وهو أغلب أسباب الخلاف، وقد تكلمنا عليه في بابه.
السبب الثاني: الجهل بالدليل
وأكثر ما يجيء في الأخبار لأن بعض المجتهدين يبلغه الحديث فيقضي به، وبعضهم لا يبلغه فيقضي بخلافه، فينبغي للمجتهد أن يكثر من حفظ الحديث وروايته لتكون أقواله على مقتضى الأحاديث النبوية، ولذلك كثرت مخالفة أبي حنيفة ﵀ للحديث لقلة روايته له فرجع إلى القياس، بخلاف أحمد بن حنبل فإنه كان متسع الرواية للحديث فاعتمد عليه وترك القياس، وأما مالك والشافعي فإنهما أخذا بالطرفين، وقد قال الشافعي: "إذا صح الحديث فهو مذهبي".
السبب الثالث: الاختلاف في صحة نقل الحديث
بعد بلوغه إلى كل مجتهد، إلا أن منهم من صح عنده فعمل بمقتضاه، ومنهم من لم يصح عنده إما لقدح في سنده، أو لتشديده في شروط الصحة، كثيرًا ما يجري ذلك لمالك ﵀ فإنه من أشد أهل العلم تحفظًا في نقل الحديث.
السبب الرابع: الاختلاف في نوع الدليل هل يحتج به أم لا؟
فهذا السبب أوجب كثيرًا من الخلاف، وذلك كعمل أهل المدينة وهو حجة عند مالك فعمل بمقتضاه، وليس حجة عند غيره فلم يعملوا به، كالقياس وهو حجة عند الجمهور فعملوا به. وليس حجة عند الظاهرية فلم يعملوا به.
وقد استوفينا الكلام على ذلك كله في فن الأدلة.
السبب الخامس: الاختلاف في قاعدة من الأصول ينبني عليها الاختلاف في الفروع كحمل المطلق على المقيَّد وشبه ذلك.
السبب السادس: الاختلاف في القراءات في القرآن، فيأخذ مجتهد بقراءة، ويأخذ غيره بأخرى، كقوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ﴾ [المائدة: الآية ٦] قرئ بالنصب فاقتضى غسل الرِجْلَيْنِ لعطفه على الأيدي، وقرئ بالخفض فاقتضى مسحهما لعطفه على الرؤوس إلا أن يتاول على غير ذلك.
السبب السابع: في اختلاف الرواية في ألفاظ الحديث، كقوله ﷺ: "ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ" (١) روي بالرفع فأخذ به مالك والشافعي، وبالنصب فأخذ به أبو حنيفة.
_________
(١) رواه أبو داود في سننه ٣/ ٢٥٣، والترمذي ٤/ ٧٢، وابن ماجه ٢/ ١٠٦٧، والدارمي ٢/ ٨٤، والحاكم ٤/ ١١٤، والبيهقي ٩/ ٣٣٤ - ٣٣٥.
1 / 202