Tarawih: More than a Thousand Years in the Prophet's Mosque
التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي
Publisher
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Genres
أولا: العهد النبوي
مدخل
...
التراويح أكثر من ألف عام
بقلم الشيخ عطية محمد سالم القاضي بالمحكمة الكبرى بالمدينة
بحث تاريخي يحمل روح الفقهاء يقدمه فضيلة الكاتب للقراء. والموضوع في الحقيقة حساس يتقبل كثيرا من المناقشة ولا يزال يحتاج إلى كثيرا من البحث والتنقيب ولذلك فإن فضيلة المؤلف ببحثه هذا الجديد يثير الفرصة مرة أخرى لإيفاء (التراويح) حقها والهدف الأول والأخير هو الحق ولذلك فإنه ينتظر بفارغ الصبر آراء القراء وملاحظاتهم وفوائدهم حول الموضوع الذي سيستمر في حلقات متتابعة إن شاء الله.
(المجلة)
أولا: العهد النبوي:
لا شك أن ميدان التشريع وأصله إنما هو ما يكون عن رسول الله ﷺ وأن العصر النبوي هو عصر التشريع لقوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾، ولقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ إلى غير ذلك من النصوص ويلحق بذلك عصر الخلفاء الراشدين لقوله ﷺ: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي".
5 / 58
والتراويح وإن اختصت برمضان فإنها داخلة في عموم قيام الليل، وقد جاءت النصوص في عموم قيام الليل، وفي خصوص تراويح رمضان.
فمن عموم التهجد بالليل قوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَك﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلًا﴾ .
أما خصوص قيام رمضان فالواقع أنها وإن كانت أخص من قيام الليل من حيث الزمن، فهي أعم منه من جهة الطلب.
التدرج في مشروعية التراويح: وبالتأمل في نصوص التراويح يظهر أنها أخذت سبيل التدرج والتطور التصاعدي وذلك كالآتي: أ - الترغيب المطلق: كما في حديث أبي هريرة عند مسلم وساقه البيهقي ج٢ص٤٩٢ ما نصه أن رسول الله ﷺ قال: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". قال البيهقي: "رواه مسلم في الصحيح عن يحي بن يحي، ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك". ومثله عن أبي هريرة عند البيهقي، وقال: "رواه البخاري عن يحي بن بكير". فهذا ترغيب من غير تحديد بعدد ولا إلزام بفعل ولهذا قال أبو هريرة في سنن البيهقي: "إن رسول الله ﷺ كان يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيها بعزيمة فيقول: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". ب- ثم جاء التنصيص على أن قيامه سنة مفروضة بفرضية صيامه كما في حديث عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه ذكر شهر رمضان فقال: "إن رمضان شهر افترض الله صيامه وإني سننت للمسلمين قيامه فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه". ففي هذا النص تدرج من مطلق الطلب إلى أنه سنة وزاد في قوتها اقتران سنية قيامه بفرضية صيامه كما تفيده دلالة الاقتران المعروفة في الأصول.
نتيجة هذا الترغيب: كانت نتيجة هذا الترغيب أن بادر الناس إلى قيامه أفرادا وجماعات يأتمون بمن معهم شيء من القرآن لحديث عائشة ﵂ قالت: "كان الناس يصلون في مسجد رسول الله ﷺ في رمضان بالليل أوزاعا يكون مع الرجل شيء من القرآن فيكون معه النفر الخمسة أو الستة أو أقل من ذلك أو أكثر يصلون بصلاته"، قالت:
التدرج في مشروعية التراويح: وبالتأمل في نصوص التراويح يظهر أنها أخذت سبيل التدرج والتطور التصاعدي وذلك كالآتي: أ - الترغيب المطلق: كما في حديث أبي هريرة عند مسلم وساقه البيهقي ج٢ص٤٩٢ ما نصه أن رسول الله ﷺ قال: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". قال البيهقي: "رواه مسلم في الصحيح عن يحي بن يحي، ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك". ومثله عن أبي هريرة عند البيهقي، وقال: "رواه البخاري عن يحي بن بكير". فهذا ترغيب من غير تحديد بعدد ولا إلزام بفعل ولهذا قال أبو هريرة في سنن البيهقي: "إن رسول الله ﷺ كان يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيها بعزيمة فيقول: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". ب- ثم جاء التنصيص على أن قيامه سنة مفروضة بفرضية صيامه كما في حديث عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه ذكر شهر رمضان فقال: "إن رمضان شهر افترض الله صيامه وإني سننت للمسلمين قيامه فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه". ففي هذا النص تدرج من مطلق الطلب إلى أنه سنة وزاد في قوتها اقتران سنية قيامه بفرضية صيامه كما تفيده دلالة الاقتران المعروفة في الأصول.
نتيجة هذا الترغيب: كانت نتيجة هذا الترغيب أن بادر الناس إلى قيامه أفرادا وجماعات يأتمون بمن معهم شيء من القرآن لحديث عائشة ﵂ قالت: "كان الناس يصلون في مسجد رسول الله ﷺ في رمضان بالليل أوزاعا يكون مع الرجل شيء من القرآن فيكون معه النفر الخمسة أو الستة أو أقل من ذلك أو أكثر يصلون بصلاته"، قالت:
5 / 59
فأمرني رسول الله ﷺ ليلة من ذاك أن أنصب له حصيرا على باب حجرتي ففعلت فخرج رسول الله ﷺ بعد أن صلى العشاء الآخرة فاجتمع إليه من في المسجد فصلى بهم رسول الله ﷺ ليلا طويلا، ثم انصرف فدخل وتركت الحصير على حاله، فلما أصبح النهار تحدثوا بصلاة رسول الله ﷺ بمن كان بالمسجد تلك الليلة، فأمسى المسجد زاخا بالناس فصلى بهم ﷺ صلاة العشاء الآخرة ثم دخل بيته، وثبت الناس فقال لي: "ما شأن الناس" فقلت له: "سمع الناس بصلاتك البارحة بمن كان في المسجد فحشدوا لذلك لتصلي بهم". قال: "اطو عنا حصيرك يا عائشة". ففعلت، فبات رسول الله ﷺ غير غافل وثبت الناس مكانهم حتى خرج إليهم إلى الصبح فقال: "أيها الناس أما والله ما بت والحمد لله ليلتي غافلا ما خفي عليَّ مكانكم ولكني تخوفت أن يفرض عليكم اكفلوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا ". رواه المروزي بهذا اللفظ ورواه البيهقي وذكر الليالي ثلاثا أو أربعا. وفي مجمع الزوائد عن جابر قال: "صلى بنا رسولا لله ﷺ في رمضان ثمان ركعات وأوتر فلما كان القابلة اجتمعنا في المسجد ورجونا أن يخرج إلينا فلم نزل فيه حتى أصبحنا ثم دخلنا.." الحديث. وأصل الحديث في البخاري ومسلم. وفيه وفي السنن للبيهقي أن رسول الله ﵊ صلى في رمضان عشرين ركعة ولكنه ضعيف بأبي شيبة.
ففي هذا الحديث على رواية المروزي قيام الناس مع من معه شيء من القرآن فهو تدرج من الترغيب إلى الاستناد المقرون بفرضية الصيام، إلى القيام بالفعل في المسجد مع من معه شيء من القرآن ثم خطوة أخرى وهي القيام مع رسول الله ﷺ بصلاته وإن كان لم يشعر بهم على الصحيح كما في سؤاله عائشة: "ما شأن الناس" وقوله: "اطو عنا حصيرك ".
وأصرح من هذا حديث أنس عند المروزي: "كان رسول الله ﷺ يصلي في رمضان فجئت فقمت إلى جنبه ثم جاء آخر ثم جاء آخر حتى كنا رهطا، فلما أحس رسول الله ﷺ أنا خلفه تجوز في صلاته، ثم دخل منزله، فلما دخل منزله صلى صلاة لم يصلها عندنا فلما أصبحنا قلنا يا رسول الله: أو
5 / 60
فطنت لنا البارحة"، فقال: "نعم، وذلك الذي حملني على ما صنعت". ففي هذا الحديث ما يفيد أنه ﷺ لم يشعر بهم في أول صلاته لقول أنس: "فلما أحس رسول الله ﷺ أنا خلفه"، كما أن فيه ما يشعر أنه ﷺ بدأ صلاته تلك في المسجد بدليل قوله: "تجوز في الصلاة ثم دخل منزله". وكما يشعر بأنه ﷺ علم بصلاتهم خلفه ولم ينكر عليهم، وأصرح من ذلك دلالة على صلاته ﷺ في المسجد حديث عائشة عند البيهقي عن عروة بن الزبير ﵁ عن عائشة ﵂ أخبرته أن رسول الله ﷺ خرج ليلة من جوف الليل يصلي في المسجد فصلى رجال يصلون بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك. وساقت قصة صلاته اليالي إلى الليلة الرابعة. قالت: "عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم". ففيه دلالة صريحة أنه ﷺ خرج إلى الصلاة في المسجد، وفيه دلالة على امتلاء المسجد بالمصلين.
وهده خطوة أخرى وهي امتلاء المسجد بعد أن كانوا أوزاعا فقد عجز المسجد عن أهله ولكنه ﷺ لم يخرج إليهم خشية أن تفرض عليهم.
إذن فقد كان من الممكن أن يخرج إليهم لولا تلك العلة التي هي خشية أن تفرض عليهم. وكأن الصلاة بهم والاجتماع إليها أمر جائز لولا الشفقة عليهم وخشية تكليفهم بها ثم يعجزون ولقد أقر صلاة غيره بجماعة من الناس سواء في البيوت أو في المسجد.
أما في البيوت فلحديث أبي بن كعب عند المروزي قال عن جابر ﵁ جاء أبي بن كعب إلى رسول الله ﷺ في رمضان فقال: " يا رسول الله كان معي الليلة شيء". قال: "وما ذاك؟ " قال: "نسوة داري قلن إنا لا نقرأ القرآن فنصلي خلفك بصلاتك فصليت بهن ثمان ركعات فسكت عنه، وكان شبه الرضاء".
وأما في المسجد فحديث أبي هريرة عند المروزي أيضا قال: "خرج رسول الله ﷺ وإذا أناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد" فقال: "ما هؤلاء؟ " قيل: "هؤلاء أناس ليس معهم قرآن، وأبي بن كعب يصلي بهم فهم يصلون بصلاته". فقال رسول الله ﷺ: "أصابوا" أو "نعم ما صنعوا".
5 / 61
ثم كانت المرحلة قبل الأخيرة وهي ما جاء في حديث أنس. وحديث أنس عند المروزي "كان النبي صلى الله عليه يجمع أهله ليلة إحدى وعشرين، ويصلي بهم إلى ثلث الليل، ثم يجمعهم ليلة اثنين وعشرين فيصلي بهم إلى
5 / 62
نصف الليل، ثم يجمعهم ليلة الثالث والعشرين فيصلي بهم إلى ثلثي الليل. ثم يأمرهم ليلة الرابع والعشرين أن يغتسلوا ويصلي بهم حتى يصبح ثم لا يجمعهم". فهذا الحديث نص في أنه ﷺ قام بأهل بيته ثلاث ليال مددا متفاوتة. ويتدرج الأولى إلى الثلث الليل والثانية إلى نصفه والثالثة إلى ثلثيه.
وليس ببعيد أن يوحي هذا العمل بين الرغبة في الخير وبين الخوف من أن تفرض، لما يفهم من أنه كان في العشر الأواخر وهي محل الرغبة أكثر وكذلك التدرج في إطالة المدة استجابة لتلك الرغبة. كما يفهم من عدم المواصلة إلى آخر الشهر خشية أن يفرض.
ثم جاءت المرحلة الأخيرة في التدرج من حديث أبي ذر قال في المنتقى: "رواه الخمسة وصححه الترمذي" ورواه أيضا البيهقي ونصه في السنن: "صمنا مع رسول الله ﷺ رمضان فلم يقم بنا من الشهر شيئا حتى كانت ليلة ثلاث وعشرين قام بنا حتى ذهب نحو ثلث الليل ثم لم يقم بنا من الليلة الرابعة وقام بنا من الليلة الخامسة حتى ذهب نحو من نصف الليل، فقلنا: "يا رسول الله لو نفلتنا بقية الليل". فقال: "إن الإنسان إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته"، ثم لم يقم بنا ليلة السادسة وقام السابعة وبعث إلى أهله، واجتمع الناس حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح".
قال البيهقي: "ورواه مهيب عن داود قال: "ليلة الرابع وعشرين والسابع مما يبقي، وقال ليلة ست وعشرين الخامس مما يبقي وليلة ثمان وعشرين الثالث مما يبقى".
ففي هذا الحديث وصول بصلاة التراوح إلى حد التجمع والتقرير عليه من رسول الله ﷺ بدليل قولهم له: "لو نفلتتا بقية الليلة". وفي هذا دلائل على أمرين:
أ- الأول: أنه ﷺ علم بهم وأقرهم على تجمعهم في المسجد كما أنه في السابعة وعشرين بعث إلى أهله ويشهد لهذا الجزء ما في الصحيح أنه ﷺ إذا كان العشر الأواخر شد المئزر وطوى فراشه وأيقظ أهله.
ب- الأمر الثاني: أنه وإن لم يحدد ﷺ عددا من الركعات إلا أنه أقرهم على طلبهم الزيادة عما كان وإلى بقية ليلتهم. فلم ينكر عليهم طلب الزيادة ولكنه أرشدهم إلى ما يعوض عنها وهو
5 / 63
قيامهم مع الإمام حتى ينصرف. وهذا مثل قصة (زينب) لما مر عليها ﷺ وهي تسبح على حصى أو نوى حتى رجع فوجدها على تلك الحالة فقال لها: "لقد قلت كلمات تعدل كل ما قلت سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه". فلم ينكر عملها وأرشدها إلى ما هو خير منه وهكذا هنا لم ينكر طلبهم الزيادة وأرشدهم إلى ما هو خير منه بل إلى ما يساويه فحسب.
وعليه فهنا صلاة في جماعة بإمام ومأمومين في المسجد وهذا غاية الإثبات لصلاة التراوح في المسجد جماعة وبإمامته ﷺ.
ثم جاءت الليلة السابعة والعشرون فكانت عامة شاملة شملت أهله ﷺ مع عامة الناس.
عدد الركعات في ذلك العصر: ١- جاء عن جابر أربع ركعات ٢- جاء في بعض النصوص أنه ﷺ صلى ثمان ركعات. ٣- وجاء في نص ضعيف عشرين ركعة. ٤- وجاء الإطلاق بدون تحديد مع التقرير على طلب الزيادة إلى بقية ليلتهم. ٥- وجاء التدرج من ثلث الليل ثم نصف الليل ثم ثلثي الليل. وهل كان ذلك بزيادة في عدد الركعات أم بإطالة في القراءة مع عدم الزيادة في عدد الركعات طيلة الليالي الثلاث وإلى أي حد كانت إطالة القراءة والقيام.
كيفية صلاتها: جاء عن حذيفة ﵁ أنه صلى مع رسول الله ﷺ ذات ليلة في رمضان فركع فقال في ركوعه: "سبحان ربي العظيم مثل ما كان قائما، ثم سجد فقال في سجوده: سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما، ثم جلس يقول: ربي اغفر لي، ربي اغفر لي مثل ما كان قائما، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما، فما صلى إلا أربع ركعات حتى جاء بلال إلى الغداة ". فهذا نص في بيان تطويل الصلاة في أربع ركعات في رمضان خاصة. أما عموم قيام الليل: فقد عقد البخاري بابا بعنوان: كيف صلاة النبي ﷺ وكم كان النبي ﷺ يصلي من الليل وساق حديث عبد الله بن عمر أن رجلا سأل النبي ﷺ " يا رسول الله كيف صلاة الليل؟ " قال: "مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة".
عدد الركعات في ذلك العصر: ١- جاء عن جابر أربع ركعات ٢- جاء في بعض النصوص أنه ﷺ صلى ثمان ركعات. ٣- وجاء في نص ضعيف عشرين ركعة. ٤- وجاء الإطلاق بدون تحديد مع التقرير على طلب الزيادة إلى بقية ليلتهم. ٥- وجاء التدرج من ثلث الليل ثم نصف الليل ثم ثلثي الليل. وهل كان ذلك بزيادة في عدد الركعات أم بإطالة في القراءة مع عدم الزيادة في عدد الركعات طيلة الليالي الثلاث وإلى أي حد كانت إطالة القراءة والقيام.
كيفية صلاتها: جاء عن حذيفة ﵁ أنه صلى مع رسول الله ﷺ ذات ليلة في رمضان فركع فقال في ركوعه: "سبحان ربي العظيم مثل ما كان قائما، ثم سجد فقال في سجوده: سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما، ثم جلس يقول: ربي اغفر لي، ربي اغفر لي مثل ما كان قائما، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما، فما صلى إلا أربع ركعات حتى جاء بلال إلى الغداة ". فهذا نص في بيان تطويل الصلاة في أربع ركعات في رمضان خاصة. أما عموم قيام الليل: فقد عقد البخاري بابا بعنوان: كيف صلاة النبي ﷺ وكم كان النبي ﷺ يصلي من الليل وساق حديث عبد الله بن عمر أن رجلا سأل النبي ﷺ " يا رسول الله كيف صلاة الليل؟ " قال: "مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة".
5 / 64
تطورها في العصر النبوي:
١- أولا: بدأت بالترغيب فيها دون أن يعزم عليهم.
٢- ثانيا: انتقلت إلى السنة والندب مقرونة بفرضية الصيام.
٣- ثالثا: أديت بالفعل أداها أوزاع من الناس.
5 / 78
٤- رابعا: تسلل الناس إلى مصلاه ﷺ فأتموا به ﷺ وهو لا يشعر بهم وهو لا يقر على باطل.
٥- خامسا: تقريره صلوات الله وسلامه عليه لمن يصلى بالناس سواء في المسجد أو في البيت.
٦- سادسا: صلاته هو ﷺ بالفعل بأهل بيته.
٧- سابعا: صلاته هو ﷺ بالفعل بأهل بيته وبالناس عدة ليال متفرقة.
أما العدد أي عدد الركعات:
أ- فقد صلى أربع ركعات استغرقت الليل كله.
ب- وصلى ثمان ركعات.
جـ- وصلى إحدى عشر ركعة لا تسل عن حسنهن وطولهن.
د- وصلى ثلاث عشرة ركعة.
وهذا ما يقتصر عليه بعض المتأخرين ولكن:
١- جاء الإطلاق بدون حد من قام رمضان إيمانا واحتسابا.
٢- جاء تقريره على طلب الزيادة لو نفلتنا بقية ليلتنا؟
٣- وهناك مبحث لم يتطرق إليه أحد فيما أعلم وهو:
أن عائشة رضي الله عتها قالت: "ما صلى رسول الله ﷺ العشاء قط ودخل بيتي إلا وصلى أربعا أو ستا". وجاء عنها أنه كان يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين.
فلو جمعنا حديث ابن عباس (١٣) ركعة مع حديث عائشة (٦) ركعات بعد العشاء مع (٢) ركعتين يفتتح بهما صلاة الليل لكان مجموع ذلك كله (١٣ + ٦ = ١٩ +٢= ٢١) إحدى وعشرون ركعة. وهو العدد الذي جمع عمر ﵁ الناس عليه مع أُبَي ابن كعب ويكون هذا العدد مستندا إلى سنة لا مجرد اختيار عمر رضي الله عته والله أعلم.
وبعد هذا فلا يحق لأحد أن يمنع الزيادة على ثمان ركعات وقوفا عند حديث مسروق عن عائشة ﵂ أو يعيب فعل عمر متهما إياه بمخالفة السنة حاشاه ﵁.
عهد أبي بكر الصديق ﵁:
كان عهد الصديق ﵁ غير طويل، وكان الناس حدثاء عهد بعهد النبوة فلم تتكون عوامل تغيير تذكر بالنسبة للتراويح. ولهذا لم يذكر أحد أن التراويح في عهد الصديق ﵁ طرأ عليها جديد مستدلين بحديث أبي هريرة ﵁: "كان رسول الله ﷺ يُرَغب في قيام
5 / 79
رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، فتوفي رسول الله ﷺ والأمر على ذلك وكان الأمر على ذلك". قال البيهقي: "زاد أحمد بن منصور الرمادي في روايته في خلافة أبي بكر وصدر من خلافة عمر رواه مسلم في الصحيح. ورواه مالك بسنده إلى ابن شهاب وتوفي رسول الله ﷺ والأمر على ذلك في صدر خلافة أبي بكر وصدر من خلافة عمر ﵄".
ولكن حديث عائشة عند البيهقي قالت: "كنا نأخذ الصبيان من الكُتَّاب ليقوموا بنا في شهر رمضان فنعمل لهم (القلية) و(الخشكنانج) " وعند المروزي: "فنعمل لهم (القلية) و(الخشكار) وهو خبز سمراء".
فهو نص على إقامة التراويح بإمامة الصبيان. وقطعا لم يكن ذلك في عهد النبي ﷺ فهل كان في عهد الصديق فيكون تطويرا جديدا أم في عهد عمر؟ والذي يظهر أنه كان في عهد الصديق ﵁ لأنه كان في عهد عمر كما سيأتي ترتيب أئمة للرجال وإمام للنساء وعلى كل ففيه تطوير جديد، فإن كان في عهد الصديق فهو جديد عما كان من قبل وهو الراجح وإن كان في عهد عمر فيغلب على الظن أن ذلك كان في البيوت لأنهن لن يأخذن الصبيان من الكتاب وعمر جاعل إمام لهن، ولا سيما عائشة ﵂ فأحرى بها ﵂ أن تصلي في بيتها وقد يجتمع لها من النساء.
القراءة زمن الصديق:
وقد ظلت القراءة طويلة في زمن الصديق ﵁ لما في حديث عبد الله ولد الصديق، فعن مالك عن عبد الله بن أبي بكر سمعت أبي يقول: "كنا ننصرف في رمضان من القيام فنستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر".
وقد طرأ في هذا العصر أيضا نوع مقارنة بين القراء. فكان الناس يميلون إلى من كان حسن الصوت بالقراءة كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله في عهد عمر ﵁.
في عهد عمر ﵁:
جاء عهد عمر ﵁ والحال كما كان عليه من قبل يصلون أوزاعا فُرادى وجماعات في البيوت وفي المسجد يصور ذلك أكمل تصوير أثران هما: أثر إياس الهذلي، وأثر عبد الرحمن بن عبد.
أ - الأثر الأول: عن نوفل قال
5 / 80
إياس الهذلي: كان الناس يقومون في رمضان في المسجد وكانوا إذا سمعوا قارئا حسن القراءة مالوا إليه. فقال عمر رضي الله تعالى عنه: "قد اتخذوا القرآن أغاني والله لئن استطعت لأغيرن هذا"، فلم تمر ثلاث حتى جمع الناس على أبي ابن كعب. وقال عمر: "إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة". رواه المروزي.
ب - الأثر الثاني: وهو أثر عبد الرحمن بن عبيد - بالتنوين - (القارّي) خرجت مع عمر بن الخطاب ﵁ في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاعا متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر: "إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل" ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم: "نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون" يعني آخر الليل وكان الناس يقومون أوله. رواه البخاري.
التطور الجديد:
نجد في الأثرين السابقين تطويرا جديدا على يد عمر ﵁ وهو جمع الأوزاع والأشتات على قارئ واحد. وهذا التطور وإن تعددت أسبابه فقد جمع عدة مصالح.
فالأثر الأول يشير إلى أن السبب له صلة بحسن القراءة وفي هذا مجال فسيح لمنافسة القراء وتسابق المصلين، وهو أمر لو طال به المدى لابتعدت الشقة بسببه بين المصلين، فوحد القارئ لتتوحد القراءة. وقد يؤخذ منها درء المفسدة على جلب المصلحة؛ لأن تتبع المصلين لمن هو أحسن صوتا مجال لتحسين الصوت بالقراءة وهو أمر مرغوب فيه غير أنه قد يكون مدعاة إلى التغالي حتى يصل إلى التغني كما أشار عمر ﵁ من قبل فجمعهم على قارئ واحد سدا للذريعة ودرءا للمفسدة.
والأثر الثاني يشير إلى وجود جماعات وأفراد لا تربطهم عوامل موحدة، ولو طال بهم المدى أيضا لافتقدوا عامل الائتلاف والاتحاد وضاعت ثمرة الجماعة فوحد الإمام ليجتمع المأموم وكانت نعمة البدعة في كلا الأمرين. وإلى هنا تم توحيد المصلين للتراويح على إمام واحد وهو أبي بن كعب.
تعدد الأئمة:
وقد جاء عنه ﵁ أنه جعل إمامين للرجال وهما أبي بن كعب وتميم الداري، وكانا يقومان في الليلة الوحدة يتناوبان. يبتدئ الثاني حيث ينتهي الأول كما جاء في رواية السائب
5 / 81
بن يزيد قال: أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميم الداري ﵄ أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، وذلك مع المحافظة على طول القراءة كما في الرواية الأخرى له: كنا نصلي زمن عمر بن الخطاب ﵁ في رمضان ثلاث عشرة ركعة، ولكن والله ما كنا نخرج إلا وجاه الصبح كان القارئ يقرأ في كل ركعة بخمسين، آية ستين آية. وكما في رواية السائب أيضا أنهم كانوا يقرؤون بالمئين من القرآن وأنهم كانوا يعتمدون على العصا في زمن عمر بن الخطاب ﵁.
فالذي تحدد في هذين الأثرين هو:
أ – تعدد الأئمة بعد إمام واحد. وهو أُبَي، وسواء كان ذلك رفقا بالإمام الأول فجعل معه آخر يساعده، أو كان ترويحا للمأمومين وتنشيطا للمصلين ولا سيما وقد كانوا حدثاء عهد بتعدد الأئمة حينما كانوا يصلون أوزاعا.
وقد مضى عمر ﵁ إلى أبعد من هذا فجعل إماما للنساء، وانتخب أكثر من إمام للتراويح، أما إمام النساء فهو سليمان بن أبي حتمة. فكما جاء عند المروزي قال: وعن هشام بن عروة عن أبيه: جعل عمر بن الخطاب للناس قارئين فكان أبي بن كعب يصلي بالرجال وكان بن أبي حتمة يصلي بالنساء. فهذا الأثر يفيد أن إمامة سليمان ابن أبي حتمة بالنساء كانت أثناء إمامة أبي للرجال، أي أنهما كانا يصليان في وقت. هذا لهؤلاء وهذا لؤلائي.
وقد كان ذلك أقصى ما وصلت إليه التراويح من حيث النشاط والصبر وطول القيام وكثرة القراءة.
ثم أخذت قي التدرج إلى الأسهل فتعددت الأئمة وخففت القراءة وكثرت الركعات.
أما تعدد الأئمة أكثر من ذلك فهو كما في رواية عاصم عن أبي عثمان ﵀ أن عمر ﵁ جمع القرآن في رمضان فأمر أخفهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية وأوسطهم خمسا وعشرين وأثقلهم قراءة عشرين.
فنرى هنا تعدد الأئمة وهو أكثر ترويحا وتخفيفا على نفس الإمام وعلى المأمومين، ثم نرى أيضا تخفيف القراءة فأقصاها ثلاثون بعد أن كانت تصل إلى الستين والمئين. بل نجد أثرا آخر وهو أن عمر ﵁ أمر أبيا فأمهم في رمضان فكانوا ينامون ربع الليل ويقومون ربعه وينصرفون بربع لسحورهم وحوائجهم. وكان يقرأ بهم خمس آيات ست آيات في كل ركعة ويصلي بهم ثمان عشر ركعة شفعا
5 / 82
يسلم في كل ركعتين، ويروحهم قدر ما يتوضأ المتوضئ ويقضي حاجته، بهذا يتضح إلى أي مدى حدث تغيير وتجفيف في الكيفية والقراءة.
أما عدد الركعات فكالآتي:
١- فتقدم أن أول ما أمر عمر أُبَيًّا أن يقوم بالناس أنه أمره بثمان ركعات. وكان يقرأ فيها بالمئين، وكانوا لا ينصرفون إلا ي وجه الفجر.
٢- وتقدم أن عمر أمر أُبَيًّا وتَمِيمًا أن يقوما للناس ثلاث عشرة ركعة. وهذا بالنسبة إلى ما جاء من ثمان ركعات يكون معها ثلاث وترا. وقد جاءت رواية محمد بن سرين أن معاذا أبا حليمة القاري كان يصلي بالناس إحدى وأربعون ركعة. ومعاذ أبو حليمة هذا، قال في التقريب: "هو معاذ بن الحارث الأنصاري البخاري القاري أحد من أقامه عمر بمصلى التراويح. وقيل هو آخر يكنى أبا الحارث صحابي صغير استشهد بالحرة ... " اهـ.
والحرة كانت سنة ٦٣ يؤيد هذا العدد ويفصله رواية أبي زيد عن صالح مولى التوأمة قال: "أدركت الناس قبل الحرة يقومون بإحدى وأربعين ركعة يوترون فيها بخمسة، فكانت الترويح إحدى وأربعون ينقصها أي ستة وثلاثون ركعة.
وصالح هذا قال في التقريب: "هو صالح بن نبهان المدني مولى التوأمة بفتح المشناة وسكون الواو وبعدها همزة مفتوحة، صدوق اختلط في أخر أمره".
قال بن عدي: "لا بأس برواية القدماء عنه كابن أبي زيد وابن جرير، من الرابعة مات سنة ١٢٥. والرواية هنا عنه من رواية الأقدمين. وهو ابن أبي ذئب كما مثل ابن عدي لما لا بأس به عنه. فهو هنا يقول: أدركت الناس قبل الحرة يقومون بإحدى وأربعون ركعة ويوترون منها بخمسة. وهذا موافق لما قاله محمد بن سرين أن معاذا بن حليمة القاري كان يصلي بالناس إحدى وأربعين ركعة أي ستا وثلاثين قياما وخمسة وترا.
أ - فتكون التراويح زمن عمر ﵁ بدأت بثلاث عشرة ركعة أي بما فيها الوتر.
ب - ثم إلى ثلاث وعشرين بما فيها الوتر ثلاث.
ج - ثم بست وثلاثين ومعها خمس ركعات وترا. والمجموع إحدى وأربعين ركعة إلا أننا نلاحظ أن كثرة الركعات معها تخفيف القراءة لأنه:
أولا: ثمان ركعات، أو ثمان عشرة ركعة، يقرؤون بالمئين. وكانوا
5 / 83
لا ينصرفون إلا على وجه الفجر. وعليه قلنا تكون القراءة لست وثلاثين ركعة كالقراءة لثمان أو لست عشرة ركعة.
بل وجدنا عمليا أن عمر ﵁ جمع القراء فأمر من كان أخف قراءة أن يقرأ بثلاثين بينما كانت القراءة بخمسين بستين كما تقدم.
وعليه لا يكون تعارض بين الروايات الواردة وعدد الركعات للتراويح زمن عمر ﵁. كما قال الباجي ﵀ في شرح الموطأ ج١ص٢٠٨ ما ملخصه: قد اختلفت الروايات فيما كان يصلى به في رمضان في زمان عمر ﵁. فروى السائب بن يزيد إحدى عشرة ركعة، وروى يزيد بن رومان ثلاثا وعشرين ركعة، وروى نافع مولى ابن عمر أنه أدرك الناس يصلون بتسع وثلاثين ركعة يوترون فيها بثلاث.
فيحتمل أن يكون عمر ﵁ بدأ بثمان على ما كان عليه رسول الله ﷺ كما أفاده حديث عائشة ﵂ المتقدم: "ما زاد رسول الله ﷺ في رمضان ولا في غيره على ثمان ركعات". وأمرهم مع ذلك بطول القراءة يقرأ القارئ بالمئين في الركعة فلما ضعف الناس عن ذلك أمرهم بثلاث وعشرين ركعة على وجه التخفيف عنهم من طول القيام، واستدرك بعض الفضيلة بزيادة الركعات وكان يقرأ البقرة في ثمان ركعات أو اثني عشرة ركعة، وقد قيل: إنه كان يقرأ من ثلاثين آية إلى عشرين آية. وكان الأمر على ذلك إلى يوم الحرة، فثقل عليهم القيام فنقصوا في القراءة وزادوا في عدد الركعات فجاءت ستة وثلاثين ركعة والوتر بثلاث فمضى الأمر على ذلك ولعل التخفيف إلى ستة وثلاثين وقع قبل الحرة كما جاء في رواية محمد بن سرين أن معاذ أبا حليمة كان يقوم بهم إحدى وأربعين ركعة. وهو ما مات إلا في وقعة الحرة.
والذي يهمنا ما ظهر من التدرج في التراويح في زمن عمر ﵁ بالتخفيف من القراءة وزيادة عدد الركعات فكانت قلة الركعات معها كثرة القراءة وكثرة القراءة معها قلة الركعات.
مناقشة "نعمة البدعة":
وقبل أن ننتقل من عهد عمر إلى عهد عثمان ﵄ يحسن إيراد الجواب على قول عمر ﵁: "نعمت البدعة" لجمعه الناس على قارئ واحد وصلاتهم إياها في جماعة. فما مراده بقوله هذا وما الجمع بين قوله: "نعمت" وبين كونها بدعة؟
وخير ما نسوق في ذلك هو كلام شيخ الإسلام بن تيمية ﵀ في
5 / 84
كتابه (اقتضاء صراط المستقيم) ص ٢٧٥ ما نصه قال: "فأما صلاة التراويح فليست بدعة في الشريعة، بل هي سنة بقول رسول الله ﷺ وفعله، فإنه قال: "إن الله فرض عليكم صيام رمضان وسننت لكم قيامه". ولا صلاتها جماعة بدعة بل هي سنة في الشريعة بل قد صلها رسول الله ﷺ في جماعة في أول شهر رمضان ليلتين، بل ثلاثا. وصلاها كذلك في العشر الأواخر في جماعة مرات. وقال: "إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة". لما قام بهم حتى خشوا أن يفوتهم الفلاح. رواه أهل السنن.
وبهذا الحديث احتج أحمد وغيره على أن فعلها في الجماعة أفضل من فعلها على حال الانفراد. وفي قوله هذا ترغيب في قيام شهر رمضان خلف الإمام وذلك أوكد من أن يكون سنة مطلقة.
وكان الناس يصلون جماعة في المسجد على عهد رسول الله ﷺ ويقرهم وإقراره سنة منه ﷺ وأما قول عمر ﵁: "نعمت البدعة هذه" فأكثر المحتجين بهذا لو أردنا أن نثبت حكما بقول عمر الذي لم يخالف فيه لقالوا: "الصاحب ليس بحجة".
فكيف يكون حجة لهم في خلاف قول الرسول ﷺ؟ ومن اعتقد أن قول الصاحب حجة فلا يعتقده إذا خالف الحديث.
فعلى التقديرين لا تصلح معارضة الحديث بقول الصاحب. نعم يجوز تخصيص عموم الحديث بقول الصاحب الذي لم يخالف على إحدى الروايتين فيفيدهم هذا (حسن تلك البدعة) أما غيرها فلا.
ثم نقول أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة مع حسنها، وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق وأما البدعة الشرعية فكل ما لم يدل عليه دليل شرعي.
فإذا كان نص رسول الله ﷺ قد دل على استحباب فعل أو إيجابه بعد موته أو دل عليه مطلقا ولم يعمل به إلا بعد موته ككتاب الصدقة الذي أخرجه أبو بكر الصديق ﵁ فإذا عمل أحد ذلك العمل بعد موته صح أن يسمى «بدعة» في اللغة لأنه عمل مبتدأ كما أن نفس
5 / 85
الدين الذي جاء به النبي ﷺ يسمى بدعة ويسمى محدثا في اللغة. كما قالت رسل قريش للنجاشي عن أصحاب النبي ﷺ المهاجرون إلى الحبشة "وإن هؤلاء خرجوا من دين آبائهم ولم يدخلوا في دين الملك وجاءوا بدين محدث لا يعرف".
ثم ذلك العمل الذي يدل عليه الكتاب والسنة ليس بدعة في الشريعة وإن سمي بدعة في اللغة أعم من لفظ البدعة في الشريعة، وإن سمي بدعة في اللغة. فلفظ "البدعة" في اللغة أعم من لفظ "البدعة" في الشريعة.
وقد علم أن قول النبي ﷺ: "كل بدعة ضلالة" لم يُرِد به كل عمل مبتدأ، فإن دين الإسلام بل كل دين جاءت به الرسل فهو عمل مبتدأ. وإنما أراد ما ابتدئ من الأعمال التي لم يشرعها هو ﷺ. وإذا كان كذلك فالنبي ﷺ قد كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى. وقد قال لهم في الليلة الثالثة أو الرابعة لما اجتمعوا: "إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن يفرض عليكم فصلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة".
فعلل النبي ﷺ عدم الخروج بخشية الافتراض، وخوف الافتراض قد زال بموته ﷺ فانتفى المعارض".
وساق بعد ذلك أدلة أخرى كجمع القرآن ونفى عمر ليهود خيبر، وقتال أبي بكر لمانعي الزكاة. ثم قال مبينا ضابط البدعة الحسنة من السيئة بما نصه: "والضابط في هذا والله أعلم أن يقال: إن الناس لا يحدثون شيئا إلا لأنهم يرونه مصلحة، إذ لو اعتقدوه مفسدة لم يحدثوه. فإنه لا يدعو إليه عقل ولا دين فما رآه المسلمون مصلحة نظر في السبب المحوج إليه، فإن كان السبب المحوج إليه أمرا حدث بعد النبي ﷺ فهنا قد يجوز إحداث ما تدعوا إليه الحاجة إليه - قال ﵀ عبارة مفادها أن ترك النبي ﷺ لهذا الأمر من غير تفريط -.
وكذلك إن كان المقتضى لفعله قائما على عهد رسول الله ﷺ ولكن تركه النبي ﷺ لمعارض وقد زال بموته".أهـ
هذا هو كلام شيخ الإسلام بن تيمية بنصه في بيان كلمة عمر ﵁ "نعمت البدعة". وأعتقد أنه واضح في الرد على من يحتج بها على أن صلاة التراويح جماعة بدعة أو أن العدد الذي ورد عن عمر فيها ٢١ ركعة بدعة.
غير أن البحث في إثبات ذلك العدد عنه أو عدم إثباته ويكفي في ذلك روايات مالك في الموطأ والله تعالى أعلم.
5 / 86
التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي
بقلم الشيخ عطية محمد سالم القاضي بالمحكمة الكبرى بالمدينة
الحلقة الثانية:
عهد عثمان وعلي ﵄:
أما في عهد عثمان ﵁ فإن عليا بنفسه كان يؤم الناس في التراويح أكثر ليالي الشهر، كما في سنن البيهقي ﵀ عن قتادة عن الحسن قال: "أمّنا علي بن أبي طالب في زمن عثمان بن عفان ﵁ عشرين ليلة، ثم احتبس، فقال بعضهم: قد تفرغ لنفسه، ثم أمهم أبو حليمة معاذ القارئ، فكان يقنت".
ففي هذا العهد تولى علي ﵁ بنفسه إمامة الناس عشرين ليلة، وفيه أيضا كان القنوت في العشر الأواخر.
أما مسألة القنوت فكان كذلك "أبيّ" يقنت في النصف الأخير من رمضان رواه البيهقي.
ولم نجد جديدا في عدد الركعات، وأغلب الظن أنها كانت على ما كانت عليه زمن عمر ﵁، لما سيأتي من عدد ركعاتها في عهد علي ﵁.
الدعاء في ختم القرآن:
غير أننا وجدنا هنا في عهد عثمان
6 / 33
﵁ عملا يكاد يكون جديدا في التراويح وهو الدعاء بختم القرآن في نهاية الختمة، وذلك لما ذكره ابن قدامة ﵀ في المغني ج٢ ص١٧١ قال: "فصل في ختم القرآن، قال الفضل بن زياد سألت أبا عبد الله فقلت: أختم القرآن، أجعله في الوتر أو في التراويح؟، قال: اجعله في التراويح حتى يكون لنا دعاء بين اثنين، قلت: كيف أصنع؟ قال: إذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع وادع بنا ونحن في الصلاة وأطل القيام، قلت بما أدعو؟ قال: بما شئت، قال: ففعلت بما أمرني، وهو خلفي يدعو قائما ويرفع يديه".
قال حنبل: "سمعت أحمد يقول: في ختم القرآن إذا فرغت من قراءة ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع، قلت إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة"، قال العباس بن عبد العظيم: "وكذلك أدركنا الناس بالبصرة وبمكة، ويروي أهل المدينة في هذا شيئا وذكر عن عثمان بن عفان".
فقوله رأيت أهل مكة يفعلونه وفعل سفيان بن عيينة معهم، ثم قول العباس بن عبد العظيم أدركنا الناس بالبصرة وبمكة وبروي أهل المدينة في هذا شيئا وذكر عن عثمان بن عفان يدل أنّه كان عملا عاما في تلك الأمصار مكة والبصرة والمدينة، ويشير إلى أنّه لم يكن قبل زمن عثمان.
كما يدل على أنّه من عمل عثمان ﵁ إن صحت عبارته، ويروي أهل المدينة في هذا شيئا...الخ.
وعلى كل فقد فعله أحمد ﵀ مستدلا بفعل أهل الثلاثة المذكورة ومستأنسا بما يروي أهل المدينة في هذا عن عثمان ﵁، مما يدل على أنّه كان موجودا بالمدينة عمل دعاء الختم الذي يعمل اليوم في التراويح مع طول القيام، وسيأتي نصه في سياق مذهب أحمد رحمه الله تعالى إن شاء الله.
العباس بن عبد العظيم:
أما العباس بن عبد العظيم الذي أسند إليه القول سابقا: أدركنا الناس بالبصرة ومكة ويوي أهل المدينة في هذا شيئا وذكر عن عثمان بن عفان؛ فإنّ العباس هذا قد ترجم له في التهذيب ج٥ ص١٢٢ مستهلا يقول: "عباس بن عبد العظيم بن إسماعيل بن توبة العنبري أبو الفضل البصري الحافظ"، وعدّ من روى عنهم نحو العشرين، ثم قال: "وجماعة، وعند الجماعة ولكن البخاري تعليقا"، ثم عدّ عشرة أشخاص ممن أخذوا عنه ثم قال وغيرهم.
6 / 34
ثم قال: قال أبو حاتم: "صدوق"، وقال النسائي: "مأمون"، وذكر ثناء العلماء عليه، وأخيرا قال: قال البخاري والنسائي: "ومات سنة٢٥٦" ثم قال: "قلت - أي صاحب التهذيب - وقال مسلمة: "بصري ثقة".
وقال عنه في التقريب: "عباس بن عبد العظيم بن إسماعيل العنبري أبو الفضل البصري ثقة حافظ من كبار الحادية عشرة مات سنة٤٠ - حث م عم".
ورمزه بحرف: (خت) أي للبخاري تعليقا، وحرف (م) أي لمسلم، وحرف (عم) أي للجماعة سوى الشيخين.
فتبين بذلك أن نقله عن أهل المدينة نقل ثقة حافظ، والله تعالى أعلم.
فيكون الجديد في التراويح في عهد عثمان ﵁ أنّ عليا بنفسه كان يؤم الناس فيها عشرين ليلة، وأنّه وجد دعاء ختم القرآن.
عهد علي ﵁: أما عهد علي ﵁ فجاء في سنن البيهقي أنّه ﵁ جعل للرجال إماما وللنساء إماما، ولكنه كان يؤمهم بنفسه في الوتر؛ فعن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي ﵁ قال: "دعا القراء في رمضان فأمر منهم رجلا أن يصلي بالناس عشرين ركعة، قال وكان علي ﵁ يوتر بهم"، قال البيهقي: "وروى هذا من وجه آخر عن علي". فقد وجدنا هنا تجديدا في زمن علي حيث أنّه كان في عهد عثمان ﵁ يصلي بهم التراويح وفي العشر الأخير يقتصر لنفسه، وهنا نجد عليا ﵁ يصلي بهم الوتر. أما إمام النساء في زمن علي ﵁ فهو عرفجة الثقفي كما عند المروزي، قال عرفجة الثقفي: "أمرني علي ﵁ فكنت إمام النساء في قيام رمضان". ففي زمن علي ﵁ كانت التراويح عشرين والوتر ثلاث، وهذا أغلب الظن كما كانت في عهد عثمان ﵁، وعهد عمر ﵁، وأن الزيادة إنما أحدثت بعد عهد علي ﵁ أي الست والثلاثين المتقدمة. وفي زمنه أيضا تولى هو الإمامة في صلاة الوتر على خلاف عثمان وعمر ﵄.
ما بين عمر وعثمان وعلي ﵃ إلى عمر بن عبد العزيز ﵁: مما تقدم يظهر للمتأمل أن عدد ركعات التراويح كان مستقرا إلى ثلاث وعشرين، منها ثلاث ركعات وترا
عهد علي ﵁: أما عهد علي ﵁ فجاء في سنن البيهقي أنّه ﵁ جعل للرجال إماما وللنساء إماما، ولكنه كان يؤمهم بنفسه في الوتر؛ فعن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي ﵁ قال: "دعا القراء في رمضان فأمر منهم رجلا أن يصلي بالناس عشرين ركعة، قال وكان علي ﵁ يوتر بهم"، قال البيهقي: "وروى هذا من وجه آخر عن علي". فقد وجدنا هنا تجديدا في زمن علي حيث أنّه كان في عهد عثمان ﵁ يصلي بهم التراويح وفي العشر الأخير يقتصر لنفسه، وهنا نجد عليا ﵁ يصلي بهم الوتر. أما إمام النساء في زمن علي ﵁ فهو عرفجة الثقفي كما عند المروزي، قال عرفجة الثقفي: "أمرني علي ﵁ فكنت إمام النساء في قيام رمضان". ففي زمن علي ﵁ كانت التراويح عشرين والوتر ثلاث، وهذا أغلب الظن كما كانت في عهد عثمان ﵁، وعهد عمر ﵁، وأن الزيادة إنما أحدثت بعد عهد علي ﵁ أي الست والثلاثين المتقدمة. وفي زمنه أيضا تولى هو الإمامة في صلاة الوتر على خلاف عثمان وعمر ﵄.
ما بين عمر وعثمان وعلي ﵃ إلى عمر بن عبد العزيز ﵁: مما تقدم يظهر للمتأمل أن عدد ركعات التراويح كان مستقرا إلى ثلاث وعشرين، منها ثلاث ركعات وترا
6 / 35
كما في رواية يزيد بن الرومان عند مالك كما تقدم، قال: "كان الناس يقومون زمن عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة؛ وهو كما قال عنه في التقريب: يزيد بن الرومان المدني مولى آل الزبير ثقة من الخامسة، مات سنة ثلاثين أي بعد المائة، فيكون قد عني بزمن عمر فقط، وإلا لقال: "وعثمان وعلي".
وعليه تكون الزيادة التي وردت في روايات كل من معاذ القارئ وصالح مولى التوأمة أنها وجدت بعد عمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم، لأنها محددة بما قبل الحرة، ولم تعين أي وقت كان قبلها.
فإذا كانت النصوص تحدد بثلاث وعشرين زمن عمر، وتظل تنص على ثلاث وعشرين أيضا من فعل علي في عهد علي فيكون من البين أن هذا العدد كان مستقرا وثابتا إلى زمن علي ﵁، وأن الزيادة إنما جاءت بعده، وقد استمرت إلى عمر بن عبد العزيز فيما بعد.
تحديد الزيادة التي طرأت على عهد علي ﵁:
١- أولا: جاءت رواية نافع مولى ابن عمر ﵁ كما تقدم عند الباجي أنّه قال: "أدركت الناس يصلون بسبع وثلاثين ركعة يوترون منها بثلاث".
أي أن التراويح زادت من عشرين إلى ست وثلاثين ماعدا الوتر ثلاث؛ ونافع مات سنة ١١٧ أي بعد وفاة عمر بن عبد العزيز ﵀ بست عشرة سنة، لأنّ عمر مات سنة ١٠١.
وقوله: أدركت الناس، يشير إلى أنّ ذلك من قبل خلافة عمر بن عبد العزيز، وقد صرح بهذا العدد في عهد عمر بن العزيز ﵀ أبان بن عثمان أيضا، وداود بن قيس عند المروزي؛ قال: "أدركت المدينة في زمن أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز يصلون ستا وثلاثين ركعة يوترون بثلاث، وفي بعض الروايات ويوترون بخمس".
وبالنظر في رواية داود بن قيس وإحدى روايتي نافع يتبين أن التروايح كانت في عهد عمر بن عبد العزيز ستا وثلاثين ركعة.
وبالنظر في رواية معاذ القارئ وإحدى روايتي نافع الأخرى يتبين لنا أن تلك الزيادة وجدت قبل عمر بن عبد العزيز، لأنّ فيها أنّه كان يصلي إحدى وأربعين ركعة..
وإحدى روايتي نافع أنّه أدرك الناس يصلون ستا وثلاثين ويوترون بخمس ومجموعها إحدى وأربعون، فتتفق روايات كل من نافع وداود بن قيس وصالح مولى التوأمة على وجود إحدى وأربعين ركعة، منها الوتر بخمس،
6 / 36