Tarajim Mashahir
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
Genres
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الوالي الكريم، والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم
وبعد، فمن عبد ربه محمد المهدي ابن السيد عبد الله، إعلاما منه إلى كافة المشائخ في الدين والأمراء والنواب والمقاديم أتباع المذكورين. يا عباد الله، اسمعوا ما أقول لكم وكونوا على بصيرة، واحمدوا ربكم واشكروه على النعمة التي خصكم بها، وهو ظهورنا؛ فهو شرف لكم على سائر الأمم، ولكن المطلوب منكم يا أحبابنا المهاجرة في سبيل الله والمجاهدة في سبيل الله، والزهد في الدنيا، وكل ما فيها؛ فإلى البوار، ولو كانت لها بال لكان ربكم يحليها، وانظروا في أهلها الذين كانت في كل ما يطلبوه وصارت لهم بعد ما كانت عسلا حنظلا وسما، وصاروا في غاية العذاب والهلاك بعده وشدة التعب والمشقة، ولو كان فيها خير لما صاروا هكذا، وبعد ذلك فلهم العذاب الشديد، فإن عجبكم هذا فافعلوا، وإلا فاتقوا الله وكونوا مع الصادقين، وجاهدوا في سبيل الله؛ فلهزة سيف مسلم في سبيل الله أفضل من عبادة سبعين سنة، ووقفة في الجهاد قدر فواق ناقة؛ يعني حلبة ناقة، أفضل من عبادة سبعين سنة. وعلى النساء الجهاد في سبيل الله، فمن صارت قاعدة وانقطع منها أرب الرجال فلتجاهد بيديها ورجليها، والشبابة فليجاهدن نفوسهن ويسكن بيوتهن، ولا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، ولا يخرجن إلا لحاجة شرعية، ولا يتكلمن كلاما جهرا، ولا يسمعن الرجال أصواتهن إلا من وراء حجاب، ويقمن الصلاة ويطعن أزواجهن ويستترن بثيابهن، فمن قعدت كاشفة فاتحة رأسها ولو لحظة عين فتؤدب وتضرب سبعة وعشرين سوطا، ومن تكلمت بفاحشة فعليها ثمانون سوطا، ومن قال لأخيه: يا كلب أو يا خنزير أو يا يهودي أو يا ... أو يا ... فيضرب ثمانين سوطا ويحبس سبعة أيام، ومن قال: يا فاجر أو يا سارق أو يا زاني أو يا خائن أو يا ملعون فعليه ثمانون سوطا، أو يا كافر أو يا نصراني أو يا لوطي فعليه ثمانون سوطا ويحبس سبعة أيام، ومن تكلم مع أجنبية وليس بعاقد عليها ولا لأمر شرعي يجوز ذلك الكلام فيضرب سبعة وعشرين سوطا، ومن حلف بطلاق أو حرام يؤدب سبعة وعشرين سوطا، ومن شرب الدخان يؤدب ثمانين ويحرق التنباك إن كان عنده، وكذلك من خزنها في فمه ومن عملها بأنفه ومن أبقاها في فيه يؤدب مثل ذلك، ومن باعها واشتراها ولم يستعملها يؤدب سبعة وعشرين سوطا، ومن شرب الخمرة ولو مصة إبرة فيؤدب ثمانين سوطا ويحبس سبعة أيام، وجاره إن لم يقدر عليه يكلم أمير البلد، وإن لم يكلمه فيضرب ثمانين سوطا ويحبس سبعة أيام، ومن ساعد شارب الخمر بشربة ماء أو إناء فيؤدب كذلك ويحبس، ويجاهد نفسه في طاعة الله حقيقة أشد من الجهاد بالأرماح؛ لأن النفس أشد من الكافر مقاتلة؛ فالكافر تقاتله وتقتله وتكون لك الراحة منه، وهي عدوة في صورة حبيب، فقتلها صعب ومسلكها تعب، ومن ترك الصلاة عمدا فهو عاصي الله ورسوله، قيل: كافر، وقيل: يقتل، وجاره إن لم يقدر عليه يكلم أمير البلد، فإن لم يكلمه فيضرب ثمانين سوطا، ويحبس سبعة أيام، وقيل: أموالهم غنيمة. وبنت خمس إن لم يسترها أهلها فيضربون من غير حبس، ومن علم بأمة معها زوج بغير عقد وصبر يوما، قيل: يقتل، وقيل: يحبس وماله غنيمة. واعلموا أيها الأحباب أن خلافتكم وإمارتكم ونيابتكم عنا في الأحكام والقضايا لأجل أن تشفقوا على الخلق، وتزهدوهم في الدنيا ليتركوها، وترغبوهم في الآخرة ليرغبوها ويطلبوها، وتعلموهم عداوة نفوسهم ليحذروا منها وتنصفوا من أنفسكم إذا ادعوا عليكم فيها، فما أشكل فأمروهم فيه بالصبر لغاية طلب الأمراء وجمعهم عندنا، ويصير تخييره بحسب الحكم فيه من الله ورسوله ، واعلموا يقينا أن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وكونوا عباد الله مع الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واعلموا أيها الأحباب أن القضايا التي كانت من اثني عشر رجب الماضي عام 1300 بقمة ماسة قد صار رفعها مطلقا ما عدا الأمانة والدين ومال اليتيم، وأما التي بعد الاثني عشر رجب الماضي وقبل الفتوح تسمع فيه الدعاوي، وأما قتل النفس ففيه تفصيل في كونه مخير ولي المقتول في أخذ الدية أو القصاص، وأما بعد الفتوح بالنسبة إلى العهد فيتعين فيه القصاص لا غير، فاعملوا بذلك طبق المنشور وكذلك مال الخلع أخذه عموما من الأزواج بعد الدخول بهن والاستمتاع بهن فلا يصح أخذه منهن، فاحكموا فيه بالحكم الذي فصله الله تعالى في القرآن العظيم، واعلموا يا أحبابي ولا تخالفوا، وامتثلوا الأمر وكونوا سامعين طائعين لأمري، ولا تعيروا ولا تكفروا النعمة التي من الإله عليكم بها فقيدوها بالشكر، وتزوج الغنية بعشرة ريال مجيدي أو أنقص، والعزبة بخمسة ريال مجيدي أو أنقص، ومن خالف هذا فعليه الأدب بالضرب والحبس في السجن حتى يتوب أو يموت في سجنه، ومقطوع من أهل زمرتنا، ونحن بريئون منه وهو بريء منا والسلام. (الختم)
وكان مع ذلك لا يغفل طرفة عين عن بث العيون والأرصاد لاستطلاع حركات الحكومة ومعرفة أغراضها، فكان يعرف كل ذلك في حينه معرفة تامة، فلا تحدث حادثة أو تنوي الحكومة نية أو تخطو الجنود المصرية خطوة إلا ويعلم بها هو، وأرسل في أثناء ذلك قواده تبث دعوته في أنحاء السودان، فبعث عثمان دقنة إلى السودان الشرقي يتولى قيادة العصاة هناك، وأرفقه بالمنشورات إلى قبائل السودان الشرقي لتكون عضدا له، وكان عثمان دقنة هذا من تجار الرقيق في سواكن، وكان ناقما على الحكومة.
شكل 10-3: هيكس باشا. (2-1) حملة هيكس باشا
هذه هي الحملة التي زادت الويلات على مصر، وكان من أمر فشلها وهلاكها ما هو أشهر من نار على علم، فيجدر بنا بسط واقعتها وسبب هلاكها، وكيفيته؛ لأن الناس ما زالوا حتى الآن يعجبون لهلاك تلك الحملة وذهابها أدراج الرياح وعدد رجالها أحد عشر ألفا أو تزيد معظمهم من الجنود المنظمة.
جاء هيكس باشا في بادئ الرأي إلى الخرطوم، والحكومة لم تصمم على فتح الأبيض، فأقام هناك مدة، فبلغه أن بضعة آلاف من العصاة البقارة بقيادة الأمير أحمد المكاشف وكيل المهدي هناك فخرج إليهم هيكس وحاربهم عند مرابية بالقرب من جزيرة آبا، فقتل المكاشف وعدد من قواده ورجاله، وفر الباقون وكان لتلك الواقعة تأثير حسن في إرجاع ثقة أهالي سنار والخرطوم إلى الحكومة وقوة جنودها.
فصممت الحكومة على إرسال حملة تفتح الأبيض، فكتب هيكس باشا إلى الحكومة بالقاهرة أنه لا يتحمل تبعة هذه الحملة إلا إذا كانت القيادة إليه وحده، فسلمت له بذلك، ولكنها أرسلت معه علاء الدين باشا حكمدار الخرطوم، فطلب هيكس مددا من الرجال والمال وسار علاء الدين باشا إلى شرقي النيل الأزرق فاستحضر أربعة آلاف جمل، وفي أواخر أوغسطس تمت كل معدات الحملة من أم درمان.
وفي 8 سبتمبر استعرض هيكس باشا جنوده، وفي 9 منه خرجت الحملة من أم درمان قاصدة الدويم وبينهما مائة وعشرة أميال، وكانت تلك الحملة مؤلفة من أربع أرط من الجنود المصرية معظمهم من الذين حاربوا في سبيل الثورة العرابية، وخمس أرط سودانية، وأرطة من الطبجية والخيالة، وكانت الجنود المصرية تحت قيادة سليم بك عوني، والسيد بك عبد القادر، وإبراهيم باشا حيدر ، ورجب بك صديق، والباشبوزق بقيادة خير الدين بك، وعبد العزيز بك، ووالي بك، وملحم بك، ويحيى بك، والطوبجية والسواري بقيادة عباس بك وهبي، وبلغ عدد جنود الحملة أحد عشر ألفا؛ منهم سبعة آلاف من المشاة المصريين، والباقون من الباشبوزوق والخيالة وتوابع الحملة من الجمالة وغيرهم، وفيها 5500 جمل، و500 فرس، وأربعة مدافع كروب، وعشرة مدافع جبلية، وستة من نوع النوردنفلت، وكان فيها من الضباط الإفرنج الكولونيل فركوهار رئيس أركان حرب، والبكباشية سكندروف ووورتر، وماسي، وإيفانس، وغيرهم، ومكاتيو النمس والدالي نيوز، والغرافيك.
وفي 20 سبتمبر وصلت الحملة إلى الدويم، وهناك اجتمعت بعلاء الدين باشا، أما هيكس فكان لا يزال في الخرطوم وقد أرسل تلغرافا إلى القاهرة أنبأ الحكومة بخروج الحملة من الخرطوم، وبين الصعوبة التي ينتظر ملاقاتها في طريقه نظرا لحرارة الإقليم وقلة المياه، وكان في عزمه أن يجعل مسير الحملة من الدويم إلى الأبيض عن طريق باره، وطول هذه الطريق 126 ميلا يقيم في أثنائها محطات فيها قوات عسكرية لحفظ خط الرجوع (خط الاتصال) إلى الدويم، فيفتح أولا بارة يقيم فيها مدة ثم يخرج على الأبيض.
فلما جاء الدويم وانضم إلى الحملة تفاوض هو وعلاء الدين باشا في الأمر، فقال علاء الدين: إنه أرسل أناسا جسوا الأرض، فقالوا: إن طريق بارة قليلة المياه، وإن أحسن طريق للأبيض بمثل هذا الجند الكبير طريق خور أبو جبل والرهد إلى الجنوب، فإن الماء كثير فيها، نعم إن طولها 250 ميلا ولكن مائة منها سهلة، يسير بها الجند بكل راحة والماء كثير، إلا أن المسافة بين الدويم ونورابي - وطولها 90 ميلا - قليلة المياه فأقنعه علاء الدين باشا أن الماء في تلك المسافة يسهل الحصول عليه، وبناء على ذلك قررا أن تسير الحملة عن طريق خور أبو جبل، فوصلوا في 24 سبتمبر إلى شات واستولوا على آبارها، وأنشئوا نقطة عسكرية. وبدأ الجند منذ خروجهم من الدويم يقدرون العواقب الوخيمة وينتظرون البلاء العظيم، وكان سيرهم على شكل مربع يتأهب للقاء العدو، في مقدمته الدليلان فالطلائع فالضباط العظام وأركان الحرب، ثم المربع وهو مؤلف من المشاة المصريين وفي ساقته الخيالة، والجمال، والأحمال، والأثقال، وفي وسط المربع الطوبجية، وقد شبه سلاتين باشا ذلك المربع بغابة من الرءوس والأعناق، إذا أطلق العدو عليها رصاصة يستحيل أن تخطئها كلها.
Unknown page