واما شيء متفرق فنجمعه، واما شيء منثور فنرتبه. ثم المؤلفون يتفاضلون فيما عانوه من تواليفهم مما ذكرنا على قدر استيعابهم ما قصدوا أو يقصر بعضهم عن بعض، ولكل قسط من الاحسان والفضل والشكر والاجر، وان لم يتكلم الا في مسألة واحدة إذا لم يخرج عن الانواع التي ذكرنا في أي علم ألف. واما من اخذ تأليف غيره فاعاده على وجهه وقدم وأخر، دون تحسين رتبه، أو بدل ألفاظه دون أن يأتي بأبسط منها وأبين، أو حذف مما يحتاج إليه، أو اتى بما [لا] يحتاج إليه، أو نقض صوابا بخطأ، وأتى بما لا فائدة فيه، فإنما هذه أفعال أهل الجهل والغفلة، وأهل القحة والسخف فنعوذ بالله من ذلك.
[المدخل إلى المنطق أو ايساغوجي]
وهذا حين نبدأ، إن شاء الله ﷿ يحوله وقوته، فيما له قصدنا فنشرع في بيان المدخل إلى الكتب المذكورة، وهو المسمى باللغة اليونانية إيساغوجي. معنى إيساغوجي في اللغة اليونانية " المدخل " وهو خاصة من تأليف فرفوريوس الصوري. والكتب التي بعده من تأليف أرسطاطاليس معلم الاسكندر ومدبر مملكته، وبالله تعالى التوفيق، وبه نعتصم ونتأيد، لا إله إلا هو.
١ - الكلام في انقسام الاصوات المسموعة [٦و]
جميع الاصوات الظاهرة من المصوتين فانها تنقسم قسمين: اما ان تدل على معنى، واما أن لا تدل على معنى. فالذي لا يدل على معنى لا وجه للاشتغال به لأنه لا يحصل لنا منه فائدة نفهمها؛ وطلب ما هذه صفته ليس من أفعال أهل العقول. وهذا مثل كل صوت سمعته لم تدر ما هو؛ ويدخل فيه أيضا الكلام الظاهر من المبرسمين والمجانين ومن جرى مجراهما. فان قال قائل: " فان هذا الكلام الذي ذكرت يدل على أن قائله لا يعقل أو أنه مريض "؛ قيل له وبالله تعالى التوفيق، انه يدلك [على] ذلك بمعناه. لكن لما فارق كلام أهل التمييز كان كالدليل على آفة بصاحبه. وأيضا فقد يظهر مثل هذا الكلام من حاك أو مجان، فلا يدل على أن صاحبه لا يعقل. فليس ما اعترض به هذا
1 / 11