القول يقتضي أنه تعالى خلق أعمال العباد، فما الوجه فيما وما عذر إبراهيم عليه السلام في إطلاقه؟.
(الجواب): قلنا من تأمل هذه الآية حق التأمل، علم أن معناها بخلاف ما يظنه المجبرة، لأن قوله تعالى خبر عن إبراهيم (ع) بأنه غير قومه بعبادة الأصنام واتخاذها آلهة من دون الله تعالى، بقوله: (أتعبدون ما تنحتون)، وإنما أراد منحوت وما حمله النحت دون عملهم الذي هو النحت، لأن القوم لم يكونوا يعبدون النحت الذي هو فعلهم في الأجسام، وإنما كانوا يعبدون الأجسام أنفسها. ثم قال: (والله خلقكم وما تعملون).
وهذا الكلام لا بد من أن يكون متعلقا بالأول ومتضمنا لما يقتضي المنع من عبادة الأصنام، ولا يكون بهذه الصفة إلا والمراد بقوله: وما تعملون الأصنام التي كانوا ينحتونها. فكأنه تعالى قال: كيف تعبدون ما خلقه الله تعالى كما خلقكم. وليس لهم أن يقولوا إن الكلام الثاني قد يتعلق بالكلام الأول على خلاف ما قدرتموه، لأنه إذا أراد أن الله خلقكم وخلق أعمالكم، فقد تعلق الثاني بالأول، لأن من خلقه الله لا يجوز أن يعبد غيره. وذلك أنه لو أراد ما ظنوه، لكفى أن يقول الله تعالى: والله خلقكم. ويصير ما ضمنه إلى ذلك من قوله: (وما تعملون) لغوا ولا فائدة فيه، ولا تعلق له بالأول ولا تأثير له في المنع من عبادة الأصنام. فصح أنه أراد ما ذكرناه من المعمول فيه، ليطابق قوله: (أتعبدون ما تنحتون).
فإن قالوا هذا عدول عن الظاهر، لقوله تعالى: (وما تعملون) لأن هذه اللفظة لا تستعمل على سبيل الحقيقة إلا في العمل دون المعمول فيه.
ولهذا يقولون: أعجبني ما تعمل وما تفعل، مكان قولهم: أعجبني عملك وفعلك.
قيل لهم: ليس نسلم لكم إن الظاهر ما ادعيتموه، لأن هذه اللفظة قد تستعمل في المعمول فيه، والعمل على حد واحد. بل استعمالها في
Page 62