المعترض حقا. وهذا العلم إنما قصد به ما يكون حقا، وتخليصه مما قد يكون حقا وقد لا يكون. ثم نرجع فنقول ان الصوت الذي يدل على معنى ينقسم قسمين: إما أن يدل بالطبع واما أن يدل بالقصد فالذي يدل بالطبع هو كصوت الديك الذي يدل في الاغلب على السحر وكأصوات الطير الدالة على نحو ذلك وكأصوات البلارج والبرك والاوز والكلاب بالليل الدالة في الاغلب على انها رأت شخصا، وكأصوات السنانير في دعائها اولادها وسؤالها وعند طلبها السفاد وعند التضارب، وكل صوت تدل بطبعه على مصوته كالهدم ونقر النحاس وما اشبه ذلك من اصوات الحيوان غير الإنسان. فهذه إنما تدل على كل ما ذكرنا بالعادة المعهودة مما في شاهده تلك الاصوات، لا أنا نفهمها ما نتخاطب به فيما بيننا باللغات المتفق عليها بين الامم التي نتصرف بها في جميع مراداتنا. فهذه الاصوات التي ذكرناها لم نقصدها في كتابنا هذا إذ ليس يستفاد منها توقيف على علم ولا تعلم صناعة ولا افادة خبر وقع. واما الصوت الذي يدل بالقصد فهو الكلام الذي يتخاطب الناس به فيما بينهم ويتراسلون بالخطوط المعبرة عنه في كتبهم لايصال ما استقر في نفوسهم من عند بعضهم إلى بعض، وهذه التي عبر عنها الفيلسوف بأن " سماها الاصوات المنطقية الدالة ". فان شغب مشغب بما يظهر من بعض الحيوان غير الناطق من كلام مفهوم كالذي يعلمه الزرزور والببغاء والعقعق من حكاية كلام يدرى فيه قائم المعنى، فليس ذلك صحيحا ولا مقصودا به افهام معنى ولا يعد مما علم ولا يضعه موضعه ولكن يكرره كما يكرر سائر تغريده كما عوده. وكثير من الحيوان في طبيعته أن يصوت بحروف ما على رتبة ما، وذلك كله بخلاف كلام الإنسان [٦ ظ] الذي يعبر به عن أنواع العلوم والصناعات والاخبار وجميع المرادات.
ثم نرجع فنقول: إن هذا القسم الذي ذكرنا أنه يدل بالقصد ينقسم قسمين:
1 / 12