قائما بنفسه كالجوهر، وقد تجد النفس بمجرد العقل ويتدرج من وجودها هذه العشرة إلى معرفة ما هو موجود حقا غير موصوف بشيء من صفات هذه العشر وهو الأول الواحد الخالق الذي لم يزل لا إله الا هو. فكل ما يقع تحت جنس واحد فلا يكون وجوده إلا على صفة واحدة جامعة لجمعه، أي يجد واحد جامع لكل ما تحت الجنس، أو بخاصة واحدة جامعة لكل ما تحت الجنس، على ما نبين في باب كل رأس من العشر المذكور، وخواص الرؤوس المحققة من هذه العشر مختلفة فوجب أن لا تكون كلها تحت جنس واحد، فوجب أن لا يكون موجود جنسا لهذه العشر البتة. والقول في مثبت كالقول في موجود ولا فرق. وأما لفظة حق وشيء فبعض هذه العشر إنما هو حق بنفسه، وهو الجوهر، وكذلك هو أيضا شيء بنفسه، وسائرها إنما هي حق بغيرها وشيء بغيرها، لانها إنما تحققت بالجوهر، وبه (١) صارت أشياء، ولولا الجوهر لم تكن حقا ولا شيئا. وكل ما يقع تحت جنس فطبيعته واحدة لا مختلفة، وهذه الأشياء طبائعها مختلفة كما ترى، فوجب أن لا يكون حق وشيء جنسا لها، إذ إنما يكون إيقاع أسماء الاجناس على ما تحتها على حسب اتفاقها في طبائعها، واتفاقها في حدودها، واتفاقها في فصولها فيوجب ذلك اتفاق اسمائها، وبحسب اختلافها في الطبائع تختلف فصولها وحدودها فتختلف أجناسها لذلك.
واعلم أم موجودا وحقا ومثبتا وشيئا واقعة على كل ما تقع عليه وقوع الأسماء المشتركة، على ما نبين في باب الاسماء على المسميات. فان قال قائل: فهلا جعلتم قولكم " عرضا " جنسا للتسع الباقية دون الجوهر؟ قيل له، وبالله التوفيق: إن هذه التسع المسميات عرضا كون مختلف، وحمل الجوهر لها حمل مختلف، لأن بعضها محمول في شخصه وعرض فيه كالكيفيات، وبعضها محمول في طبيعته وعرض فيها كالعدد والزمان، وبعضها عرض له من قبل غيره، ومحمول في طبيعته بطبيعة غيره، كالاضافة. وقد قدمنا أن الجنس منبئ عن طبيعة ما تحته، وهذه التي ذكرنا طبائعها في كونها عرضا مختلفة ورسومها مختلفة فبطل كون [١١ظ] عرض جنسا لها، فمن نازعنا من أهل
_________
(١) تحققت بالجوهر وبه: تحققت بالجوهرية
1 / 24