ولا بد لمن ذهب إلى أن معصية آدم عليه السلام صغيرة من هذا الجواب، لأنه إذا قيل له كيف تقبل توبته وتغفر له معصيته؟ قد وقعت في الأصل مكفرة لا يستحق عليها شيئا من العقاب، لم يكن له بد من الرجوع إلى ما ذكرناه، والتوبة قد تحسن أن تقع ممن لا يعهد من نفسه قبيحا على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والرجوع إليه، ويكون وجه حسنها في هذا الموضع استحقاق الثواب بها أو كونها لفظا، كما يحسن أن تقع ممن يقطع على أنه غير مستحق للعقاب، وأن التوبة لا تؤثر في إسقاط شئ يستحقه من العقاب، ولهذا جوزوا التوبة من الصغائر وإن لم تكن مؤثرة في إسقاط ذم ولا عقاب. فإن قيل: الظاهر من القرآن بخلاف ما ذكرتموه، لأنه أخبر أن آدم عليه السلام منهي عن أكل الشجرة بقوله: (ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) (1) وبقوله: (ألم أنهكما عن تلكما الشجرة) (2)؟ وهذا يوجب بأنه (ع) عصى بأن فعل منهيا عنه ولم يعص بأن ترك مأمورا به.
قلنا: أما النهي والأمر معا فليسا يختصان عندنا بصيغة ليس فيها احتمال ولا اشتراك، وقد يؤمر عندنا بلفظ النهي وينهى بلفظ الأمر، فإنما يكون النهي نهيا بكراهة المنهي عنه. فإذا قال تعالى: ولا تقربا هذه الشجرة، ولم يكره قربها، لم يكن في الحقيقة ناهيا، كما أنه تعالى لما قال: (اعملوا ما شئتم وإذا حللتم فاصطادوا)، ولم يرد ذلك، لم يكن أمرا. فإذا كان قد صح قوله (ولا تقربا هذه الشجرة) إرادة لترك التناول، فيجب أن يكون هذا القول أمرا، وإنما سماه منهيا عنه، ويسمى أمره له بأنه نهي من حيث كان فيه معنى النهي، لأن النهي ترغيبا في الامتناع من الفعل، وتزهيدا في الفعل نفسه. ولما كان الأمر ترغيبا في الفعل المأمور به وتزهيدا في تركه، جاز أن يسمى نهيا. وقد يتداخل هذان الوصفان في الشاهد فيقول أحدنا قد
Page 26