وسألوا عن قوله تعالى (وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون) فقالوا كيف يكون ما ذكره آخرا مبطلا لما قالوا. فجوابنا انه بين ان من يخلق هذه الامور ويعمل عليها لا يكون الا قديما مخالفا لمن تصح عليه الولادة ولذلك اتبعه بقوله (بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) فبين تعالى بكل ذلك انه مخالف للاجسام التي تصح عليها الولادة وقالوا ان قوله اذا قضى أمرا فانما يقول له كن فيكون يدل على ان كل ما يفعله يفعله بهذا القول وان ذلك يوجب ان قوله وكلامه ليس بمحدث لانه لو كان محدثا لكان يحدثه بقول آخر ويؤدي الى ما لا نهاية له فجوابنا ان ما قالوه متناقض لان الظاهر يقتضي أنه يقول له كن وهذه اللفظة مشتملة على حرفين أحدهما يتقدمه الآخر والآخر يتأخر عنه على اتصال بينهما وما هذا حاله لا يكون الا محدثا فلا يصح اذا ما قالوا ولان قوله (فإنما يقول له كن فيكون) يقتضى انه يقول ذلك مستقبلا وذلك علامة الحدوث ولانه عطف المكون على القول بحرف الفاء ومن حقه ان يكون عقيبا له وما كان المحدث عقيبه لا يكون الا محدثا وعندنا ان المراد بذلك انه اذا قضى أمرا يكونه ويفعله من غير منع وذكر هذا القول على وجه التوسع ومثل ذلك في اللغة كما قال الشاعر: امتلأ الحوض وقال قطنى. والحوض لا يقول ولكن المراد انه اذا امتلأ فحسبه من الماء وأراد تعالى بذلك ان الاشياء لا تتعذر عليه كما تتعذر على سائر القادرين وقوله تعالى عقيب ذلك (وقال الذين لا يعلمون لو لا يكلمنا الله أو تأتينا آية) ومعناه هلا يكلمنا الله يدل على انه تعالى يفعل الكلام في المستقبل فكيف يجوز ان يكون قديما وقوله تعالى (إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا) والمراد بشيرا لمن اطاع ونذيرا لمن عصى وهو ترغيب في الطاعة وزجر عن المعاصي وقوله من بعد لرسوله صلى الله عليه وسلم (ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير) دلالة على ان النبوة لا تعصمه من الوعيد اذا عصى فكيف يكون حال غيره.
[مسألة]
وما معنى قوله تعالى (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) كيف يجوز في كلمات الله ان يتمها ابراهيم. وجوابنا ان المراد فيه انه ابتلاه بما يدل عليه الكلمات من العبادات وانه بامتثال ذلك أتم ما يلزمه وقد قيل انه علمه من أسمائه الحسنى ما يصير بذلك من أهل النبوة ولذلك قال تعالى بعده (إني جاعلك للناس إماما) فبين ان هذه الكلمات هي كالمقدمة لذلك وبين تعالى انه قد يكون في ذريته من يكون ظالما فلا يستحق النبوة والامامة فقال (لا ينال عهدي الظالمين) وبين تعالى انه جعل بيته الذي هو الكعبة (مثابة للناس وأمنا) يثوبون اليه حالا بعد حال للعبادة فقد كان في شريعة ابراهيم صلى الله عليه وسلم الحج على قريب مما هو في شريعتنا وجعل الله تعالى الحرم آمنا في أشياء كثيرة ثم أمر أن يسأل ربه أن يجعل الحرم آمنا وأن يؤتيهم من الطيبات وقد فعل تعالى لكنه سأل ذلك للمؤمنين فاجابه الله تعالى للكل فقال (ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار) وذلك لان عادة الله تعالى في الدنيا أن يعم خلقه بالارزاق بحسب المصالح فلا يحرم العاصي بمعصيته ولا يفضل المؤمن لإيمانه لكنه يدبرهم بحسب الصلاح ودل قوله تعالى (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) على انهما تعبدا ببناء البيت فلذلك قالا (ربنا تقبل منا) الى سائر ما دعوا الله تعالى.
[مسألة]
Page 35