وبين له قبحه وما فيه من الضرر، وزين له تركه وكشف له عما فيه من النفع:
إنني قد جنبتك كذا وكذا ومنعتك منه. وإنما يريد ما ذكرناه. وليس لأحد أن يقول كيف يدعو إبراهيم (ع) بذلك وهو يعلم أن الله تعالى لا بد أن يفعل هذا اللطف المقوى لدواعي الإيمان، لأن هذا السؤال أولا يتوجه على الجوابين جميعا، لأنه تعالى لا بد أن يفعل هذا للطف الذي يقع الطاعة عنده لا محالة. كما لا بد أن يفعل ما يقوي الداعي إلى الطاعات.
والجواب عن هذه الشبهة أن النبي صلى الله عليه وآله لا يمتنع أن يدعو بما يعلم أن الله تعالى سيفعله على كل حال، على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والتذلل له والتعبد. فأما قوله (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي) فالشبهة تقل فيه، لأن ظاهر الكلام يقتضي الخصوص في ذريته الكثير ممن أقام الصلاة.
تنزيه إبراهيم عن المجادلة:
(مسألة): فإن قيل فما معنى قوله تعالى: (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام) (1) فما لبث أن جاء بعجل حنيذ، وكيف يحضر إبراهيم عليه السلام للملائكة الطعام وهو يعلم أنها لا تطعم؟
ومن أي شئ كانت مخافته منهم لما امتنعوا من تناول الطعام؟ وكيف يجوز أن يجادل ربه فيما قضاه وأمر به؟.
(الجواب): قلنا أما وجه تقديم الطعام فلأنه (ع) لم يعلم في الحال أنهم ملائكة لأنهم كانوا في صورة البشر فظنهم أضيافا، وكان من عادته (ع) أقراء الضيف، فدعاهم إلى الطعام ليستأنسوا به وينبسطوا، فلما امتنعوا أنكر ذلك منهم، وظن أن الامتناع لسوء يريدونه، حتى خبروه بأنهم رسل الله تعالى أنفذهم لإهلاك قوم لوط عليه السلام (2).
Page 59