ابن حزم في كتابه هذا، وجعلتني اعتقد أن كلمة " الشيخ " ربما تشير إلى متى المنطقي نفسه. غير ان ابن حزم لم يذكر شيئا عن متى هذا في هذه النسخة، أترى النسخة التي بين أيدينا مفتقرة إلى ذلك السند؟؛ ويحق لنا في هذا الموقف ان نتساءل: هل اطلع ابن تيمية على كتاب التقريب وان كان قد فعل فلم يناقش ابن حزم كما ناقش غيره من أنصار المنطق؟ اكبر الظنان انه اطلع عليه ولكنه لم يكن بين يديه حين ألف كتابه، أو انه لم يكن يرى في كتاب مغربي خطرا على الفكر المشرقي، فاكتفى بمهاجمة كتب المشارقة والرد عليها.
ثم: أكانت هناك ترجمات أندلسية خاصة غير تلك التي افترضنا ورودها من المشرق؟ ليس هناك جواب حاسم على هذا التساؤل وكل ما نستطيع أن نقدره هنا ان ابن حزم ربما عرف بعض الترجمات اللاتينية فانه كان يعرف هذه اللغة، وقد تعرض لذكرها في مواطن من كتاب التقريب فقال: " ومن أحكم اللغة اللطينية عرف الفرق بين المعنيين اللذين قصدنا في الاستفهام " (١) وقال مرة أخرى: " وهذا يستبين في اللغة اللطسنية عندنا استبانة ظاهرة " (٢) وقال في موضع ثالث: " ولهذا المعنى في اللطينية لفظة لائحة البيان " (٣) وليس بغريب أن يعرف ابن حزم اللاتينية فقد كانت حينئذ شائعة في الأندلس، أما اليونانية فلم يكن هنالك من يحسنها ولذلك نجد في التقريب ما يوحي بأنه لا يعرفها (٤) غير أن مما يلفت النظر مناقشة لبعض الآراء على انها مما لم يقل به ارسطاطاليس، فهل استمد هذا من متى المنطقي أو كان يعرف أصولا دقيقة وهو ينقل عمن يسميهم " الأوائل "؟
وهناك مصدرا آخر مشرقي رشك في ان ابن حزم اطلع عليه وهو كتاب؟ أو كتب - من تأليف الناشئ الأكبر أبي العباس المعروف بابن شريشر (- ٢٩٣) . وأبو العباس هذا الشاعر معتزلي ألف في الرد على المنطقيين وهو من أوائل المفكرين الذين حاولوا الطعن في المنطق أرسطو. وقد استشهد به أبو سعيد السيرافي في مناظرته مع متى المنطقي؟ وهي المناظرة التي حفظها أبو حيان في كتاب الإمتاع والمؤانسة - ويبدو مما أورده ابن حزم أن بعض آراء الناشئ كانت نوعا من السفسطة، ولذلك حمل عليه ووصفه بكثرة الهذر.
_________
(١) التقريب: ١٥
(٢) التقريب: ٥٢
(٣) التقريب: ٥٤
(٤) انظر ص: ٧٥ مثلا
1 / 9