والجوهر وان كان لا يوجد دونها أيضا، فقد يوجد أيضا دون بعضها، ولا سبيل إلى ان يوجد شيء منها دون جوهر ألبتة لأن الجوهر محسوس بالعقل فقط، وليس مرئيا ولا مذوقا ولا ملموسا ولا مشموما وإنما نرى الالوان، فإذا عدم اللون لم نر شيئا كالهواء المتحرك، وهو الريح فانه يحس باللمس، وينطح [١٢و] الاجسام العظام فيسقطها وهو غير مرئي لأنه لا لون له، والجن كذلك، وقد أخبرنا الصادق، ﵇، عن الله ﷿، أنهم يروننا من حيث لا نراهم، ونحن ذوو ألوان وهم غير ذوي ألوان، وكذلك أيضا لا نشم الحجر لأنه لا رائحة له، وإنما نشم الرائحة على حسب اختلافها وكذلك أيضا لا يذاق الحجر فانه لا طعم له وإنما تذاق الطعوم على حسب اختلافها، وإنما تلمس المحية من الخشونة أو اللين أو الاملاس أو الصلابة أو التهيل، وقد يسمح (١) بعض الجوهر بعرض فيه على ما يأتي بعد هذا، ان شاء الله ﷿. وإنما أوقعنا ما يقع تحت الحواس تحت الكيفية طلبا للاختصار وجمعا للكثير (٢) تحت اسم واحد، ولأنها كلها ترسم برسم واحد، على ما يقع في بابه ان شاء الله. وكل من الرؤوس التي ذكرنا جامع لطبيعة أشياء كثيرة فسمينا كل واحد جنس أجناس، وسمينا كثيرا مما يقع تحت كل رأس منه أجناسا أيضا، إلى أن نبلغ إلى الانواع المحضة التي تلي الأشخاص.
واعلم أن كل رأس أعلى، ومرادنا بذلك جنس الاجناس، وكل ما تحته مما يسمى جنسا أو نوعا فان كل ما يقع تحته يسمى باسم الرأس الذي هو أعلى منه، ونحدده بحده، فأن نفس الإنسان تسمى جوهرا وتسمى حية وترسم برسم الجوهر وتحد بحد الحي وكذلك جسد الإنسان يتسمى ناميا وجوهرا وجسما ويحد ويرسم برسم وحد كل واحد من هذه الأسماء.
واعلم انه لا يسمى الرأس الأعلى باسم ما تحته ولا يجد بحده. والمتقدمون يعبرون في هذا المكان بأن يقولوا: " الأعلى يقال على الأسفل والأسفل لا يقال على الأعلى " وإنما كان ذلك لأن الأسفل موجود في الرأس الأعلى وغيره مما هو واقع تحت الرأس الأعلى، فلو سميت الرأس الاعلى باسم ما يقع تحته لكنت قد
_________
(١) يسمح: يسمع
(٢) للكثير: للتكثير.
1 / 26