************
الكتاب واحد من الكتب التي تم تدريسها لطلاب المعاهد والجامعات.
من عناوين الكتاب:
الباب الأول
في هذا الباب:
بين منهجين.
* الأم أولًا.
* الأسماء علامة أو كرامة؟
* لا يا مستر "فرويد".
* طبائع مختلفة، والطريق واحد
الباب الثاني
في هذا اللقاء:
* خالق النفس أولى بتربيتها.
* هل يستطيع العلم هداية الناس؟
* بناء الفرد بناء للأمة.
* العقل الذي يعنيه القرآن.
* قرآن للجميع.
* الحقيقة بلا فلسفة.
* جدل القرآن بين الشدة واللين.
* وإنَّا أو إيَّاكم.
الباب الثالث
في هذا الباب:
* المسرحية ناقصة.
* محكمة العدل المطلق.
* الإبداع والإرجاع.
* يخرج الحي من الميت.
* في ساحة الحساب.
الباب الرابع
أحسن القصص
في هذا الباب:
* سمات القصة القرآنية.
* عندما يذكر القرآن المكان والزمان.
* لماذا أعرض القرآن عن ذكر أسماء الأبطال.
* ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾
* إشباع المخيَّلة يَمهَّد لإقناع العقل.
* لا يا دكتور ...
1 / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، وسلام على النبي المصطفى،
ثم أما بعد.
فهذه الرسالة خطوات نحو منهج القرآن في تربية العقل. سقتها في صورة حوار، يجمع بين عمق الفكرة، ووضوح الأسلوب.
والبشرية اليوم أخفقت في وضع منهج بصير في التربية، بمقدار إخفاقها في فهم أسرار النفس الإنسانية.
وسوف تظل النفس الإنسانية لغزًا غامضًا يحطِّم غطرسة علماء الغرب والشرق، لأنًّ النفس الإنسانية فرع من الروح، التي أصدق ما قيل فيها: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ .
فليس بِدَعًا من القول أن نقول: إن الله وحده هو صاحب الصلاحية الفذة في تربية النفس وإصلاحها، ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ .
1 / 5
فمع القرآن، إن أردنا السلامة.
والذي تولىًّ كبره سوف يعرف نهاية الطريق.
والله أسئل أن يجعل هذه السلسلة - سلسلة يا ولدي - نافعة للمربَّين هادية إلى الطريق، وأن يجعلها في صحيفة عملي يوم ألقاه.
محمود غريب
بغداد في مطلع القرن
الخامس عشر الهجري
1 / 6
الباب الأول
في هذا الباب:
بين منهجين.
* الأم أولًا.
* الأسماء علامة أو كرامة؟
* لا يا مستر "فرويد".
* طبائع مختلفة، والطريق واحد
1 / 7
بسم الله الرحمن الرحيم
تعود الشيخ أن يبَش في وجه الضيوف على الإطلاق، إلا من جاء بموضوع - الطلاق - لما يترتَّب عليه من شقاق وفراق.
والآن ندخل بيت الشيخ في حياء. مع بعض الأصدقاء.
عارف: أعجبني مقالك الأخير في موضوع تربية الأولاد، وضرورة احترام عقلهم، والرفَّق بهم.
وكنت موفَّقًا عندما قارنت بين منهج النبي ﷺ
ومنهج الخليل إبراهيم ﵇ في علاج موضوع الأصنام.
مكارم: هذا رأي أعتز به، وجزاك الله خيرًا.
فالحقيقة التي يجب أن يتنبَّه لها كل دارس هي أن الخليل إبراهيم ﵇ حاول أن يكسر الأصنام ليوقظ العقل البشري، وليقيم لأتباعها الدليل المادي على ضعف أصنامهم، حتى عن الدفاع عن نفسها.
ولكن سرعان ما عادت الأصنام إلى الوجود واستمر الناس على عبادتها.
1 / 9
فلما جاء نبيَّنا محمد ﷺ عاش أكثر من عشرين عامًا يتعامل مع العقل البشري.
ويحاول أن يصل إليه من كل جانب حتى استطاع أن يوقظ العقل من سُباته.
وأن يجعل من الذين عبدوا الأصنام مَن يكسَّرها بيده، وأن يسخر من نفسه عندما يتذكًّر عبادته لها.
إن خالد بن الوليد - الذي قاتل المسلمين يوم "أحد" من أجل (العزَّى) هو الذي كسَّرها بيده يوم فتح مكة، وهو يردد:
يا عزًّى كُفرانَكِ لا سبحانك.... إنَّي رأيت الله قد أهانك
وأبو سفيان - الذي حارب الإسلام أكثر من عشرين عامًا - من أجل "اِللًاّت وهبل" هو نفسه الذي كسَّر (اللات) وبنى مكانها مسجدًا.
وعمرو بن الجموح - الذي كان يضع الطيب على صنمه، ولا يحلف إلا به، ولا يقدم النذور إلا له، هو الذي هجا صنمه عندما حطَّمه، وألقاه في بئر بجوار كلب ميَّت فقال:
واللهِ لو كنتَ إلهاَ لم تكن ... أنت وكلب وسط بئر في قَرن
1 / 10
فالحمد لله العلي ذِي المنن ... الواهب الرزاق ديان الدين
هو الذي أنقذني من قبل أن ... أكون في ظلمة قبر مرتهن
بأحمد الهادي النبي المؤتمن.
لقد وصل الأمر بالصحابة - رضوان الله عليهم -
إن جعل عمر بن الخطاب التبرك بالشجرة التي بايع المسلمون النبي تحتها "بيعة الرضوان" اعتبر عمر التبرك بها لونًا من الوثنية التي خلصهم الإسلام منها، فقال: ألا لا يأتيني رجل عاد لمثلها إلا قتتلته بالسيف، كما يقتل المرتد وأمر بقطع الشجرة.
لقد انتهت الأصنام من القلوب، فانتهت من الوجود كله، ولم تقم لها قائمة بعد النبي ﷺ.
يا سيد مكارم: إن النبي ﷺ لم يحطم الأصنام المادية فقط، بل حطم معها تأليه البشر وعبودية الرجال.
وقصة فرعون، والنمرود، نماذج لتأليه البشر.
مكارم: ولكن كيف استطاع النبي ﷺ أن يوقظ العقل
1 / 11
البشري لأمَّة كاملة في هذا الوقت المحدود؟
عارف: أرى أن يقظة المربي، وسلامة المنهج، هما السبب في نجاح دعوة النبي ﷺ ولا ننس مَدَدَ الله العظيم للنبي الكريم ﷺ، فإن معجزة النبي الأولى، هي القرآن، ومعجزته الثانية هي تربية الرجال، الَّذين لم تعرف الدنيا مثلهم.
مكارم: نحن بحاجة إلى معرفة هذا المنهج لننقذ أولادنا.
عارف: يا أستاذ مكارم:، إنك تستطيع أن تكسر زجاجة الخمر من يَدِ ولدك ولكنَّه سيذهب ويشتري غيرها.
وإذا ضيَّقت عليه ماديًا، ربَّما سرق، ويشتري الخمر.
ولكنك إذا استطعت أن تقنعه بضررها، وتسجل له حالته وهو يهذي من السكر، وكيف أن الأطفال في الشوارع كانوا يعبثون به.
إذا استطعت ذلك فسوف تختفي الخمر من حياته إلى الأبد.
مكارم: سبحان الله!!
لمست المشكلة التي جئت من أجلها.
ولدي في طريقه إلى الضياع.
1 / 12
أهمل دراسته، وساء خلقه، وانحدر إلى الخمر.
لقد يسَّرت له كل شيء.
خادمة خاصة، وغرفة خاصة، وسيَّارتي تحت تصرفه.
ومع ذلك ليست مطمئنًا عليه.
عارف: لماذا تركته للخادمة؟
أين أمه؟
مكارم: طلَّقتها.
لقد فَشِلت كل السبل في إصلاحها.
شغلتها المرآة عن كل شيء.
كانت - سامحها الله - لا دين ولا خلق.
طلقتها وتمثلت قول الشاعر:
رحلت أميَّة بالطلاق ... وعُتقت من رق الوثاق
بانت فلم يألم لها ... قلبي ولم تبكِ المساق
لو لم أرَح بفراقها ... لأرحت نفسي بالإباق
عارف: إلى هذا الحد ساء ما بينكما؟!
1 / 13
مكارم: كنت أشعر أن الله لم يشرع الطلاق إلا لمثل حالتي.
عارف: لعلك لم تحسن الاختيار عندما بحثت عن زوجة؟
ونسيت قول رسول الله ﷺ:
" تخيَّروا لنطفكم، فإن العِرقّ دساس ".
مكارم: لقد فرض عليّ أبي أن أتزوج منها.
واحترامًا لرأي أبي تزوجتها، وبدأت المأساة مع بداية البيت الجديد.
عارف: تزوجتها احترامًا لرأي أبيك؟ أم احترامًا لمساعداته المادية لك؟
التي شرطها بقبول الزواج؟!!
مكارم: أردت أن أضرب عصفورين بحجر، فطار العصفورين،
ووقع الحجر على رأسي.
عارف: رأي الوالدين في موضوع الزواج، رأي استشاري فقط.
والكلمة الأخيرة شرعًا في القبول أو الرفض للشاب الذي يرغب في الزواج.
يا أستاذ مكارم: ...
جاء في كتاب "عمدة القارئ" في شرح صحيح البخاري جـ ٢ ص ١٢٩:
1 / 14
عن الخنساء بنت حزام الأنصارية، أن والدها زوجها - وهي ثيَّب - فكرهت ذلك فأتت النبي ﷺ فرد النبي ﷺ نكاحها.
وفي سنن النسَّائي. وابن ماجه.. وصحيح الإمام أحمد. عن عبد الله بن بريد، عن عائشة ﵂ أن فتاة جاءت إلى النبي ﷺ فقالت:
إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، وأنا كارهة.
فأرسل النبي ﷺ إلى أبيها فدعاه. فجعل الأمر إليها. "يعني في أن توافق أو يفسخ النبي العقد" فقالت الفتاة:
والله يارسول الله: قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إِلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ "،
- فالزواج - يا أستاذ مكارم: - عملية نفسية. وعطاء متبادل.
كل من الزوجين بحاجة إلى الآخر.
بحاجة أن يعطي عطاء الأب الكريم.
وبحاجة أيضًا إلى من يعطف عليه عطف الأمْ على طفلها
وهذا لا يكون إلا مع الانسجام النفسي.
1 / 15
الزواج مقياس لسعادة المجتمع. وعلى قدر نجاح الزواج أو فشله يقاس سعادة المجتمع أو شقاؤه.
لذلك اهتم الإسلام كثيرًا بموضوع الزواج، ليضمن سلامة البناء الاجتماعي.
وحاول الإسلام أن يضع الزواج في إطار الإحصان الأخلاقي، ليجنبه المزالق.
فالزواج عندما ينبني على الأسس الإسلامية يدوم. وتدوم معه السعادة.
فالدنيا متاع ... وخير متاعها الزوجة الصالحة.
ويفسَّر النبي ﷺ صلاح الزوجة فيقول:
إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ
وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ
وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ
وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ.
وكم يخاف النبي ﷺ على المسلمين أن يخطئوا طريق اختيار الزوجة، فيبنوا زواجهم على منافع دنيوية، ومكاسب مادية.
1 / 16
إن رغبة الإنسان في المال والجاه والجمال رغبة فطرية.
ولكن النبي ﷺ
يترفَّع بالمسلم أن يجعل الزواج وسيلة لإشباع
هذه الرغبات فقط، لما في ذهنك من انحراف بالزواج
عن رسالته الكبيرة.
روى أنس ﵁ عن النبي ﷺ
قال: من تزوج امرأة لعزها، لم يزده الله إلا ذلًا.
ومن تزوج امرأة لمالها، لم يزده الله إلا فقرًا.
ومن تزوج امرأة لحسبها، لم يزده الله إلا دناءة.
ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره.
ويحصَّن فرجه، أو يصل رحمه، بارك الله له فيها، وبارك لها فيه.
صيحات دائمة، تركها النبي ﷺ في ضمير المسلم. حتى يحفظ البناء الأُسْريًّ، ويدوم الزواج:
1 / 17
والنبي أيضًا يقول:
"لَا تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ وَلَا تَزَوَّجُوهُنَّ لِأَمْوَالِهِنَّ فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ وَلَأَمَةٌ خَرْمَاءُ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ. (ابن ماجة: ١٨٤٩)
مكارم: أمَة سوداء ...؟!
يا شيخ عارف المرأة الجميلة تسبَّب عفَّةً للزوج من النظر للنساء الأجنبيات.
عارف: الرسول ﷺ
لم يهمل جانب الجمال في حياة الأسرة.
وهو الذي قال: أن نظرات إليها سرتك ...
ولكن النبي ﷺ لا يريد أن
يجعل الجمال هو السبب الوحيد للاختيار.
على أن غض البصر مسألة تعوُّد وتربية.
فمن أعتاد أن ينظر إلى النساء - ولم يعصمه دينه - لا يقتنع بزوجته الحلال مهما كان جمالها.
1 / 18
لأن الجمال مسألة نسبية - لا تنتهي إلى حد أعلى.
ولأن الزواج يشبع غريزة حب الملكية في الزوجين، فتبدأ هذه الغريزة في البحث عن ممنوع آخر. فلا يقتنع بزوجة، مهما كان جمالها.
يا أستاذ مكارم: غض البصر مسألة تحتاج إلى تربية وأخلاق.
وإن كنت لا أنكر دور الزواج في إعانة المسلم على غض البصر.
الزوجة الصالحة يا أستاذ مكارم: تعين زوجها على شق طريقه في الحياة آمنًا.
سألت في يوم أحد الشعراء الكبار الذين تعودت أذنهم أن تسمع صيحات الإعجاب في كل ناد ومحفل.
سألته: أي كلمة دفعتك إلى الأمام؟
فقال لي:
إن إعجاب زوجتي بشعري، وإيمانها بدوري عزائي في فشلي، ودفعني إلى الأمام.
ولا يستطيع دارس للدعوة الإسلامية أن ينكر الدور العظيم الذي أدته السيدة خديجة ﵂ لرسول الله ﷺ
1 / 19
لقد كانت له حنان الأم، وابتسامة الأمل، وكم أمدته بمالها عندما بخل الناس.
إن إيمان زوجات النبي ﷺ برسالته حفظ ظهره، وفرغه للتطلع إلى الأمام.
لكنَّ نوحا ولوطا ﵉ كانا يقاتلان في جبهتين.
جبهة خطيرة في البيت، وجبهة عريضة مع الناس.
لذلك كثر جهدهما، وقل أنصارهما ﵉ من الله -.
يا أستاذ مكارم:
إن القرآن الكريم امتدح الزوجة المسلمة وأثبت دورها في أمان البيت وسعادته.
قال تعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ ٣٤ النساء
فهن حافظات للغيب - لأسرار بيوتهن، ولأسرار أزواجهن.
والأكثر من هذا أكَّد القرآن دور المرأة في إصلاح زوجها إن خافت سقوط بيت الزوجية فقال تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا
فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ .
1 / 20
فالمرأة الصالحة هديَّة القدر لمن فاز بها.
وخلق المرأة ودينها متعة دائمة.
ألا أن النساء خُلِقْنَ شتَّى ... فمنهن الغنيمة والغرام (١)
ومنهن الهلال إذا تجلَّى ... لصاحبه ومنهن الظلام
فمن يظفر بصالِحهنًّ يظفر ... ومن يُغبْن فليس له انتظام
مكارم: لقد غُبِنْتُ يا شيخ عارف، ودفعت الثمن غاليًا.
فإن مستقبل ولدي في خطر.
لكنني - والحمد لله - اخترت له خادمة تعطيه عطاء الأم.
عارف: رحم الله أحمد شوقي عندما قال للنبي ﷺ:
(١) الغرام: الغُرم الملازم للإنسان ملازمة الغريم لغريمه ومنه قوله تعالى ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾
1 / 21
فإذا رحمت فأنت أم أو أب ... هذان في الدنيا هما الرحماء
وكلامك هذا يذكرني بقصة طريفة قرأتها وأنا صغير".
تروى أن أحد الملوك خرج للتنزه، فوجد مزرعة كبيرة ووجد حمارًا يدير ناعوره (ساقية) وفي رقبته جرس، فسأل الفلاح عن سِرِّ وجود الجرس في رقبة الحمار؟
الفلاح: وضعت هذا الجرس ليحدث صوتًا كلما يتحرك الحمار، فإذا انقطع الصوت تنبَّهت وزجرت الحمار.
الملك: فماذا تعمل إذا وقف الحمار وهزًّ رأسه ليخدعك؟
الفلاح: (يضحك ويقول) ومن أين لي بحمار عقله مثل عقل جلالة الملك؟
"ويضحك الضيف"
عارف: أعتقد يا أستاذ مكارم: أن وجود الخادمة التي تعوض حنان الأم أصعب بكثير من وجود الحمار الذكي.
مكارم: كل شيء في حياة ولدي (غضب) يقلقني عليه.
عارف: (متعجبًا) اسمه غضب!؟
مكارم: نعم. لقد سميته باسم خاله.
1 / 22
عارف: ... أعوذ بالله ... اسمه "غضب"
الأسماء لا تشتري يا مكارم.
واختيار اسم المولود يدل على عقل أبيه.
وأنت رجل ذكي واسمك مكارم.
وقديمًا قالوا: اسمك شاهد على عقل أبيك.
مكارم: الأسماء علامة.
ولو كانت الأسماء كرامة، لتشارك الناس جميعًا في اسم واحد.
عارف: لقد كان النبي ﷺ يهتم بالأسماء.
لما لها من صدى في نفس صاحبها.
وكان يغير أسماء بعض الصحابة إن وجدها تتنافى مع التوحيد الخالص.
(كعبد العزًّى) أو تبعث على الوعورة في النفس جاء في "عمدة القارئ" في شرح صحيح البخاري جزء ١٢ ص ٢٠٧، "وتاج العروس" مادة حَزن.
أن سعيد بن المسيَّب ﵁ قال:
عندما دخل جدي في الإسلام، قال له النبي ﷺ
كيف اسمك؟
قال: حزن.
والحَزن بسكون الوسط هو الوعْر من الأرض
1 / 23
فقال له النبي ﷺ: بل سهل.
قال الرجل: ما كنت لأترك اسمًا سمتني به أمي.
قال سعيد: فلم يزل فينا أثر هذا الاسم.
وجاء في كتاب "نهاية الأرب" في فنون الأدب الجزء الثالث:
أن عمر بن الخطاب ﵁ أراد أن يستخدم شابًا في أمر.
فسأله عمر. ما اسمك؟
قال: ظالم بن سراقة.
قال عمر: تظلم أنت ويسرق أبوك؟
ولم يستعن به.
إن عمر كان يحب الأسماء التي تشرح الصدر.
كما تعلم من النبي ﷺ.
وجاء في بعض كتب الأدب: أن هارون الرشيد خرج يومًا فرأى رجلًا فسأله عن اسمه.
فقال: سعيد.
قال الرشيد: أسعدك الله.
ابن من؟
قال الرجل: ابن مسلم.
1 / 24