وربما قيل في قوله تعالى (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه) كيف يصح ذلك ومعلوم أن الذي خبث أيضا من البلاد لا يخرج نباته الا باذن الله. وجوابنا ان المراد بذلك يخرج نباته موافقا للمراد والنفع لا نكدا ونبه جل وعز على ذلك بقوله (والذي خبث لا يخرج إلا نكدا) وذلك نقصان في الخروج وبيان النفع به لا يكاد يقع وذلك مثل من الله تعالى لمن يعمل العمل الصالح وخلافه ثم ذكر تعالى قصص الأنبياء وأنهم دعوا الأمم الى معرفة الله تعالى وخوفوهم عذابه وأن نوحا صلى الله عليه وسلم قال لقومه (إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) ان لم تعبدوه وانهم قالوا له إنك في ضلال مبين وأنه قال لهم (ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون) وهذه الجملة يعرف بها رفق الأنبياء وحسن دعائهم الى الدين وانهم بدءوا بالدعاء الى معرفة الله وعبادته وأنهم نزهوا أنفسهم عن الطمع في هذه الحياة وفيها اذا تأملها المرء ما يعتبر به ويعرف آداب الأنبياء صلى الله عليهم وسلم في الدعاء الى الدين وصبرهم على ما نالهم من الامم فيقتدى بهم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى في قصة صالح (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين) ثم قال (فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي) كيف يجوز أن يقول لهم ذلك وقد هلكوا بأخذ الرجفة لهم. وجوابنا أن في ذلك تقديما وتأخيرا ومثل ذلك يكثر في الكلام.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) ثم قال تعالى (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة) كيف يصح ذلك ومعلوم أنه لغير المؤمنين أيضا وجوابنا أنه أراد بقوله (التي أخرج لعباده) قد نبه على ان ذلك لكل العباد فمراده أخيرا هو أنها للمؤمنين في الحال وفي العاقبة ولذلك قال (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) فان من نال شهوته عاجلا وعاقبته النار لا يعد ما ناله نعمة عليه وقيل ان المراد بذلك ما حرموه من البحيرة والسائبة فبين انها من الطيبات للمؤمنين من حيث عرفوا أنها من رزق الله تعالى.
Page 149