يحمله غيره فاتفقنا على ان سميناه " عرضا ". فالجوهر هو جرم الحجر والحائط والعود وكل جرم في العالم. والعرض هو طوله وعرضه ولونه وحركته وشكله وسائر صفاته هي محمولة في الجرم. فانك ترى البلحة (١) خضراء ثم تصير حمراء ثم تصير صفراء والحمراء غير الخضرة وغير الصفرة والعين التي تتصرف عليها (٢) هذه الالوان واحدة ثم تنقل فتصير جسما آخر. وكذلك ترى الذهب زئبرة (٣)، ثم يصير سبيكة ثم يصير دينارا منقوشا والجسم في كل ذلك هو نفسه. وكذلك ترى الإنسان مضطجعا ثم راكعا قائما ثم قاعدا وهو في كل ذلك واحد لم يتبدل، واعراضه متبدلة متغيرة، صفة تذهب [وصفة] تحدث. ولا بد لكل ما ذكرنا من قسمي الخالق من صفات محمولة فيه أو معنى يوجد له يمتاز بذلك عما سواه ويجب من أجله الفرق بين الاسماء.
وأما الخالق ﷿، فليس حاملا ولا محمولا بوجه من الوجوه وقد أحكمنا هذا المعنى في مكان غير هذا، والحمد لله رب العالمين على توفيقه إيانا.
ثم نرجع فنقول: إن الصفات أو المعاني التي ذكرنا أنه لا بد لكل ما دون الخالق تعالى، فانها تنقسم قسمين: إما دالة على طبيعة ما هي فيه مميزة له مما سواه، فاتقنا على أن سميناها " حدا "؛ وإما مميزة له مما سواه وهي غير دالة على طبيعة، فاتفقنا على أن سميناها " رسما " ونقول: إن المحارجة (٤) في الاسماء لا معنى لها، وإنما يشغل بذلك أهل الهذر والنوك والجهل؛ وإنما غرضنا منها الفرق بين المسميات، وما يقع به إفهام بعضنا بعضا فقط. فقد ارسل الله تعالى رسلا بلغات شتى، والمراد بها معنى واحد، [٨ظ] فصح أن الغرض إنما هو التفاهم فقط، ولا بد لكل مادون الخالق تعالى من ان يكون مرسوما ومحدودا (٥) ضرورة، لأنه لا بد أن يوجد له معنى يميز به
_________
(١) كلمة البلحة كتبت فوق كلمة " النخلة " في ص
(٢) عليها: عليه
(٣) الزئبر ما يكون فوق الثوب الجديد أو القطيفة أو ما شابه، وقد يفهم في السياق على نحو من التأويل وأراه محرفا عن " تبرأ "
(٤) المحارجة: المحارحة
(٥) ومحدودا: ومحدوده.
1 / 17