في واد ظليل من أودية روايومون يرتفع دير ذو جدران منحوتة، تحيط به أكمات كثر فيها الشجر، يشرف على نهر جميل ذي مياه زرقاء كمياه البحر.
أما الحور والدردار والأدواح الشاهقة، فقد طفت أخيلتها على مياه النهر الجميل وحركت أشذاءها العطرية في مطارح الوادي.
وأما الدير فقد زنرته الكروم الخضرة وأزهار البنفسج والورد والجداول الرقراقة العذبة.
مرت الأعوام مرور الحلم الجميل ...
بنى الرهبان أمام أسوار الدير في أجمة كثر فيها الشوك والعوسج بناء لا أبواب له ولا نوافذ إلا فتحة ضيقة في بطن الأرض، أطلق عليه اسم «البيت السري».
لم يؤذن لأحد بأن يدخل إليه إلا الأب الرئيس، وكاتم أسراره الأخ بلاسيد.
فعندما كان هذان الكاهنان يخرجان من تلك الفتحة الضيقة، وأمارات الرهبة مرتسمة على محياهما، كانا يقولان للإخوة بصوت تتخلله نبرات الخوف: لنضرع إلى الله يا أبنائي! إن في القبر رجلا دفن حيا في أعماقه ... فلا ريب بأنه عظيم من عظماء المدينة، أو كاهن ثار على القانون، أو مريض أصيب بداء البرص ...
عندما يمر الإخوة أمام القبر الملعون، يرسمون شارة الصليب برهبة وهول، وفي بعض الأحيان يسمعون شهيقا يتصاعد من أعماقه، يتخلله صراخ موجع وزفرات مختنقة، فيجمد الدم حتى في عروق أشدهم بأسا وشجاعة.
ذات يوم قال الأب إلياس للأب بلاسيد: أستحلفك بالله يا أخي الحبيب أن تطلعني على سر القبر!
فأجابه هذا بهدوء وتواضع: لا أقدر يا أخي، لا أقدر، فلا تعد على مسمعي هذا السؤال، لقد أمرني الرئيس الجزيل الاحترام باسم الطاعة المقدسة ألا أفوه بكلمة عن سر القبر!
Unknown page