159

Tanzih Sharica

تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة

Investigator

عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله محمد الصديق الغماري

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1399 AH

Publisher Location

بيروت

وَاعْرِفْ فَضْلَ مَا أَنْتَ فِيهِ، وَإِلَى مَا أَنْتَ سَائِرٌ وَخُذْ مَا يُرِيكَ اللَّهُ مِنْ آيَاتِهِ وَعَجَائِبِ خَلْقِهِ لِتَشْكُرَ، فَحَمِدْتُ اللَّهَ عَلَى مَا رَأَيْتُ مِنْ عَجَائِبِ تِلْكَ النَّارِ، ثُمَّ جَاوَزْنَاهَا بِإِذْنِ اللَّهِ مُتَصَعِّدِينَ إِلَى عِلِّيِّينَ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى جِبَالِ الثَّلْجِ بَعْضُهَا خَلْفَ بَعْضٍ، لَا يُحْصِيهَا إِلا اللَّهُ، شَوَامِخُ مَنِيعَةُ الذُّرَى فِي الْهَوَاءِ وَثَلْجُهَا شَدِيدُ الْبَيَاضِ لَهُ شُعَاعٌ كَشُعَاعِ الشَّمْسِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ يُرْعِدُ كَأَنَّهُ مَاءٌ يَجْرِي، فَحَارَ بَصَرِي مِنْ شِدَّةِ بَيَاضِهِ وَتَعَاظَمَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ كَثْرَةِ الْجِبَالِ وَارْتِفَاعِ ذُرَاهَا فِي الْهَوَاءِ، حَتَّى نَبَتْ عَيْنَايَ عَنْهَا، فَقَالَ لِي جِبْرِيلُ لَا تَخَفْ يَا مُحَمَّدُ وَتَثَبَّتْ لِمَا يُرِيكَ اللَّهُ مِنْ عَجَايِبِ خَلْقِهِ، فَحَمِدْتُ اللَّهَ عَلَى مَا رَأَيْتُ مِنْ عِظَمِ تِلْكَ الْجِبَالِ ثُمَّ جَاوَزْنَاهَا بِإِذْنِ اللَّهِ مُتَصَعِّدِينَ إِلَى عِلِّيِّينَ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَحْرٍ آخَرَ مِنْ نَارٍ تَزِيدُ نَارُهُ عَلَى الْبَحْرِ الأَوَّلِ أَضْعَافًا وَتَلَظِّيًا وَأَمْوَاجًا وَدَوِيًّا وَمَعْمَعَةً وَهَوْلا، وَإِذَا جِبَالُ الثَّلْجِ بَيْنَ النَّارِ وَلا يُطْفِئُهَا فَلَمَّا وُقِفَ بِي عَلَى ذَلِكَ الْبَحْرِ وَهَوْلِ تِلْكَ النَّارِ، اسْتَحْمَلَنِي مِنَ الْخَوْفِ وَالْفَزَعِ أَمْرٌ عَظِيمٌ وَاسْتَقْبَلَتْنِي الرِّعْدَةُ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ كُلَّ شئ مِنْ خَلْقِ رَبِّي قَدِ الْتَهَبَ نَارًا، لَمَّا تَفَاقَمَ أَمْرُهَا عِنْدِي وَرَأَيْتُ مِنْ فَظَاعَةِ هَوْلِهَا وَنَظَرَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِي مِنَ الْخَوْفِ وَالرِّعْدَةِ قَالَ: سُبْحَانَ الله يَا مُحَمَّد مَالك أَتَظُنُّ أَنَّكَ مُوَاقِعُ هَذِهِ النَّارِ، فَمَا كل هَذِه الْخَوْفُ إِنَّمَا أَنْتَ فِي كَرَامَةِ اللَّهِ وَالصُّعُودِ إِلَيْهِ لِيُرِيَكَ مِنْ عَجَائِبِ خَلْقِهِ وَآيَاتِهِ الْكُبْرَى فَاطْمَئِنَّ بِرَحْمَةِ رَبِّكَ وَاقْبَلْ مَا أَكْرَمَكَ بِهِ فَإِنَّكَ فِي مَكَانٍ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ آدَمِيٌّ قَبْلَكَ قَطُّ فَخُذْ مَا أَنْتَ فِيهِ بِشُكْرٍ وَتَثَبَّتْ لِمَا تَرَى مِنْ خَلْقِ رَبِّكَ وَدَعْ عَنْكَ مِنْ خَوْفِكَ فَإِنَّكَ آمِنٌ مِمَّا يُخَافُ وَإِنْ كُنْتَ تَعْجَبُ مِمَّا تَرَى فَمَا أَنْتَ رَاءٍ بَعْدَ هَذَا أَعْجَبُ مِمَّا رَأَيْتَ فَأَفْرَخَ رُوعِي وَهَدَأَتْ نَفْسِي فَحَمِدْتُ اللَّهَ عَلَى مَا رَأَيْتُ مِنْ عَجَايِبِ آلائِهِ ثُمَّ جَاوَزْنَا تِلْكَ النَّارَ مُتَصَعِّدِينَ إِلَى عِلِّيِّينَ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَحْرٍ مِنْ مَاءٍ وَهُوَ بَحْرُ الْبُحُورِ لَا أُطِيقُ صِفَتَهُ لَكُمْ غَيْرَ أَنِّي لَمْ آتِ عَلَى مَوْطِنٍ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ الَّتِي حَدَّثْتُكُمْ كُنْتُ فِيهِ أَشَدَّ فَزَعًا وَلا هَوْلا مِنْ حِينِ وُقِفَ بِي عَلَى ذَلِكَ الْبَحْرِ مِنْ شِدَّةِ هَوْلِهِ وَكَثْرَةِ أَمْوَاجِهِ وَتَرَاكُمِ أَوَاذِيِّهِ وَالآذِيُّ هُوَ الْمَوْجُ الْعَظِيمُ كَالْجِبَالِ الرَّوَاسِي بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ مَحْبُوكٌ بِغَوَارِبَ، يَعْنِي طَرَائِقَ وَهِيَ الأَمْوَاجُ الصِّغَارُ فَتَعَاظَمَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ ذَلِكَ الْبَحْرِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ لم يبْق شئ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إِلا قَدْ غَمَرَهُ ذَلِكَ الْمَاءُ فَنَظَرَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ لَا تَخَفْ فَإِنَّكَ إِنْ رُعِبْتَ مِنْ هَذَا فَمَا بَعْدَ هَذَا أَرْوَعُ وَأَعْظَمُ هَذَا خَلْقٌ وَإِنَّمَا تَذْهَبُ إِلَى الْخَالِقِ رَبِّي وَرَبِّكَ وَرَبِّ كل شئ فَجُلِّيَ عَنِّي مَا كَانَ اسْتَعْمَلَنِي مِنَ الْخَوْفِ وَاطْمَأْنَنْتُ بِرَحْمَةِ رَبِّي، فَنَظَرْتُ فِي ذَلِكَ الْبَحْرِ، فَرَأَيْتُ خَلْقًا عَجِيبًا فَوْقَ وَصْفِ الْوَاصِفِينَ

1 / 161