المقربة لمن استعملها في طاعته، إلى فوز الأبد برضاه والخلود في جنته، نتيجة يبين بها من البهائم التي لا ثواب ولا عقاب عليها، والتي سخرها لنا في جملة ما سخر، وذللتها لحكمنا مع ما ذلل، إذ خلق لنا ما في السموات والأرض، الا ما حمى عنا، واستثنى بالتحريم علينا، فله الحمد والشكر منا، والسمع والطاعة علينا، ومن تتميم ذلك لنا بمنه وطوله، قال الله تعالى: ﴿وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم﴾ (٤ إبراهيم: ١٤) فهذه المرتبة الثالثة من مراتب البيان.
والوجه الرابع: إشارات تقع باتفاق، عمدتها تخطيط ما استقر في النفس من البيان المذكور، بخطوط متباينة، ذات لون يخالف لون ما يخط فيه، متفق عليها بالصوت المتقدم ذكره، فسمى كتابا، تمثله اليد التي هي آلة لذلك. فتبلغ به نفس المخطط ما قد استبانته إلى النفس التي تريد ان تشاركها في استبانة ما قد استبانته، فتوصلها إليها العين، التي هي آلة لذلك. وهي في الأقطار المتباعدة، وعلى المسافات المتباينة التي يتفرق الهواء المسمى صوتا قبل بلوغها، ولا يمكن توصيله إلى من فيها فيعلمها بذلك دون من يجاورها في المحل ممن لا يريد اعلامه. ولولا هذا الوجه، ما بلغت إلينا حكم الاموات على آباد الدهور، ولا علمنا علم الذاهبين على سوالف الاعصار، ولا انتهت الينا اخبار الامم الماضية والقرون الخالية. وتندرج في هذا القسم اشياء تبين وليست بالفاشية، فمنها: اشارات باليد فقط، ومنها اشارات بالعين أو بعض الاعضاء، وقد يمكن ان يؤدي البيان بمذاقات، فمن ذلك ما يدرك الاعمى بها البيان إلى الحاضر وحده على حسب ما يتفق عليه مع الشير بذلك إليه، فهذه المرتبة الرابعة من مراتب البيان [٣ظ] إذ لا سبيل إلى الكتاب الا بعد الاتفاق على تمييز تلك الخطوط بالاصوات الموقفة عليها، ندرة عجزت العقول عن اكثر المعرفة بها، وتوحد الواحد الأول الخالق الحق بتدبير ذلك واختراعه دون علة اوجبت عليه ذلك، الا انه يفعل ما يشاء لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون. وصارت غاية الفضائل فيها ما ذكرنا واستعماله في وجوهه والإقرار للخالق الأول الواحد الحق بالقوة والقدرة والعلم
1 / 5